بازگشت

قيمة الدعاء


و الدعاء باب كبير يستحق الدراسة بعناية خاصة من جميع جوانبه: الأدبية و الاجتماعية و النفسية و الدينية و الأخلاقية..



[ صفحه 60]



و الدعاء راحة للنفس فيه اعتزاز و كبرياء و اخلاص، لأن الداعي يدعو رب العالمين، و فاطر السماوات و الأرض و رب العرش العظيم و هل أعظم و أرفع و أفضل و أنبل من الله عزوجل، الرحمان الرحيم، الذي يقول للشي ء كن فيكون.؟!

ألم يخلق الانسان بأحسن تقويم، و خلق له جميع ما في الدنيا من الطيبات الا يحق له أن يسبحه في كل أوان، و يدعوه عند اشتداد البلايا و الأحزان؟

فالدعاء يصبح ذوب أنفاس أفعمت بحب الخالق، و فيض أرواح تقطعت في سبيل العشق الآلهي، و هو ابتهالات تأخذ بمجامع القلوب و نبضات الجوارح، و اطلالة شوق الي عالم القدسية و الطهارة.

و الدعاء هو الذي ينمي في روح الانسان الصلة الروحية بالله حيث يشعر الداعي بان الله عزوجل قريب منه و قريب من آلامه، و حلال لمشاكله، و ملبي حاجاته، فيدعو ربه ليفتح عليه أبواب رحمته، و ليخفف عنه ما ثقل عليه من ذلك، و يقضي له ما صعب حله، و بعدها يأتيه الفرج، و يدخل الي قلبه الفرح.

يقول الامام الكاظم: «... يا رحيما بكل مسترحم، و يا رؤوفا بكل مسكين، و يا أقرب من دعي و أسرعه اجابة، و يا مفرجا عن كل ملهوف، و يا خير من طلب منه الخير و أسرعه عطاء و نجاحا، و أحسنه عطفا و تفضلا» و الدعاء هو الفناء في الله جل و علا حيث تعقبه حياة أبدية، و الرحيل اليه بشوق يبعث حرارة الشعور و صدق العاطفة، و نبل الأحاسيس، و شفافية الروح الي من اليه ترجع الأمور.

و الدعاء أيضا هو نموذج لنقاء السريرة، و اخلاص القلوب، و صفاء الرؤي، يقول الامام الكاظم:

«السر عندك علانية، و الغيب عندك شهادة، تعلم و هو القلوب، و رجم الغيوب، و رجع الألسن، و خائنة الأعين، و ما تخفي الصدور و أنت رجاؤنا عند كل شدة، و غياثنا عند كل محل، و سيدنا في كل كريهة، و ناصرنا عند كل ظلم، و قوتنا عند كل ضعف، و بلاغنا في كل عجز؛ كم من كريهة و شدة ضعفت فيها القوة،



[ صفحه 61]



و قلت فيها الحيلة، أسلمنا فيها الرفيق و خذلنا فيها الشفيق، انزلتها بك يا رب و لم نرج غيرك، ففرجتها و خففت ثقلها، و كشفت غمرتها، و كفيتنا اياها عمن سواك، و لا يخفي علي الأدباء أن أدعية الامام الكاظم عليه السلام كأدعية جده الامام زين العابدين عليه السلام [1] جاءت محببة الي النفوس بما انطوت عليه من فنون البلاغة و الفصاحة، و جمال الاسلوب، و سعة العرض، و حسن التعبير، و هي خير منهل يغرف منه طلاب الأدب و البلاغة و الفصاحة و البيان و صناعة الكتابة.

و هذه الأدعية عند الأئمة المعصومين يمكن أن تعطي أطروحة دراسات عليا بعنوان: الفن الأدبي في الدعاء، أو أدب الدعاء عند أهل البيت عليهم السلام أو قيمة الدعاء و أثره في الأدب العربي.


پاورقي

[1] الصحيفة السجادية للامام زين العابدين عليه السلام و قد عالج هذا الموضوع عدد من الباحثين العلماء منهم السيد عباس الموسوي في كتابه (في رحاب الصحيفة السجادية).