بازگشت

الخاتمة


ابتلي التاريخ الاسلامي بكثير من المؤرخين و الرواة الذين عاشوا علي موائد الملوك و أموالهم: فافتعلوا لهم المآثر و الفضائل و أضافوا اليهم النعوت البراقة و الأوصاف الخلابة الأمر الذي أدي الي تشويه التاريخ الاسلامي. فعلي كل باحث منصف أن ينظر الي هذا التاريخ نظرة عميقة صادقة فيعريه من ألوان الدعاية ليكون فهمه علي أساس واقعي رصين.

ان علي الباحثين في تاريخ الشخصيات الاسلامية ان لا يضيفوا الي مراكزه العليا الا الأكفاء المتربين علي مثاليته و هديه؛ أما الأدعياء الذين لفوا لواء الاسلام و هدموا و خربوا و ظلموا فيجب تجريدهم من اطار الشخصية الاسلامية المثالية و ابعادهم عن تاريخه الناصع.

ان المقياس الحقيقي و الميزان السليم هي الشريعة الاسلامية فما كان من أعمال الحكام مرتبطا بها فهم محسوبون علي الاسلام و هو مسؤول عنهم كالأئمة المعصومين عليهم السلام، أما الاعمال النابية المنحرفة عن الاسلام و التي لا تمثل هديه و واقعه فانه غير مسؤول عنها و لا تمثل وجهة نظره، و كثيرون من أعداء الاسلام قد آخذوه بأعمال بعض الحكام كالوليد و المنصور و الرشيد و المتوكل و الهادي و نظرائهم من الذين أثبتوا في أعمالهم السياسية و الادارية أنهم أعداء الاسلام فكيف يحاسب الاسلام علي ما اقترفوه من عظيم الذنوب و الآثام.

من هنا كان علي دعاة الاصلاح ان يؤدوا رسالة الاسلام علي حقيقتها النازلة



[ صفحه 322]



من رب العالمين، و يعرفوا الجماهير برجال الاسلام المخلصين الذين قاموا بأهم التضحيات في سبيل نشر العدالة و القيم الانسانية، و رفع مستوي الحياة اللائقة.

و اني أري انه من الضرورة الملحة افهام الناس بذلك و تغذية ناشئتهم بالآداب الاسلامية ليتربي علي ذلك جيل واع سباق لفعل الخيرات و القيام بخدمة بلاده و مجتمعه باخلاص و وفاء.

و مما لا شك فيه باجماع المسلمين ان أكبر رجال الاسلام علما و أكثرهم تضحية و أشدهم جهادا في سبيل الله هم أئمة أهل البيت عليهم السلام فهم القدوة الصالحة للأمة الاسلامية و هم منابرها المشرقة علي دروب الخير و الهداية، و قد ضمن النبي الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم لأمته أن لا تضل عن طريق الحق و الصواب لو أخذت بتعاليمهم و تمسكت بهم. قال صلي الله عليه و اله و سلم: «اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا».

و الجميع منهم عليهم السلام علي تجردهم من مآثم هذه الحياة، كان لهم اتجاه واحد هو خدمة الاسلام و العمل في سبيل المصالح العامة. و لذلك نراهم قد جاهدوا و كافحوا ضد الظالمين و المنحرفين و المضللين. و مما لا ريب فيه ان بلوغ هذه الأمة ذروة الحق و نهضتها الحضارية المباركة من أجل الزحف المقدس يتوقف علي اقتدائها بسيرة أهل البيت عليهم السلام و الأخذ بتعاليمهم، لأن تعاليمهم هي تعاليم جدهم المصطفي صلي الله عليه و اله و سلم و تعاليم جدهم صلي الله عليه و اله و سلم من رب العالمين جل و علا. و الامام موسي أحد هذه الكواكب المشرقة و امام من أئمة العترة الطاهرة، و قد كظم غيظه و أدي رسالة ربه بكل أمانة و اخلاص و تحمل في سبيل ذلك أقسي ألوان المحن و الخطوب في السجون و القيود بعيدا عن الأهل و الأصحاب. فقاوم و ازدري بسلطان هارون و صارحه بجوره و اغتصابه لمركز الخلافة الاسلامية و لم يدار و لم يصانع.

و لقد تشرفت بالبحث عن سيرة هذا الامام العظيم الامام السابع من أئمة أهل البيت عليهم السلام فذكرت سيرته منذ الولادة حتي انتقاله عليه السلام الي مقره الأخير، ثم تحدثت عن عصره و محنه مع الحكام العباسيين. ثم علمه الزاخر ورده علي



[ صفحه 323]



الضالين و المشعوذين و مناظراته معهم جميعا حتي افخامهم و اقناعهم.

كما أجريت عرضا موجزا لدرر من حكمه الخالدة حسب حروف الأبجدية و سردت دروسا مثالية عن هذا الامام المثالي، و تحقيقه الأهداف السامية بفضل ايمانه العميق و تعهده بالتكاليف الشرعية المطلوبة منه تجاه أمته و تجاه رب العالمين.

ثم أجريت كشفنا عن أبرز الرواة و الأصحاب الذين رووا عنه.

و أخيرا الامام الكاظم عليه السلام ينعي نفسه الي المقر الأخير.

و اني أسعي بكل جهودي لأقدم الي المكتبة الاسلامية هذا العمل المتواضع و هو صفحة من حياة الامام موسي الكاظم عليه السلام، و مثل موجز لشخصيته العظيمة. و لا أزعم أنني قد ألممت بجميع شؤونه و علومه و آثارهه، فذاك أمر لا تسعه المجلدات الكبيرة. و ان الباحث المتتبع لعلوم هذا الامام العظيم يجد صورا جديدة مشرقة كثيرة من حياته، كما يجد في تراثه الكثير من الحكم و الآراء القيمة في جميع ميادين السلوك و الأخلاق و الآداب و الاجتماع و الفقه و العلوم الأخري...

و قد أعطيت صورة موجزة عن بعض معارفه و مثله و تراثه، كما ذكرت كوكبة من أصحابه و رواة حديثه و أبنائه؛ و بحثت موضوعي بعيدا عن التحيز و التعصب و كان رائدي الاخلاص للحق راجيا أن يكون ذلك خدمة للاسلام و خدمة لعلم كبير من أعلامه العظماء النابهين.

هذا بعض ما في هذا البحث أرفع به أسمي آيات الشكر و التقدير للمساهمين بهذه المباراة الكريمة، كما أشكر اللجنة الكريمة و أرجو منها نقدا موضوعيا تصحيحيا راجيا لهم دوام العافية و جزاهم الله عني خير جزاء انه نعم المولي و نعم النصير، و الحمد لله رب العالمين.

د. حسين ابراهيم الحاج حسن

25 / 4 / 1999

الموافق 8 محرم 1420 هـ