بازگشت

التضييق علي الامام


أمر هارون الطاغية جلاده السندي الباغي ان يضيق علي الامام، و أن يقيده بثلاثين رطلا من الحديد، و يقفل الباب في وجهه، و لا يدعه يخرج الا للوضوء. و امتثل السندي لأوامر معلمه، فعمل علي التضييق علي الامام، و وكل علي مراقبته مولاه بشارا، و كان من أشد الناس بغضا لآل أبي طالب و لكنه لم يلبث أن تغير حاله، و تاب الي طريق الحق، لما رآه من كرامات الامام عليه السلام و معاجزه، و قام ببعض الخدمات له [1] .

لم يرع السندي حرمة الامام عليه السلام و تعرض لاساءته، فقد حدث أبوالأزهر ابن ناصح البرجي قال:

اجتمعت مع ابن السكيت [2] في مسجد يقع بالقرب من دار السندي، فدارت



[ صفحه 287]



بيننا مذاكرة في علم العربية، و كان في الجامع رجل لا نعرفه فالتفت الينا قائلا: «يا هؤلاء، أنتم الي اقامة دينكم أحوج منكم الي اقامة ألسنتكم».

و أخذ الرجل يدلي علينا بالأدلة الوافرة علي ضرورة الامامة، ثم قال:

- ليس بينكم، و بين امام العصر غير هذا الجدار - و أشار الي جدار السندي.

- لعلك تعني هذا المحبوس؟

- نعم. يقول أبوالأزهر فعرفنا الرجل من الشيعة، و انه يذهب الي الامامة فقلنا له: قد سترنا عليك، و طلبنا منه أن يذهب عنا لئلا نبتلي بسببه فانبري الرجل لنا و قال: «و الله لا يفعلون ذلك أبدا، و الله ما قلت لكم الا بأمره، و انه ليرانا و يسمع كلامنا، و لو شاء ان يكون ثالثنا لكان».

يقول أبوالأزهر: و في أثناء الحديث دخل علينا رجل من باب المسجد تكاد العقول أن تذهب لهيبته و وقاره، فعلمنا انه الامام موسي بن جعفر عليه السلام فبادرنا قائلا: أنا ذلك الرجل الذي حدثكم عني صاحبي، و في الوقت أقبل السندي و معه جماعة من شرطته فقال للامام بغير حياء و لا خجل: «يا ويحك كم تخرج بسحرك و حيلتك من وراء الأبواب و الأغلاق فلو كنت هربت كان أحب الي من وقوفك ههنا أتريد يا موسي أن يقتلني الخليفة؟».

فقال له الامام عليه السلام و التأثر باد عليه:

«كيف أهرب، و كرامتي - أي نيلي الشهادة - علي أيديكم».



[ صفحه 288]



ثم أخذ بيد الامام عليه السلام و أودعه السجن.

هكذا كانت حالة الامام عليه السلام يساء اليه و يضيق عليه و هو صابر محتسب قد كظم غيظه، و بث همومه و أشجانه الي الله تعالي.


پاورقي

[1] نفسه ج 11 ص 305.

[2] هو أبويوسف يعقوب بن اسحق الدورقي الأهوازي الامامي النحوي اللغوي، كان ثقة جليلا من عظماء الشيعة، و يعد من خواص الاماميين التقيين و كان حامل لواء علم العربية، و الأدب، و الشعر، له تصانيف كثيرة منها: تهذيب الألفاظ، اصلاح المنطق، قال ابن خلكان: قال بعض العلماء ما عبر علي جسر بغداد كتاب من اللغة مثل (اصلاح المنطق) و لا شك انه من الكتب النافعة الممتعة الجامعة لكثير من اللغة و لا نعرف في حجمه مثله في بابه، و قد عني به جماعة، و اختصره الوزير المغربي، و هذبه الخطيب التبريزي، و قال ثعلب: أجمع أصحابنا أنه لم يكن يعد ابن الأعرابي أعلم باللغة من ابن السكيت، قتله المتوكل في 5 رجب سنة 244 ه. و سبب قتله انه قال له يوما: أيهما أحب اليك ابناي هذان، أي المعتز و المؤيد، أم الحسن و الحسين، فقال ابن السكيت: و الله ان قنبر خادم علي بن أبي طالب عليه السلام خير منك و من ابنيك، فقال المتوكل للأتراك: سلوا لسانه من قفاه ففعلوا ذلك فمات، و من الغريب انه قبل قتله بقليل قال:



يصاب الفتي من عثرة بلسانه

و ليس يصاب من عثرة الرجل



فعثرته في القول تذهب رأسه

و عثرته في الرجل تبرأ عن مهل



جاء ذلك في الكني و الألقاب: ج 1 ص 304 - 303.