بازگشت

في عهد المهدي


كان المهدي ألين جانبا من أبيه فقد عرف بالسخاء، و بسط الكف، و عدم القسوة علي الناس عموما، لذلك استقبله العالم الاسلامي بمزيد من الفرح و البهجة لما لاقاه من العنف و الجور في حكم أبيه المنصور. و حينما استقل بالحكم أصدر مرسوما مليكا بالعفو عن جميع المساجين و المعتقلين السياسين، سوي من كان في عنقه دم أو كان ذا فساد في الأرض؛ كما رد جميع الأموال المنقولة و الثابتة التي صادرها أبوه من أهلها ظلما و عدوانا، و من هؤلاء كان الامام موسي عليه السلام رد عليه كل ما صادره أبوه المنصور من الامام الصادق عليه السلام.



[ صفحه 92]



يقول المؤرخون عن سبب ذلك أنه يعود الي الوضع العام في البلاد حيث أصبح الملك علي جانب عظيم من الطمأنينة و الاستقرار.

و سبب آخر هو ما ظفر به من الثراء العريض مما جمعه أبوه المنصور الذي يعده الجاحظ: من أصحاب الجمع و المنع و من أبخل البخلاء.

لكن مما يؤسف له أن هذا المال الذي جمعه أبوه بالتقتير و الظلم قد أنفقه المهدي علي اللهو و المجون و الهبات الكبيرة للماجنين و المغنين و العملاء، دون أن يهتم بالطبقة الضعيفة الفقيرة فكان كل همه اشباع شهواته الشخصية، و البذخ و الترف و المجون. أما ما ورثه من أبيه و بقي علي الخط نفسه: عداؤه للعلويين و شيعتهم، فقد كان يكرههم كرها شديدا، ورث ذلك من أبيه المنصور الذي كان يعتقد أن لا بقاء له في الحكم الا بالقضاء علي العلويين و شيعتهم و فيما يلي نعرض بعض نزعاته الحاقدة و أعماله الجائرة و ما لاقاه الامام موسي عليه السلام في عهده من ظلم و جور و سجن.

شاع اللهو في عهد المهدي، و ساد المجون، و انتشر التحلل بين الناس، فقد ذاع شعر بشار بن برد و تغزله بالنساء حتي ضج منه الأشراف و الغياري علي الدين. دخل علي المهدي يزيد بن منصور و طلب منه أن يوقف بشارا عند حده، فضيق عليه في بادي ء الأمر ثم أطلق سراحه، و انجرف هو بتيار مشكوف من المجون و الدعارة، و يعد بنظر الجاحظ المؤسس الأول للهو في دولة بني العباس.

يقول الجاحظ:

«انه احتجب بادي ء ذي بدء عن المغنين ثم قال: انما اللذة في مشاهدة السرور في الدنو ممن سرني، فاما من وراء وراء فما خيرها و لذتها؟» و بلغه حسن صوت ابراهيم الموصلي وجودة غنائه فقربه اليه، و أعلي من شأنه [1] و كان مولعا بشرب الخمر حتي نهاه عن ذلك وزيره يعقوب بن داود قائلا له: «أبعد الصلاة في المسجد تفعل هذه؟!».



[ صفحه 93]



فلم يلتفت لنصحه و قد سمع نصيحة بعض الشعراء الماجنين الذين حبذ له الاستمرار في شربها و عدم الاعتناء بقول وزيره قائلا:



فدع عنك يعقوب بن داود جانبا

و اقبل علي صهباء طيبة النشر [2] .




پاورقي

[1] الأغاني ج 5، ص 5.

[2] الفخري ص 167.