بازگشت

سياسة الحكم العباسي


قام الحكم العباسي في أكثر أدواره علي الظلم و الجور نهج فيه العباسيون منهجا فرديا خاصا بعيدا عن العدل السياسي و العدل الاجتماعي، تسلموا جميع السلطات الادارية و القضائية، و لم يكن عندهم ثمة مجلس اداري أو استشاري تعالج فيه أمور الرعية و مصالحها و وسائل تطورها و تقدمها. فالخليفة يحكم بحسب رأيه و هواه و كأنه ظل الله علي الأرض - كما يقولون - فالطابع الاستبدادي للحكم العباسي واضح لا لبس فيه. استبداد و نهب أموال، و مصادرة الحريات، و ظلم، و ارغام الناس علي ما يكرهون.

و الواقع ان الحكم العباسي لا يختلف في مادته و صورته عن الحكم الأموي فالنظام الاداري العباسي هو نفسه في جوهره نظام الأمويين.

الدوائر الرسمية في العصر العباسي أجحفت كثيرا بحقوق العامة في الوقت نفسه كانت تصانع ذوي النفوذ و الوجوه المعروفة فتمارس الظلم و الجور علي الأهالي المساكين الذين يدفعون الضرائب و يلبون الدعوة للجهاد، بينما كان الحكام ينفقون أموال الشعوب الاسلامية علي شهواتهم و حواشيهم، و لا نغالي اذا قلنا أن التاريخ يعيد نفسه في أكثر العصور.

جاء في تاريخ الاسلام ان العتابي سئل: لماذا لا تتقرب بأدبك الي السلطان؟



[ صفحه 81]



فقال: «اني رأيته يعطي عشرة آلاف في غير شي ء، و يرمي من السور في غير شي ء، و لا أدري أي الرجلين أكون!!»، و لما قتل المأمون وزيره الفضل بن سهل، عرض الوزارة علي أحمد بن أبي خالد فأبي أن يقبلها و قال:

«لم أر أحدا تعرض للوزارة و سلمت حاله» و السبب واضح في ذلك أن الحكم العباسي لم يكن جاريا علي قانون معروف أو دستور مكتوب، بل كان يجري حسب نزعات الحاكم و ميول الخليفة، فهو الذي كان يوزع الموت أو الحياة علي من كره أو علي من أحب.

فالأحكام بالاعدام كانت تصدر من البلاط بمجرد و شاية من غير أن يطمئن أو يوثق بقول المخبر، مرة تصدر بالمفرد و مرة تصدر بالجملة.

و نعطي مثلا نموذجا علي ذلك: فقد وشي برجل يقال له: (الفضيل بن عمران) الي أبي جعفر المنصور، و كان كاتبا لابنه جعفر و وليا لأمره، فقد وشي به أنه يعبث بجعفر، فبعث المنصور برجلين أو جلادين، و أمرهما بقتل الفضيل حيث وجداه، و كتب الي جعفر يعلمه ما أمرهما به و قال للرجلين: لا تدفعا الكتاب الي جعفر حتي تفرغا من قتله. فلما انتهيا اليه ضربا عنقه، و كان الفضيل عفيفا صالحا، فقيل للمنصور: انه أبرأ الناس مما رمي به، و قد عجلت عليه، فندم علي ذلك، و وجه رسولا، و جعل له عشرة آلاف درهم ان أدركه قبل أن يقتل، فقدم الرسول فوجده جثة هامدة، فاستنكر جعفر ذلك و قال لمولاه:

«ما يقول أميرالمؤمنين في قتل رجل، مسلم، عفيف، دين، بلا جرم و لا جناية؟!» فأجابه مولاه سويد:

«هو أميرالمؤمنين يفعل ما يشاء، و هو أعلم بما يصنع».

هكذا كان يعتقد أصحاب العقول البسيطة الساذجة، و هكذا أرواح الناس يتصرفون بها حسب ما يشاؤون، و ما العجب فالملك في نظرهم يفعل ما يحلو له، فهو ظل الله علي الأرض، لا يسأل عن ذنب و لا عن جرم. فمن يحاسبه؟ ليس هناك من سلطة قضائية معروفة، و ليس عنده من ضمير يردعه عن المحرمات. و مع ذلك يعد نفسه خليفة المسلمين. أين هم و أين الاسلام؟! هوة ساحقة تفصل



[ صفحه 82]



بينهما هم أشبه بالقياصرة و الأكاسرة!! و الحقيقة ان البلاد الاسلامية، أيام الحكم العباسي كانت ترزح تحت كابوس ثقيل من الظلم و الجور و التعسف، حيث كان حكام بني العباس ينفذون خططهم بالعنف و القتل علي الظن. و لأول مرة في تاريخ الاسلام نجد النطع الي جانب كرسي الخلافة، كما نجد الجلاد أداة للوصول الي العرش علي حد قول المؤرخ المعروف فليب حتي.

علي هذه الحال كان الحكم العباسي في أكثر أدواره و عهوده، كان خاضعا للأهواء الشخصية و العواطف القبلية، فالغلمان و النساء و الندماء و العابثون كان لهم الضلع الكبير في ادارة شؤون الحكم و توزيع الهبات و الجوائز علي المغنين و المغنيات.

فالحكم عندهم لم يخضع لمنطق الحق و العدل اللذين أمر بهما الاسلام.

هذا الوضع غير السليم جعل العصر يحفل بقيام فرق الاسلامية عديدة و مذاهب و طوائف اختلفت فيما بينها في أصول الدين و فروعه.