بازگشت

من ظلم هارون الي ظلام السجن


ما العلاقة بين الظلم و الظلام؟. قال علماء اللغة:

- ظلم: يعني جار و جاوز الحد، و وضع الشي ء في غير مكانه. جاء في المثل:

«من شابه أباه فما ظلم» و قالوا أيضا: «من استرعي الذئب فقد ظلم».



[ صفحه 270]



و هذا المثل يضرب لمن يولي غير الأمين. و يقال: ظلم فلان فلانا: غصبه حقه أو نقصه اياه. و في الحديث: لزموا الطريق فلم يظلموه. و يقال:

هو ظالم. و ظلام. و هو و هي ظلوم.

- و ظلم الليل: اسود فهو ظلم. و أظلم الليل اسود. و يقال: أظلم الشعر. و القوم دخلوا في الظلام. و البيت جعله مظلما. و ظالمه: مظالمة، و ظلاما: ظلمه. و تظالم القوم: ظلم بعضهم بعضا.

الظلامة: ما يطلبه المظلوم. و الظلماء: الظلمة و يقال: ليلة ظلماء. و الظلمة: ذهاب النور. و المظلم: الشديد الظلمة. يقال: يوم مظلوم و أمر مظلام: لا يدري من أين يؤتي و الجمع مظالم.

فالعلاقة المشتركة بين الظلام و الظلم. ظلم هارون و ظلام السجن حتي ذهاب النور، فيفقد النظر التمييز بين الاشياء، بين السقيم و السليم.

و الظلم: يعني ذهاب الحق الذي يوضح الأمور، و يجلي الحقائق حتي تظهر علي حقيقتها، و لا لبس فيها. كما يعني وضع الشي ء في غير مكانه و المظلام هو هارون الرشيد و أشباهه من الملوك العباسيين، و من سبقهم من الأمويين. و المظلوم: هو الذي انتقص من حقه أو الذي لم يعط حقه و هو الامام موسي الكاظم عليه السلام و من سبقه من آبائه و أجداده الذين ضحوا بكل ما عندهم من قوي و قاوموا الظلم و الظالمين من أجل اعلاء كلمة الله عزوجل و المحافظة علي الشريعة الاسلامية، و الدفاع عن المظلوم و المستضعفين في الأرض ليبقوا أعزة كراما محترمين. قال تعالي واصفا المؤمنين: (و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين و لكن المنافقين لا يعلمون). [1] .

فلنتصور هذه المكانة الرفيعة التي منحها الله عزوجل للمؤمنين فقد أعطاهم شرفا عظيما و مكانة سامية لا يرقي اليها غيرهم في المجتمع، أعطاهم العزة بعد جلالته و بعد الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم. فأهل البيت عليهم السلام حافظوا علي هذه العزة



[ صفحه 271]



و دافعوا عنها فكانوا من المؤمنين الصادقين، و العباسيون حاولوا سلب هذه العزة منهم فكانوا ظالمين منافقين.

و الامام الكاظم عليه السلام الذي كظم غيظه سنينا طويلة من ظلم الحكام العباسيين، حافظ علي هذه العزة التي منحها رب العالمين للمؤمنين الصادقين...

فانتقل عليه السلام من ظلم هارون الي ظلام السجون، و لعل هذه المحنة التي عاناها بعزم و صبر من أقسي المحن و أفجعها؛ ألمت به فتحملها و كظم غيظه في صدره صابرا مجاهدا في سبيل الله.

لقد قضي زهرة شبابه في ظلمات السجون محجوبا عن أهله و شيعته، محروما من نشر علومه علي الناس جميعا. فكان شبيه عيسي بن مريم في تقواه و ورعه و صلاحه.

جهد هارون في ظلمه، و أمعن في التنكيل به خوفا من تسلمه الخلافة، علما أن الامام عليه السلام لم يكن يبغي الحكم و السلطان، و لم يكن يبغي الجاه و المال، و انما كان يبغي نشر العدل و الحق بين الناس، و مقاومة ظلم أولئك الحكام و جورهم و استبدادهم بأمور المسلمين.

ان تاريخ الانسانية قديما و حديثا حافل بالثورات الصاخبة التي قام بها المصلحون الاجتماعيون علي حكام الظلم و الطغيان من أجل اسعاد أبناء مجتمعهم، و انماء أوطانهم، حتي عانوا في سبيل ذلك جميع ضروب الأذي، و أنواع التنكيل و التشريد و الاضطهاد؛ و كان في طليعة هؤلاء المجاهدين و المكافحين عن كرامة المسلمين أئمة أهل البيت عليهم السلام.

فقد قدموا أروع التضحيات، و تحملوا أقسي ألوان الجهاد في سبيل الله من أجل انقاذ المسلمين من الجور العباسي، و الاستبداد السياسي الذي تمثل علي مسرح الحكام الأمويين و العباسيين.

هؤلاء الحكام باعوا دينهم بدنياهم بثمن زهيد، فتلاعبوا بمقدرات المجتمع، و سلبوا أموال المسلمين و صرفوها علي الفجور و المجون، و بذلوها للعملاء الخونة الذين ساندوهم و أعانوهم علي الظلم و الجور.



[ صفحه 272]



و أئمة أهل البيت عليهم السلام باعتبارهم مسؤولين عن رعاية الدين، و حماية المسلمين، كان من واجبهم الشرعي مقاومة ذلك الحكم الجائر و مكافحة الظالمين المستبدين، فنفروا في وجه الظلم، و انقذوا المجتمع الاسلامي من الجور و الاستبداد اللذين حلا في العباد و البلاد. فقاموا بما يجب عليهم من اداء رسالتهم الانسانية بكل أمانة و اخلاص.

و كان زعيم المعارضين المناضلين لسياسة هارون هو الامام موسي الكاظم عليه السلام. الذي قضي زمنا طويلا في السجون حتي لفظ أنفاسه الأخيرة فيها و هو شهيد غريب عاني أمر الآلام، و أدهي الخطوب.


پاورقي

[1] سورة المنافقون، الآية: 8.