بازگشت

التنكيل بالفضل


كان لهارون بعض العملاء المأجورين يراقبون و يوصلون بأخبارهم اليه، كما في عصرنا اليوم، انطلقوا اليه و أخبروه بحسن معاملة الفضل للامام عليه السلام و لما سمع ذلك الطاغية استشاط غضبا و أنفذ بالحال خادمه مسرور الي بغداد ليكشف له حقيقة الأمر، فان كان الأمر علي ما بلغه مضي الي العباس بن محمد و أوصله رسالة يأمره فيها بجلد الفضل بن يحيي، و كذلك أمره بالوصول الي السندي بن شاهك مدير شرطته و منفذ أوامره لينفذ ما أمر به دون أي تأخير.

قدم العميل مسرور الي بغداد فنزل دار الفضل بن يحيي لا يدري أحد ما يريده ثم دخل خلسة الي الامام موسي عليه السلام فوجده مرفها مرتاحا كما بلغ هارون



[ صفحه 283]



فمضي من فوره الي العباس و أمره بتنفيذ أمر الخليفة، و كذلك سار الي السندي فأمره باطاعة العباس، أرسل العباس فورا الشرطة الي الفضل فأخرجوه من داره و هو يهرول و الناس من حوله، فدخل علي العباس فأمر بتجريده، ثم ضربه مائة سوط.

خرج الفضل بعد هذا الجزاء الظالم و قد انهارت قواه و دكت أعصابه متحرقا علي الامام ماذا سيحصل له.

كتب مسرور الوغد الحقير الي هارون بما فعله، فأمره بنقل الامام من عند الفضل و اعتقاله في دار السندي بن شاهك. ثم جلس هارون في مجلس حافل ضم جمهورا غفيرا من الناس، فرفع صوته قائلا: أيها الناس، ان الفضل بن يحيي قد عصاني، و خالف طاعتي، و رأيت أن ألعنه فالعنوه.

ارتفعت أصوات العملاء من جميع جنبات الحفل باللعن و السباب و الشتم علي الفضل حتي اهتزت الأرض من أصوات اللعن.

و بلغ يحيي بن خالد ذلك فأسرع الي الرشيد و دخل عليه من غير الباب الذي يدخل منه الناس، و أسره قائلا: يا أميرالمؤمنين، ان الفضل حدث، و أنا أكفيك ما تريد.

فسر هارون بما أخبره صنيعه الوغد و ذهب عن نفسه ما يحمله من الحقد علي الفضل، فأراد يحيي أن يستعيد كيان ولده و يرد له كرامته.

فقال للرشيد: «يا أميرالمؤمنين، قد غضضت من الفضل بلعنك اياه فشرفه بازالة ذلك» فأقبل هارون بوجهه علي الناس، و رفع عقيرته قائلا: «ان الفضل قد عصاني في شي ء فلعنته، و قد تاب و أناب الي طاعتي فتولوه».

ارتفعت الأصوات المأجورة ثانية من جميع جنبات الحفل و أعلنت التأييد الشامل لتلك السياسة المتقلبة و المتناقضة و هي ذات لهجة واحدة أعلنها أولئك الناس الذي يهتمون بمصالحهم الخاصة و لا يؤمنون بالقيم و لا بالمثل العليا مرددين:



[ صفحه 284]



«يا أميرالمؤمنين، نحن أولياء من واليت، و أعداء من عاديت، و قد توليناه» [1] .

و كما تري هكذا كانت حالة الجماهير الاسلامية في ذلك العصر قد انحرفت عن المبادي ء الأصيلة، و فقدت وعيها و حسها و ساعدت الطاغية علي ظلمه فأطاعته و نفذت رغباته الظالمة و الجائرة بحق امام معصوم ابن امام معصوم، شريف بري ء لم يقترف ذنبا و لا ارتكب خطأ، و لو كان عندهم أي شعور ديني لما سجن الامام عليه السلام و لما نكل به من سجن الي سجن مقيدا بالأغلال و الحديد.

و يعود السبب في ذلك كله الي عبث السياسة الملتوية في الأوساط الاجتماعية و نشرها الفساد و الفجور و البؤس و الشقاء و التسيب في ربوع ذلك المجتمع حتي كان من نتائجه مواقف مذمومة لا يحمد عقباها بأي حال. كما كشفت لنا هذه البادرة مدي الحقد و الكراهية التي يكنها هارون اللعين في نفسه للامام عليه السلام الشريف. فقد نكل بالفضل بن يحيي و هو كان من أعز الناس عنده و أقربهم اليه، و أعلن شتمه و سبه لأنه أحسن معاملة الامام عليه السلام و لم يضيق عليه في السجن. علما أن المدة التي قضاها الامام عليه السلام في سجن الفضل قصيرة للغاية كما ذكر الرواة أياما معدودة. و نختصر فنقول:

كانت أرواح الناس في العصر العباسي و دماؤهم يتصرف فيها الحكام حسب ما أرادوا، فالملك يفعل ما يريد فهو ظل الله علي الأرض لا يسأل عن ذنب و لا جرم، همه كرسي الحكم و كفي.


پاورقي

[1] مقاتل الطالبيين ص 304 - 303.