بازگشت

دور الايمان في التعهد بالتكاليف


ان التعهد بالتكاليف و الشعور بالمسؤولية التي تحيط بالشؤون الاجتماعي من كل جهة، من أهم الأسس لسعادة الفرد و المجتمع علي حد سواء، و التربية الاسلامية العريقة تنبي علي أساس الشعور بالمسؤولية، فعلي كل مسلم أن يستند الي ايمانه أولا ثم الي العمل الصالح ثانيا ليضمن سعادته في حياته، و لا يجعل شيئا آخر سواهما مستندا لسعادته الواقعية.

و الامام زين العابدين عليه السلام يصف تكاليف الانسان في مختلف الشؤون فيقول «اعلم يرحمك الله: ان لله عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها أو سكنة سكنتها، أو منزلة نزلتها، أو جارية قلبتها، أو آلة تصرفت بها بعضها أكبر من بعض».



[ صفحه 250]



و الاسلام يري أن كل أحد مسؤول عن أعماله، و لا يتحمل أي فرد مسؤولية الآخرين، قال تعالي: (من اهتدي فانما يهتدي لنفسه، و من ضل فانما يضل عليها، و لا تزر وازرة وزر أخري) [1] .

ان في أعماق الانسان قوة تدعوه الي أداء تكاليفه و مسؤولياته، و حينما يتقبل الانسان دعوة ضميره و يبادر الي أداء تكاليفه فان تلك القوة الباطنية ستؤيده، و بعد فراغه من تكليفه تملأ نفسه سرورا و ارتياحا هذه القوة هي الضمير أو الوجدان الناشي ء من أعماق فطرة الانسان و هو الذي يحملنا علي ترك الرذائل، و التمسك بالأعمال الصالحات و لكن هل الضمير وحده يضمن تنفيذ الخير علي يد الانسان فيبعثنا علي اتباع التعاليم الدينية و يكون مستندا لاداء مختلف التكاليف؟؟ الحقيقة ان الضمير الأخلاقي بما له من أهمية في ضمان سعادة الانسان فهو لا يتمكن في جميع الأوضاع و الظروف أن يمنع سقوط الانسان و انحرافه و علينا بعد هذا ان نلتفت الي دائرة عمل الضمير، حيث أن أحكامه تختلف باختلاف الظروف الزمانية، و العادات القومية، اختلافا بينا؛ فنشاط الضمير انما هو في الدعوة الي أمور قد أقر بحسنها و فضلها من قبل ذلك العرف و العادة و السنن الاجتماعية. فالمرفوض في أمة من الأمم قد يكن مفضلا و محببا عند أمة أخري علي أساس سننها و أعرافها. و يدلنا التاريخ أن الشيطان قد زين في بعض أدوار الحياة البشرية أعمالا هي من أقبح ما يكون في الواقع، و لكن تحت ستار الأعمال الصالحة، و تلقاها الناس حينئذ بصفتها أعمالا مقبولة لديهم.

قال تعالي: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) [2] .

أضف الي ذلك كله ان الضمير من دون أن يستند الي مستند خاص لا يقدر علي المقاومة في مواجهة كثير من أهواء النفس و حب المال و السلطان و طغيان الشهوات، و هو في ساحة كفاحه مع الغرائز يفتقد شيئا من قوة مقاومته، و ربما



[ صفحه 251]



سقط أمام أول مجاهدة لميول النفس الأمارة بالسوء، فبامكانها ان تقلب الحقائق و تخدع الضمير و تخمد من نور المصباح المضي ء الذي ينور باطن الانسان.

و هنا يأتي دور الايمان، الايمان الذي يهدي الضمير و يرشد الوجدان، و يكون مستندا صحيحا له، و حاكما أمينا علي العادات و التقاليد و الأعراف، و لا يتكلف بتنفيذ أوامر العرف و السنن الاجتماعية.

ان الذين تيقظت في ذواتهم فطرة التوحيد و آمنوا بالله ايمانا صادقا قد استجابوا لنداء ضمائرهم استجابة تامة، و يرون اتباعها اطاعة للهداية التكوينية الالهية، فلا يثقل علي كواهلهم حمل التكاليف، بل يمنحهم قوة فاعلة و نشاطا مباركا فيبادرون الي أداء تكاليفهم بكل محبة و نشاط.


پاورقي

[1] سورة الاسراء، الآية 15.

[2] سورة الكهف، الآية 104 - 103.