بازگشت

الي المقر الأخير


قال تعالي: (كل نفس ذائقة الموت و انما توفون أجوركم يوم القيامة) [1] .

أحاطت الجماهير الحزينة بالجثمان المقدس و هي تتسابق علي حمله للتبرك به. حفر له قبر في مقابر قريش، و انزله سليمان بن أبي جعفر في مقره الأخير هو مذهول مرعوب خائر القوي، و بعد فراغه من مراسيم الدفن، أقبلت اليه الناس تعزيه و تواسيه بالمصاب الأليم.

فهنيئا لك أيها القبر باستقبال هذا الضيف الطاهر هذا العالم المعلم، و هذا العبد الصالح الذي آثر طاعة الله علي كل شي ء في هذه الدنيا انصرف المشيعون و هم يعددون فضائل الامام الشريفة و مناقبه السامية و يذكرون ما عاناه الكاظم غيظه من المحن و الخطوب و قيود السجن قالوا كلهم: ان فقد الامام كان من أعظم النكبات التي مني بها العالم الاسلامي عامة و الشيعة خاصة في ذلك العصر.

و لا غرو في ذلك لقد فقد المسلمون علما من أعلام العقيدة الاسلامية و اماما معصوما من الأئمة المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و غصنا من دوحة النبوة.

هكذا عمت قلوب الطامعين بالملك فتحجرت قلوبهم و تصلبت أحاسيسهم فجاروا و ظلموا و بطشوا و ضيعوا موازين الحق و العدل. و الغريب العجيب أنهم نصبوا أنفسهم علي الناس بحد السيف و سموا أنفسهم خلفاء الله علي الأرض. لقد ضاعوا في دنيا الجاه و السلطان و غرقوا في لجج الأنانية و حب التسلط و قد تحمل الامام الكاظم كل هذا الجور و الظلم و بقي صامدا أمام الظالمين لا يلين و لا يضعف أمام جورهم و ظلمهم.



[ صفحه 316]



عاش عليه السلام في حياته عيشة المتقين الصالحين، و المجاهدين المدافعين عن حقوق الأمة الاسلامية، لقد رفع كلمة الحق و حطم الباطل فلم يجار هارون، و لم يصانعه، بل كان من أقوي الجهات المعادية له، و قد تحمل في سبيل ذلك جميع ضروب الأذي و كل ألوان الآلام حتي لفظ نفسه الشريف في ظلمات السجون و فاز بالشهادة، و جعل الله ذكره خالدا مدي الدهور، و قدوة صالحة تسير عليها الأجيال المجاهدة في سبيل الله، و مرقده في بغداد كان و لم يزل ملجأ للمنكوبين و ملاذا للملهوفين، يسعون اليه من كل حدب و صوب و يدعون له لحل مشاكلهم و تسهيل أمورهم، و ما قصد مرقده أحد من طلاب الحاجات الا لبي حاجته و ما خاب من دعاه.

و قد من الله عليه عليه السلام فجعله من أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطيهرا.


پاورقي

[1] سورة آل عمران، الآية: 185.