بازگشت

عصر الامام الكاظم


اتسم عصر الامام الكاظم بموجات رهيبة من الاتجاهات العقائدية التي لا تمت الي الاسلام بصلة، كما تميز بالنزعات الشعوبية و العنصرية و النحل الدينية،



[ صفحه 79]



الاسلام بري ء منها كل البراءة.

و قد تصارعت تلك الحركات الفكرية تصارعا بعيد المدي أحدث هزاتا اجتماعية خطيرة. و السبب في ذلك كما يري علماء الاجتماع يعود الي الفتح الاسلامي الذي نقل ثقافات الأمم مع سائر علومها و عاداتها و تقاليدها الي العالم الاسلامي، بالاضافة الي أن الاسلام قد دعا المسلمين في الوقت نفسه الي الاستزادة من العلوم و المعارف في شتي الحقول. و هذا ما أحدث انقلابا فكريا في المجتمع الاسلامي فتلقحت الأفكار و تبلورت بألوان من الثقافة لم يعهد لها المجتمع نظيرا في العصور السالفة. و قد حدث ما لابد منه حيث تسربت تلك الطاقات العلمية الي الجانب العقائدي من واقع الحياة، فحدثت المذاهب الاسلامية، و الفرق الدينية، مما جعل الأمة تتشعب الي طوائف وقع فيما بينها الكثير من المناظرات و المخاصمات و الجدل، فكانت النوادي التي حفلت بالمعارك الكلامية و اصراع العنيف و بصورة خاصة: خلق القرآن، و صفات الخالق الايجابية و السلبية و القضاء و القدر... و كان من أبرز المتصارعين في هذه الساحة علماء الكلام، و الفلاسفة، علماء الحديث.

من هنا نري العديد من الكتب التي تناولت هذه المواضيع و هي حافلة بصور كثيرة من تلك الخصومات و المشاجرات و المناظرات.

و كان من أخطر الدعوات المحمومة التي اندلعت في ذلك العصر هي (الالحاد) قام بها دخلاء حملوا في قرارة نفوسهم الحقد علي الاسلام و الكره للمسلمين، و قد ثقل عليهم امتداد الحكم الاسلامي و انتشار سلطانه في الأرض، و تثبيت شريعته الانسانية السمحاء.

فرأوا أن لا حول لهم و لا طول الي محاربته بالقوة، فأخذوا عن طريق الخداع و الحيل يبثون سمومهم في نفوس الناشئة الاسلامية، و ما زالوا حتي اليوم يلقون الشبه و الأوهام في النفوس حتي اننا وجدنا من استجاب لهم من المسلمين المخدوعين و المغرورين، و كان لهم بالمرصاد الامام موسي الكاظم عليه السلام و كبار رجال الفكر و القادة من أصحابه و طلابه فتصدوا لتلك الأفكار الوافدة بالأدلة العلمية القاطعة و بينوا فسادها و بعدها عن المنطق و العقل. فكانت تحمل



[ صفحه 80]



احتجاجاتهم طابع الجهاد في سبيل الحق و الحرص علي مصالح الأمة الاسلامية.

بسبب ذلك قام علماء الشيعة الجهابذة فحاضروا و ناقشوا و حاوروا الملحدين و الخارجين علي الدين حتي دان لهم عدد غفير و عادوا الي حظيرة الاسلام مقتنعين راضين. لكن هذا الأمر لم يرق للحكام العباسيين فتصدوا لقاعدة الحركة العلمية من الشيعة و اضطهدوهم و نكلوا بهم و منعوهم في أغلب الأحيان من الكلام في مجالات العقيدة خوفا علي مناصبهم عندما يظهر الحق الصريح، حتي اضطر الامام الكاظم عليه السلام في أيام المهدي أن بعث الي هشام أن يكف عن الكلام نظرا لخطورة الموقف، فكف هشام عن ذلك حتي مات المهدي.