عبادته
لقد شهدت له ألقابه علي حسن عبادته، و شدة خوفه من الله تعالي، فمن زين المجتهدين، الي العبد الصالح، و النفس الزكية، و الصابر، الي غير ذلك من الألقاب المشيرة الي صفاته الموقرة، و عبادته المتواصلة؛ و لم يحدثنا التاريخ عن مسجون غير الامام موسي بن جعفر كان يشكر الله تعالي علي ما أتاح له من نعمة
[ صفحه 33]
التفرغ للعبادة بين جدران السجن، و يحسب ذلك نعمة، وجب بها عليه الشكر.
قال ابن الصباغ المالكي: ان شخصا من بعض العيون التي كانت عليه في السجن، رفع الي عيسي بن جعفر أنه سمعه يقول؛ في دعائه: «اللهم انك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك و قد فعلت، فلك الحمد» [1] .
و عن أبي حنيفة انه دخل علي أبي عبدالله عليه السلام فقال: رأيت ابنك موسي يصلي و الناس يمرون بين يديه.
فقال أبوعبدالله عليه السلام: ادعوا لي موسي، فدعوه، فقال له في ذلك. فقال: نعم يا أبه، ان الذي كنت أصلي اليه كان أقرب الي منهم، يقول الله تعالي: (و نحن أقرب اليه من حبل الوريد) فضمه أبوعبدالله الي نفسه ثم قال: بأبي أنت و أمي يا مودع الأسرار [2] .
و جاء في كشف الغمة: كان يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع و كان اذا قرأ القرآن يحزن و يبكي و يبكي السامعون لتلاوته [3] . و لكثرة سجوده كان له غلام يقص اللحم من جبينه، و عرنين أنفه، فقد نظم بعض الشعراء ذلك بقوله:
طالت لطول سجود منه ثفنته
فقرحت جبهة منه و عرنينا
رأي فراغته في السجن منيته
و نعمة شكر الباري بها حينا [4] .
پاورقي
[1] الفصول المهمة ص 222.
[2] المناقب ج 2، ص 372.
[3] كشف الغمة ص 247.
[4] حياة الامام موسي بن جعفر.