العصمة
العصمة عند الشيعة هي قاعدة أساسية في الامامة، و هي من المبادي ء الأولية في كيانهم العقائدي و قد عرفها المتكلمون فقالوا:
انها لطف من الله يفيضها علي أكمل عباده، و أفضلهم عنده، و بها يمتنع من ارتكاب الآثام و الجرائم عمدا أو سهوا... هذه العقيدة أثارت عليهم التهم و الطعون، فاتهمهم قوم بالغلو و الافراط في الحب، حب أهل البيت عليهم السلام.
لكنا اذا رجعنا الي الأدلة الموضوعية نجدها مؤيدة لما تذهب اليه الشيعة، و يكفي في ذلك القرآن الكريم و آية التطهير:
قال تعالي: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [1] .
تدل هذه الآية الكريمة دلالة واضحة علي عصمة أئمة أهل البيت عليهم السلام من الذنوب و طهارتهم من الزيغ و الرجس [2] ، و ذلك بما جاء فيها في علم صناعة الكلام من حصر و تأكيد.
[ صفحه 71]
- فحصر اذهاب الرجس بكلمة انما التي هي من أقوي أدوات الحصر.
- و دخول اللام في الكلام الخبري.
- و تكرار لفظ الطهارة، و كل ذلك يدل علي الحصر و الاختصاص.
- كما ان ارادة الله باذهاب الرجس عنهم يستحيل فيها أن يتخلف المراد عن الارادة. قال تعالي:
(انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) [3] .
و بهذا يتم الاستدلال الأكيد علي عصمة أئمة أهل البيت من كل ذنب و معصية.
و من منا لا يذكر حديث الثقلين الذي يدل بوضوح تام علي العصمة فقد قرن الرسول صلي الله عليه و اله و سلم بين الكتاب و العترة، فكما أن الكتاب العزيز معصوم من الخطأ و الزلل فكذلك العترة، و الا لما صحت المقارنة و المساواة بينهما. و بعد توفر الأدلة الموضوعية فلا مساغ للانكار علي الشيعة بذلك.
و ما نراه ان نصوص القرآن هي التي قادتهم الي ذلك و صحاح السنة و دلائل العقل. حتي ان طبيعة الاسلام ذاتها اضطرتهم الي هذه العقيدة.
و نحن لسنا في صدد الدفاع عن الشيعة، لأننا نبغي الحقيقة اينما كانت فالعصمة التي يشترطونها في امام المسلمين، لا تخرج به عن مصاف البشر، و لا تلحقه بعداد الآلهة كما يتقول المتقولون!
ثم هل العصمة في ذاتها جزء آلهي حتي اذا اشترطناها نكون قد قلنا في الخليفة بالحلول؟!
و لا يخفي علي أحد من العلماء ان العصمة رصيد نفساني كبير يتكون من تعادل جميع القوي النفسانية، و بلوغ كل واحدة منها أقصي درجة يمكن أن يبلغها الانسان، ثم سيطرة القوي العقلية علي جميع هذه القوي و الغرائز سيطرة كاملة حتي لا تشذ في أمر و لا تستغل في عمل [4] . ثم يزيد فيقول:
[ صفحه 72]
هذه الحصانة الذاتية التي يرتفع بها الانسان الأعلي عن الاتضاع في طبيعته، و يمتنع بها عن الانزلاق في ارادته و عن الانحرافات التي تترسب في منطقة اللاشعوري، تتحول عقدا نفسية تتحكم في دوافع المرء و في سلوكه، و في اتجاهاته و ملكاته و تسوقه من حيث لا يريد الي النشوز عن الحق و الشرود عن العدل.
هذه الحصانة الذاتية التي توقظ مشاعر الانسان الكامل فلا يغفل، و يعتلي بملكاته و اشراقه فلا ينزلق، و لا يكبو، و التي تحفظ له صحته النفسية من كل وجه، هذه هي العصمة التي يشترطها مذهب أهل البيت في الرئيس الأعلي لحكومة الاسلام، و في ظني أنه شرط بمنتهي الجلاء كما انه يمنتهي الحكمة..» [5] .
ان المنطق العلمي بجميع أبعاده يقضي بصحة ما تذهب اليه الشيعة من اعتبار العصمة في أئمة أهل البيت عليهم السلام أما القول المعاكس فلا يستند الي منطق عقلي و دليل علمي.
و صفة أخري هامة جدا يقول بها الشيعة و هي:
پاورقي
[1] سورة الأحزاب، الآية 33.
[2] الرجس: المعاصي.
[3] سورة يس، الآية 82.
[4] حياة الامام موسي بن جعفر ج 1، ص 112.
[5] المصدر نفسه ص 113.