بازگشت

العلم


يعتقد الشيعة بأن الامام لابد أن يكون أعلم الناس في عصره و أفضلهم في مقدراته العلمية. و قد أوضح هذه الجهة توضيحا دقيقا سماحة المغفور له الشيخ محمدرضا المظفر فقال: «أما علمه، فهو يتلقي المعارف و الأحكام الآلهية، و جميع المعلومات من طريق النبي صلي الله عليه و اله و سلم أو الامام عليه السلام قبله، و اذا استجد شي ء لابد له أن يعلمه من طريق الالهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالي فيه، فان توجه الي شي ء و شاء أن يعلمه من طريق علي وجهه الحقيقي لا يخطي ء فيه، كل ذلك مستندا الي البراهين العقلية، و لا يستند الي تلقينات المعلمين، و ان كان علمه قابلا للزيادة و الاشتداد، و لذا قال الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم: «و قل رب زدني علما».

و أضاف يقول بعد الاستدلال علي ذلك: و يبدو واضحا هذا الأمر في تاريخ



[ صفحه 73]



الأئمة عليهم السلام كالنبي محمد صلي الله عليه و اله و سلم فانهم لم يتربوا علي أحد، و لم يتعلموا علي يد معلم، من مبدأ طفولتهم الي سن الرشد حتي القراءة و الكتابة، و لم يثبت عن أحدهم أنه دخل الكتاتيب أو تتلمذ علي يد أستاذ في شي ء من الأشياء مع ما لهم من منزلة علمية لا تجاري. و ما سئلوا عن شي ء الا أجابوا عليه في وقته، و لم تمر علي ألسنتهم كلمة «لا أدري» و لا تأجيل الجواب الي المراجعة أو التأمل أو نحو ذلك في حين أنك لا تجد شخصا مترجما له من فقهاء الاسلام و رواته و علمائه الا ذكرت في ترجمته و تربيته و تلمذته علي غيره و أخذ الرواية أو العلم علي المعروفين و توقفه في بعض المسائل أو شكه في كثير من المعلومات كعادة البشر في كل عصر و مصر» [1] .

أما الامام كاشف الغطاء فقد عرض الي صفات الامام عليه السلام و قال فيما يختص في مواهبه العلمية:

«و ان يكون أفضل أهل زمانه في كل فضيلة، و أعلمهم بكل علم، لأن الغرض منه تكميل البشر و تزكية النفوس، و تهذيبها بالعلم و العمل الصالح «هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليه آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتابة و الحكمة».

و الناقص لا يكون مكملا، و الفاقد لا يكون معطيا، فالامام في الكمالات دون النبي و فوق البشر» [2] .

و كما تري هذا هو الرأي الصريح للشيعة في علم الامام، و ليس فيه أي غلو أو هوي كما يتهمهم الخصوم.

و هنا يحضرني قول من وصف كلام الامام علي عليه السلام أميرالمؤمنين في نهج البلاغة فقال:

«كلامه دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق».

و أفضل كلام يقال في هذا المجال كلمة الامام الرضا عليه السلام فهي من أعمق



[ صفحه 74]



الأدلة علي الامامة، و أكثرها استيعابا و شمولا و بيانا لمنصبها فقال عليه السلام:

هل يعرفون قدر الامامة و محلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟

ان الامامة أجل قدرا، و أعظم شأنا، و أعلي مكانا، و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيمون اماما باختيارهم.

ان الامامة خص الله بها ابراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة، و الخلة مرتبة ثالثة، و فضيلة شرفه بها، و أشاد بها ذكره، فقال عزوجل: (اني جاعلك للناس اماما) فقال الخليل سرورا بها: (و من ذريتي)؟ قال عزوجل: (لا ينال عهدي الظالمين).

فأبطلت هذه الآية امامة كل ظالم الي يوم القيامة، و صارت في الصفوة. ثم أكرمه الله تعالي و جعل ذريته أهل الصفوة و الطهارة.

فقال عزوجل: (و وهبنا له اسحق و يعقوب نافلة و كلا جعلنا صالحين، و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا و أوحينا اليهم فعل الخيرات و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة و كانوا لنا عابدين) [3] .

و لم تزل الامامة في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا بعد قرن حتي ورثها النبي محمد صلي الله عليه و اله و سلم قال عزوجل:

(ان أولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا و الله ولي المؤمنين) [4] .

فكانت الخلافة للنبي الأكرم محمد صلي الله عليه و اله و سلم التي قلدها عليا بأمر الله عزوجل فصارت له في ذريته الأصفياء اللذين آتاهم الله العلم و الايمان بقوله عزوجل: (و قال الذين أوتوا العلم و الايمان لقد لبثتم في كتاب الله الي يوم البعث) [5] .

فالامامة أصبحت في ولد علي خاصة الي يوم القيامة اذ لا نبي بعد النبي محمد صلي الله عليه و اله و سلم، فمن يختار هؤلاء الجهال؟



[ صفحه 75]



ان الامامة هي منزلة الأنبياء، وارث الأوصياء، و خلافة الله عزوجل و خلافة الرسول و مقام أميرالمؤمنين، و ميراث الحسن و الحسين عليهم السلام حتي وصلت الي الامام زين العابدين، و منه الي الامام الباقر، و منه الي الامام الصادق، و منه الي الامام كاظم عليهم جميعا أفضل الصلاة و أزكي السلام، و هكذا تتابعت في هذه الذرية الطاهرة الي الامام المهدي الثاني عشر عجل الله فرجه الشريف.

و تعرض عليه السلام بعد هذا الي علم الأنبياء و الأئمة فقال:

«ان الأنبياء و الأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله، و يؤتيهم من مخزون علمه. و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم، ثم انظروا الي قوله تعالي: (أفمن يهدي الي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي الا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون) [6] . و قال عزوجل: (و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) [7] و قال عزوجل في الأئمة من أهل بيت نبيه صلي الله عليه و اله و سلم و عترته و ذريته (أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب و الحكمة و آتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به و منهم من صد عنه و كفي بجهنم سعيرا) [8] .

فالعبد الصالح الذي اختاره الله عزوجل لأمور عباده شرح صدره لذلك، و أودع قلبه ينابيع الحكمة، و ألهمه العلم الهاما، فهو معصوم، مؤيد، موفق، مسدد، قد أمن الخطايا و الزلل، و العثار؛ يخصه الله بذلك ليكون حجته علي عباده، و شاهده علي خلقه.

(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم) [9] .

فهل يقدرون علي مثل هذا فيختارونه؟! أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدموه، تعدوا و بيت الله الحق، و نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، و في كتاب الله الهدي و الشفاء فنبذوه و اتبعوا أهواءهم فذمهم الله و مقتهم و أتعسهم،



[ صفحه 76]



فقال عزوجل: (و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين) [10] . و قال عزوجل:

(فتعسا لهم و أضل أعمالهم) [11] . و قال عزوجل:

(كبر مقتا عند الله و عند الذين آمنوا كذلك يطبع الله علي كل قلب متكبر جبار) [12] .

انتهي بذلك حديث الامام الرضا عليه السلام [13] و هو حافل باكمل و أروع صور الاستدلال و الحجة الدامغة علي ضرورة الامامة، و استحالة الاختيار و الانتخاب من قبل سائر الناس، و وجوب رجوع التعيين في ذلك الي الله تعالي وحده فهو الذي يختار لهذا المنصب الرفيع من يشاء من عباده ممن تتوفر فيه صفات العلم الغزير و المعرفة الواسعة الشاملة لشؤون الحياة الفردية و الجماعية. و ممن يتحلي بطهارة النفس، و صفاء الذات، و عدم الانقياد و الخضوع لدواعي الهوي، و نوازع الشرور و الغرور. و بهذه الصفات الكاملة الشاملة يصلح الامام لهداية الناس و اصلاحهم، و ارشادهم الي طرق الخير و الكمال، و غرس روح الثقة و الفضيلة في نفوسهم ليكونوا كما أرادهم الله عزوجل و كما أرادهم نبي الله صلي الله عليه و اله و سلم: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون و أكثرهم الفاسقون) [14] .


پاورقي

[1] عقائد الامامية للشيخ محمدرضا المظفر ص 54 - 51.

[2] سورة الأنبياء، الآية 73 - 72.

[3] نفس المصدر السابق.

[4] سورة آل عمران، الآية: 68.

[5] سورة الروم، الآية: 56.

[6] سورة يونس، الآية: 35.

[7] سورة البقرة، الآية: 269.

[8] سورة النساء، الآية: 55 - 54.

[9] سورة الحديد، الآية: 21.

[10] سورة القصص، الآية: 50.

[11] سورة محمد، الآية: 8.

[12] سورة المؤمن، الآية: 35.

[13] راجع عيون أخبار الرضا ج 1، ص 222 - 216 و أصول الكافي.

[14] سورة آل عمران، الآية: 110.