بازگشت

الفرق الاسلامية


أهم ما حصل من أحداث في العصر العباسي الأول قيام المذاهب الاسلامية و حدوث نزاع بين المسلمين فانقسموا الي عدة طوائف، و فرق اختلفت فيما بينها في أكثر أمور الدين.

و الطريف ان الحكم العباسي هو الذي شجع علي احداث المذاهب الاسلامية، فغذاها و نماها، و حمل الناس بالقوة و القهر علي اعتناقها. و ما نرجح في ذلك:

ابعاد المسلمين عن أئمة أهل البيت الذين يمثلون واقع الدين الاسلامي الصحيح و اتجاهاته الثورية في القضاء علي الظلم و الغبن، و انقاذ الناس المقهورين من الجور السياسي و الاستبداد الظالم، و اذا ما رجعنا قليلا الي الوراء نجد:

العلويين قد اندفعوا في العصر الأموي الي ساحات الجهاد المقدس لحفظ الدين و صيانة المجتمع من ظلم الأمويين و بطشهم، لقد حاولوا بتكليف شرعي



[ صفحه 83]



اعادة المبادي ء الكريمة التي ينشدها الاسلام، و يؤمن بضرورة توفيرها علي جميع المواطنين، و هي تتلخص علي الايمان الكامل بحق الفرد، و نشر الاستقرار في الربوع الاسلامية، و بسط العدالة و الحرية و المساواة و الأخوة بين المسلمين، و توفير كل أسباب المعيشة الهانئة و الرزق الكريم و الأمن علي كافة الأراضي الاسلامية.

هذه المبادي ء اعتبرها العلويون القاعدة الأساسية لتقدم المجتمع و تطويره لينطلق في ميدان الحياة الحضارية الحرة الكريمة.

و في العصر العباسي أكمل العلويون جهادهم من أجل هذه المبادي ء العليا فهبوا الي ميادين النضال لأن السكوت علي الظالم مساعدة له علي ظلمه. لذلك واجهوا صعوبات كثيرة و مشاكل معقدة، فسجنوا في السجون، و دس لهم السم، و أريقت دماؤهم، و ارتفعت أجسادهم علي أعواد المشانق، و لم يتخلوا عن مبادئهم المقدسة و نصالهم الشرعي في مقاومة الظلم من سلطة أي كان، داخلي أم خارجي. فالتف حولهم العدد الغفير من جماهير المؤمنين لأن العلويين حماة هذه الأمة و قادتها الشرعيين و ولاة أمرها، و انه لا يمكن بأي حال أن تتوفر للمجتمع في ذلك العصر أسباب معيشته و رخائه الا في ظل حكمهم العادل، فالتف حولهم الثوار و المتظاهرون و هتفوا بأعلي أصواتهم «الدعوة الي الرضا من آل محمد».

و كان لابد من قيام ثورة عارمة اندلعت في جميع أنحاء البلاد علي الحكم الأموي فأطاحت به و دكت أركانه، و قامت الدولة العباسية بمؤازرة العلويين الذين كان لهم اليد الطولي في مناصرتها و تثبيت أركانها، و لما استتب لهم الأمر و تملكوا زمام الحكم، عملوا جاهدين علي التنكيل بالعلويين و ابادتهم بأبشع الطرق و الأساليب.

و كان المخطط الرهيب الذي اتبعه الحكام العباسيون من السفاح الي المنصور الي هارون الي المأمون الي هادي.... كلهم عملوا علي القضاء علي الشيعة و من ناصرهم من القوي المعارضة، و القوي المؤمنة التي تعرف الحق و أهله.



[ صفحه 84]



هذا المخطط العباسي اعتمد علي عدة أمور خلاصتها: اشغال المسلمين بالقضايا العقائدية و تفرقتهم و ابعادهم عن الشؤون السياسية، من هنا وجدنا النوادي في بغداد و يثرب و البصرة و سائر أنحاء العالم الاسلامي تعج بالمناظرات الكلامية، و الجدل الفلسفي و احتجاج كل فريق علي الفريق الآخر لتثبيت نظريته و دحض نظرية الآخرين، و كل هذه الفرق كانت تدور و تجول حول الاطار العقائدي في الاسلام. و قد وجهت الحياة العلمية في العصور العباسية الي احداث المذاهب الاسلامية بعيدا عن الحياة السياسية التي يعيشها عامة المسلمين.

و نقطة هامة أخري اعتمدها المخطط العباسي هي:

عزل أئمة أهل البيت عليهم السلام عن الحياة السياسية، و الرقابة المشددة عليهم، و منع الاتصال بهم، و ابعاد الناس عن الأخذ منهم فيما يعود الي الأمور العقائدية و معالم الدين الاسلامي.

لذلك وجدنا المنصور الدوانيقي يعهد الي الامام مالك، أحد روساء المذاهب الأربعة وضع كتاب في الفقه يحمل الناس علي العمل به قهرا، فامتنع مالك أول الأمر، و هو تلميذ الامام جعفر الصادق، ثم رضخ لأوامر المنصور بعد الترهيب و الترغيب فوضع كتابه المعروف بالموطأ.

منذ ذلك الوقت بدأت الحكومات العباسية تساند أئمة المذاهب الأربعة، و تنشر فقههم، حتي انها حملت الناس علي العمل بهذه المذاهب بعد أن اغدقت عليهم الأموال الطائلة، و كرمتهم تكريما عظيما لابعاد الناس عن المذهب الجعفري، مذهب الامام الصادق و مذهب أئمة أهل البيت المتخذ برمته عن جدهم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، المتخذ عن النبي الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم الذي هو أول من وضع بذرة التشيع، هذه البذرة الطيبة المباركة، و نماها و تعاهدها بالسقي و العناية [1] .



[ صفحه 85]



و أول من شجع علي انتشار مذهب مالك الرشيد حيث أمر عامله علي المدينة بان لا يقطع أمرا دون أن يأخذ رأي مالك، كما كان يجلس علي الأرض لاستماع حديثه تكريما لمالك و تعظيما لمذهبه.

ثم أصدر أوامره بأن لا يهتف أيام الحج الا مالك، فأخذ الناس يزدحمون عليه و توافدت اليه الوفود من سائر الأقاليم لاستماع حديثه و أخذ الأحكام الشرعية منه. و كان لا يدنو اليه أحد لما أحيط به من التقدير الرسمي. فقد اجتمع به غلمان من السود غلاظ شداد يأتمرون بأمره، و ينكلون بمن شاء أن ينكل به.

لقد علا شأن مالك بما أعطي من السلطة من مكانة مرموقة و عناية بالغة اولتها له الحكومة العباسية كما أولت غيره من أئمة المذاهب الثلاثة الأخري. و الغرض من ذلك واضح كل الوضوح و هو اضعاف كيان أئمة أهل البيت عليهم السلام و القضاء علي الشيعة الذين كانوا من أقوي الجبهات المعادية للحكم العباسي الظالم. لكنهم فشلوا و بقي الشيعة يجاهدون و ما زالوا في اعلاء كلمة الحق و صيانة الدين الاسلامي من الانحراف و التزوير. قال تعالي:

(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله متم نوره ولو كره الكافرون)، (و هو الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون) [2] .

و لا يخفي علي أحد من المؤرخين و علماء الحديث و الصحابة المؤمنين أن الطائفة الشيعية حملت لواء الاصلاح و ثارت في وجه الطغاة و الظالمين المستبدين، و حفل تاريخها بالمآثر الطيبة و المفاخر الحميدة و خدمة الاسلام مهما كلف الثمن. لقد جاهدوا ضد الظالمين لأن السكوت عن الظلم خيانة شرعية، و السكوت عن الظالم يعني مساعدته علي ظلمه فلابد اذن من المقاومة الشرعية.

و أول المقاومين للظلم بعد النبي صلي الله عليه و اله و سلم الامام علي بن أبي طالب عليه السلام و قد كلفه ذلك جهادا مريرا و حروبا دامية ضد المنحرفين عن الدين القويم أمثال



[ صفحه 86]



معاوية بن أبي سفيان و أعوانه. ثم استلم راية الجهاد في سبيل الله ابنه الامام الحسين عليه السلام ضد يزيد الفاجر العاهر و أعوانه الذين اشتروا الضلالة بالهدي، و اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، و اشتروا الكفر بالايمان.

أراد الامام الحسين عليه السلام الخروج من أجل الاصلاح في أمة جده التي ظللها معاوية و تابع بعده ابنه يزيد في الانحراف و الظلم و الضلال، فكان لابد للامام المعصوم الا أن يقوم بالمسؤولية الالهية فقال عليه السلام: «عهد عهده الي أبي عن جدي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم» و هكذا تابع الأئمة عليه السلام الجهاد في سبيل الله في جميع العصور.



[ صفحه 87]




پاورقي

[1] قال الامام كاشف الغطاء (قدس الله مثواه): ان أول من وضع بذرة التشيع في حقل الاسلام هو نفس صاحب الشريعة الاسلامية - فوضعت بذرة التشيع مع بذرة الاسلام جنبا الي جنب و سواء بسواء، و لم يزل غارسها يتعهدها بالسقي و العناية، حتي نمت و ازدهرت في حياته ثم أثمرت بعد وفاته (أصل الشيعة و أصولها ص 88 - 87 (.

[2] سورة الصف، الآيتين: 9. - 8.