بازگشت

الي جنة المأوي


في اليوم الثالث سري السم في جميع أجزاء جسم الامام الطاهر عليه السلام فأخذ يعاني أشد الآلام و أقسي الأوجاع، و قد علم عليه السلام أن لقاءه بربه أصبح قريبا فاستدعي السندي و طلب اليه أن يحضر مولي له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولي غسله، و سأله السندي أن يأذن له في تكفينه فأبي عليه السلام و قال:



[ صفحه 307]



«انا أهل بيت مهور نسائنا و حج صرورتنا و أكفان موتانا من طاهر أموالنا و عندي كفني» [1] .

أحضر له السندي مولاه الذي طلبه، و لما ثقل حال الامام عليه السلام و أشرف علي النهاية المحتومة و أخذ يعاني زفرات الموت، استدعي المسيب بن زهرة و قال له: «اني علي ما عرفتك من الرحيل الي الله عزوجل فاذا دعوت بشربة ماء و شربتها و رأيتني قد انتفخت، و اصفر لوني و احمر و اخضر و تلون ألوانا فأخبر الطاغية هارون بوفاتي» قال المسيب:

فلم أزل أراقب وعده حتي دعا عليه السلام بشربة فشربها ثم استدعاني فقال لي:

«يا مسيب ان هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم انه تولي غسلي و دفني، و هيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا، فاذا حملت الي المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها، و لا ترفعوا قبري فوق أربعة أصابع مفرجات، و لا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به، فان كل تربة لنا محرمة الا تربة جدي الحسين بن علي عليه السلام فان الله عزوجل جعلها شفاء لشيعتنا و أوليائنا».

قال المسيب: ثم رأيت شخصا أشبه الأشخاص به جالسا الي جانبه و كان عهدي بسيدي الرضا عليه السلام و هو غلام، فأردت أن أسأله، فصاح بي سيدي موسي، و قال: أليس قد نهيتك، ثم ان ذلك الشخص قد غاب عني، فجئت الي الامام عليه السلام فاذا به جثة هامدة قد فارق الحياة فأنهيت الخبر الي الرشيد بوفاته [2] .

لقد لحق الامام عليه السلام بالرفيق الأعلي الي جنة المأوي الي جوار أبيه جعفر الصادق عليه السلام و أجداده المعصومين و جده الرسول الأمين صلي الله عليه و اله و سلم فاضت نفسه الزكية الي بارئها فأظلمت الدنيا لفقده و أشرقت الآخرة بقدومه. و قد خسر المسلمون ألمع شخصية كانت تدافع عنهم و تطالب بحقوقهم، كما خسر الاسلام علما عيما يذب عن كيان الاسلام، و يدافع عن كلمة التوحيد، و يناظر و يحاجج كل من أراد الاعتداء أو التحريف في شريعة الله الخالدة.



[ صفحه 308]



عاش معظم حياته لغيره، فكان أبر الناس بالناس، يعطف علي الضعفاء، و يساعد الفقراء بصرره المعروفة باسمه، و أثلج قلوب المحتاجين بهباته الدائمة و عطاياه السخية ليخفف عنهم مرارة العيش و شقاء الحياة.

كان حليما، كريما، بارا، متسامحا، محبا، عالما، تقيا، ورعا، مجاهدا، فقالوا عند موته: مات أحلم الناس، و أكظمهم للغيظ، و قد طويت بموته صفحة بيضاء من أروع الصفحات في العقيدة الاسلامية.

أيها العلم المجاهد المكافح، أيها الامام العظيم لقد تلحفت بثوب الشهادة و مضيت الي الله شهيدا سعيدا فهنيئا لك في مثواك الشريف الذي ما زال و سيبقي مزارا لكل المسلمين المؤمنين.

فأين قبر هارون الطاغية؟ الذي صب عليك جام غضبه و أذاقك ألوان الأذي و الارهاق لقد اندثر كما اندثر غيره من قبور الطغاة الظالمين. وقفت في وجه هارون و كنت من أقوي خصومه تنعي عليه ظلمه و تندد باسرافه و تبذيره أموال المسلمين علي قصوره و خدامه و راقصاته و حيواناته...

أيها الشهيد السعيد سجبت استبداد الظالمين و جورهم و فزت برضاء الله و لم تصانع و لم تخادع بل رفعت راية الحق التي رفعها قبلك أبوك و جدك، و هتفت بصوت العدل تريد الخير و السعادة لجميع المسلمين الأحرار. لقد فزت فوزا كبيرا و بقي اسمك عطرا علي ألسن المسلمين المجاهدين قاطبة، و لقد خسر خصمك، و بطل سعيه، و أخمد ذكره و بات لعنة تلفظه الأفواه و لا يذكر الا قرين الخيبة و الخسران.

أنت كوكب من كواكب الاسلام المشرقة و علم من أعلام الانسانية نقف عندك لنأخذ عبرة و نستلهم من مواقفك كل جوانب الخير و الحق.

لقد كنت علي شفة الموت و جفن الحياة و بينهما مشرف الشهادة و هذه فوق الحياة و الموت لأنها عري الذات و امتشاق الارادة للانهمار علي بحر الله و الانذياع فيه بدون شراع. فسلام عليك يابن رسول الله، يوم ولدت، و يوم استشهدت، و يوم تبعث حيا.



[ صفحه 309]




پاورقي

[1] مقاتل الطالبيين ص 504 و البحار ج 11 ص 303.

[2] عيون أخبار الرضا.