بازگشت

الامامة


الذي دفعني الي الحديث عن الامامة هو سؤال بعض الأساتذة الزملاء في الجامعة اللبنانية، كلية الآداب قوله: لماذا الشيعة يعظمون دور الامامة أكثر مما تستحق؟ و ما هو دور الامام بعد وفاة النبي صلي الله عليه و اله و سلم؟

قبل الجواب علي هذا السؤال أري من الغريب جدا ما يدعيه غير الشيعة من أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم رحل من هذه الدنيا و لم يوص الي أحد من بعده ليقوم مقامه، و يتحمل مسؤولية تنفيذ الدعوة الاسلامية، فترك الأمة بلا امام يدير شؤونها، و يجمع شملها، و يوضح السنن، و يقوم الأعوجاج، و يقيم الحدود، و يرشد الضالين عن الخط الاسلامي الصحيح؟!!

و ما هو ثابت عند المؤرخين و كتاب السنن أنه صلي الله عليه و اله و سلم كان يستخلف علي المدينة اذا أراد سفرا، و لا يرسل جيشا في مهمة حتي يعين له قائدا، و ربما عين لبعض جيوشه أكثر من قائد [1] .



[ صفحه 62]



و من المؤسف انه عندما يريدون تنزيه شخص أو جماعة يخلقون أفضل المبررات في نظرهم، و يعتذرون عنهم بأحسن الأعذار. من ذلك ابتدع معاوية فرقة القصاصين الذين يشيدون بمآثره، و يعيبون علي علي و أنصاره. ثم اخترع فرقة المرجئة الذين يرجئون معايب و نقائص الخليفة الي يوم الحساب، و يعفي من محاسبة الجماعة له ان ظلم أو أخطأ. كما نسب الي الرسول صلي الله عليه و اله و سلم و الي الله سبحانه و تعالي ما لم ينزل به سلطان. كل ذلك من أجل تصحيح عمل قام به السلف، أو من أجل مصالح دنيوية ضيقة، و قد نسوا أو تناسوا قول الله تعالي: (... أفمن يهدي الي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي الا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون) [2] .

ولو أنصف الناس الامام علي أميرالمؤمنين عليه السلام لاكتفوا بنص الغدير وحده دون غيره من النصوص الكثيرة، فقد شهد بيعة يوم الغدير جل المسلمين، و شاهدوا المراسيم التي اجراها الرسول صلي الله عليه و اله و سلم في ذلك اليوم التاريخي و من العجيب كيف نسيت الأمة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و اله و سلم ذلك اليوم، هذا و العهد قريب، و الرسول صلي الله عليه و اله و سلم بعد لم يدفن و الشهود الكثر حضور. و لا أريد أن أخوض في هذا الحديث المؤلم الذي دب الاختلاف بين المسلمين و فرقهم فرقا و شيعا.

و لا يخفي علي كل ذي بصر ان الامام أميرالمؤمنين عليه السلام وحده المنصوص عليه بالخلافة من قبل الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم، و كذلك أولاده عليهم الصلاة و السلام [3] .

و قد التزم الأئمة عليهم السلام في نص بعضهم علي بعض، السابق منهم علي اللاحق، و الوالد علي ولده، اقامة للحجة، و اعذارا للأمة. و هنا أحد النصوص الكثيرة في حق الامام موسي الكاظم عليه السلام من قبل أبيه الصادق عليه السلام:

قال محمد بن الوليد: سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد عليهماالسلام يقول لجماعة من خاصته و أصحابه:



[ صفحه 63]



استوصوا يا بني موسي خيرا، فانه أفضل ولدي، و من أخلفه من بعدي، و هو القائم مقامي، و الحجة لله تعالي علي كافة خلقه من بعدي» [4] .

و الامام موسي عليه السلام بلغ أعلي مستويات الانسانية و قيمها في مواهبه و عبقرياته، فكان عنوانا فذا من أفذاذ العقل الانساني، و مثلا رائعا من أمثلة الخير و الكمال في الأرض؛ و ذلك لما أثر عنه من الفضائل و المآثر كدماثة الأخلاق، و الاحسان الي الناس، و الصمود أمام الأحداث، و سعة العلم، و نبل الحلم، الي غير ذلك من النزعات الكريمة التي يقدسها كل انسان يقدر المثل العليا، و يؤمن بالانسانية الكريمة؛ و قد منحه الله تعالي الامامة، و خصه بالنيابة العامة من جده الرسول الأعظم، فهو أحد أوصيائه المعصومين، و أحد خلفائه علي أمته.

و الامامة حسب مفهوم الشيعة، كالنبوة لا يمنحها الله الا للذوات الخيرة التي طهرت من الأرجاس و الآثام. و هي من أسمي المناصب الآلهية لا يتوج بها الا أفضل الخلق و أكرمهم عند الله. و هنا لابد من توضيح معني الامامة.


پاورقي

[1] ففي حرب مؤتة أمر الرسول صلي الله عليه و اله و سلم جعفر بن أبي طالب، و زيد بن حارثة و عبدالله بن رواحة، و جعل القيادة للأول، فان أصيب فللثاني فان أصيب فللثالث.

[2] سورة يونس، الآية 35.

[3] راجع أئمتنا ج 1 تجد نصوص الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم علي الأئمة عليهم السلام.

[4] الارشاد ص 310.