بازگشت

محمد بن أبي عمير


الأزدي، بغدادي الأصل و المقام، من أشهر علماء هذه الطائفة و من عيون رواتها، و قد أجمع الأصحاب علي تصحيح ما يصح عنه و علي عد مراسيله مسانيد؛ عاصر الامام الكاظم، و الرضا، و الجواد عليهم السلام، و سوف نلخص بعض أحواله.

علمه: كان من عيون العلماء، و من كبار الفقهاء، و قد أجمعت الأكثرية علي



[ صفحه 224]



الاقرار له بالفقه و العلم، و قد لازم ثلاثة من أئمة أهل البيت عليهم السلام و أشبع من نمير علومهم و قد زود الفقه الاسلامي بالشي ء الكثير من أحاديثه التي سمعها من الأئمة الميامين، و مراسيله بمنزلة الصحاح عند الفقهاء، و في هذا دليل علي سمو مكانته العلمية.

مؤلفاته: ألف من الكتب أربعا و تسعين كتابا منها:

كتاب المغازي، و كتاب الكفر و الايمان، و كتاب البداء، و كتاب الاحتجاج في الامامة، و كتاب الحج، و كتاب فضائل الحج، و كتاب المتعة، و كتاب الاستطاعة، و كتاب الملاحم، و كتاب يوم و ليلة، و كتاب مناسك الحج، و كتاب الصيام، و كتاب اختلاف الحديث، و كتاب المعارف، و كتاب الطلاق، و كتاب الرضاع.

و لكن من المؤسف أن هذه المؤلفات قد تلفت، و السبب في ذلك كما رووا انه تركها في غرقة فسال عليها المطر فأتلفها، و قيل ان أخته دفنت كتبه أثناء حبسه فضاعت، و ضاع بذلك علم هذا العالم الكبير.

عبادته: كان محمد من عيون المتقين الصالحين، فقد تربي في بيت الامامة، و سار علي خط أهل البيت عليهم السلام من رفض الدنيا المادية، و عدم الاهتمام بملذاتها و شهواتها، و يكفي للتدليل علي مدي عبادته ما رواه الفضل بن شاذان قال: دخلت العراق فرأيت شخصا يعاتب صاحبه و يقول له:

أنت رجل ذو عيال، و تحتاج أن تكسب لهم، و ما آمن عليك أن تذهب عيناك لطول سجودك، و أكثر عليه التوبيخ و التقريع، فالتفت اليه و قال له: «لو ذهبت عين أحد من السجود، لذهبت عين ابن أبي عمير ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما رفع رأسه الا عند زوال الشمس.

و قد عظمه و بجله جمع من المشايخ، و لا ريب أن تعظيم أولئك الاتقياء الصالحين له و اكبارهم لمنزلته مما يدل علي سمو مكانته و علو شأنه.

مع هارون و السجون: كان محمد بن أبي عمير من الشخصيات البارزة في العالم الشيعي نظرا لاتصاله الوثيق بأئمة أهل البيت عليهم السلام و في الوقت نفسه كان



[ صفحه 225]



عنده السجل العام الذي يتضمن أسماء الشيعة، و لقد ضاق علي هارون ذلك، فأمر أن يلقي في ظلمات السجون، فبقي فيها سبعة عشر عاما. ثم جي ء به اي الطاغية هارون و هو مكبل بالقيود، فطلب اليه ان يعرفه بأسماء الشيعة الذين يحتفظ باسمائهم، فامتنع و أبي، فأمر الظالم أن يضرب هذا المؤمن التقي مائة سوط، فضرب، و بلغ به الألم الشديد مبلغا غظيما. يقول: كدت أن أسمي الا أني سمعت نداء يونس بن عبدالرحمن يقول لي:

يا محمد بن أبي عمير، اذكر موقفك بين يدي الله، فتقويت بقوله و صبرت علي الألم و لم أخبر، و الحمد لله رب العالمين [1] .

من هذه الحادثة و أمثالها نقف علي مدي الظلم و الجور و الضغط الهائل الذي واجهته الشيعة في تلك الأدوار المظلمة من الحكام العباسيين الذين كان جل همهم السلطة و المال و الدنيا و الملذات.

وفاته: انتقل الي دار الخلود سنة 217 ه [2] فهنيئا له علي صلابة عوده و قوة عقيدته، و تمسكه بحبل أهل البيت الذي ما تمسك به أحد الا نجا من الضلال، و كسب رضي الله جل و علا.


پاورقي

[1] الكشي ص 364 و النجاشي ص 251 - 250.

[2] النجاشي ص 251.