بازگشت

اغراء و فتنة


أرسل هارون الي الامام في سجنه جارية بارعة في الجمال، بيد أحد خواصه لتتولي خدمته، عل الامام يفتتن بحسنها في اعتقاد هارون.

فلما وصلت اليه قال عليه السلام لمبعوث هارون:

«قل لهارون: بل أنتم بهديتكم تفرحون [1] ، لا حاجة لي في هذه و لا في أمثالها» فرجع الخادم و معه الجارية و أبلغ هارون قول الامام فغضب غضبا شديدا و قال للخادم: ارجع اليه و قل له: ليس برضاك حبسناك، و لا برضاك أخدمناك، و اترك الجارية عنده و انصرف».

رجع رسول هارون و ترك الجارية الحسناء عند الامام، و أبلغه بمقالته ثم أنفذ هارون خادما الي السجن ليراقب و يتفحص حال الجارية. فلما انتهي اليها رآها ساجدة لا ترفع رأسها و هي تقول: «قدوس، قدوس» فمضي الخادم مسرعا و أخبر هارون بحالها فقال: سحرها و الله موسي بن جعفر علي بها!!».

فجي ء بها اليه، و هي ترتعد خوفا فشخصت ببصرها نحو السماء و هي تذكر الله و تمجده، فقال لها هارون: ما شأنك؟

قالت: شأني الشأن البديع، اني كنت عنده واقفة، و هو قائم يصلي ليله و نهاره، فلما انصرف من صلاته قلت له:

هل لك حاجة أعطيكها؟ فقال عليه السلام: و ما حاجتي اليك؟

قلت: اني أدخلت عليك لحوائجك. قال الامام عليه السلام:

فما بال هؤلاء - و أشار بيده الي جهة - فالتفت، فاذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري، و لا أولها من آخرها، فيها مجالس مفروشة بالوشي و الديباج، و عليها وصائف و وصايف لم أر مثل وجوههم حسنا، و لا مثل لباسهم لباسا، عليها الحرير الأخضر، و الأكاليل و الدر و الياقوت و في أيديهم الأباريق



[ صفحه 297]



و المناديل، و من كل الطعام فخررت ساجدة حتي أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت، فقال لها هارون و الحقد يتطاير من عينيه لأن مؤامرته باءت بالفشل فقال: يا خبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك.

فقالت: لا و الله يا سيدي، رأيت هذا قبل سجودي، فسجدت من أجل ذلك.

فالتفت هارون الي خادمه، و أمره باعتقال الجارية، ليخفي الحادث تماما، لئلا يسمعه النسا. فأخذها الخادم، و اعتقلها عنده، فأقبلت علي العبادة و الصلاة، فاذا سئلت عن ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح، و قالت اني لما عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة، ابعدي عن العبد الصالح حتي ندخل عليه فنحن له دونك، و بقيت عاكفة علي العبادة حتي لحقت بالرفيق الأعلي [2] .

تبارك الله بهذا الامام العظيم الذي يغير أسماء الأشياء من قبيح الي جميع و من سيي ء الي حسن و من شرير الي صالح و من كافر الي مؤمن، كل ذلك بعمق ايمانه و لطف محبته و سمو أخلاقه و غزارة علمه فكانت له تلك الكرامات بين الناس جميعا. فحارسه انقلب الي صديق و الجارية الخليعة انقلبت الي مؤمنة صالحة.

لكن هارون الطاغية، هارون اللئيم، هارون العنيد ألم يشاهد أنواع هذه الكرامات للامام عليه السلام؟ فلماذا لم يؤمن بها؟ و لماذا زاغ قلبه؟ و لما استولت علي نفسه دكنة قاتمة أنسته ذكر الله و اليوم الآخر؟ كل ذلك حب الجاه و السلطان، حب المال و الدنيا الفانية!!


پاورقي

[1] راجع سورة النمل، الآية: 35.

[2] المناقب ج 2 ص 264 - 263.