بازگشت

باب احواله في الحبس إلي شهادته و تاريخ وفاته و مدفنه


1 مصبا: في الخامس و العشرين من رجب كانت وفاة أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السلام [1] .

2 كا: قبض عليه السلام لست خلون من رجب من سنة ثلاث و ثمانين و مائة، و هو ابن أربع أو خمس و خمسين سنة، و قبض عليه السلام ببغداد في حبس السندي بن شاهك، و كان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع و سبعين و مائة، و قد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان، ثم شخص هارون إلي الحج و حمله معه ثم انصرف علي طريق البصرة، فحبسه عند عيسي بن جعفر ثم أشخصه إلي بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك، فتوفي عليه السلام في حبسه، و دفن ببغداد في مقبرة قريش [2] .

3 كا: سعد و الحميري معا، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: قبض موسي ابن جعفر عليه السلام و هو ابن أربع و خمسين سنة في عام ثلاث و ثمانين و مائة، و عاش بعد جعفر عليه السلام خمسا و ثلاثين سنة [3] .



[ صفحه 207]



4 ضه: وفاته عليه السلام كانت ببغداد يوم الجمعة لست بقين من رجب، و قيل لخمس خلون منه سنة ثلاث و ثمانين و مائة [4] .

5 قل: محمد بن علي الطرازي باسناده إلي أبي علي بن إسماعيل بن يسار قال: لما حمل موسي عليه السلام إلي بغداد، و كان ذلك في رجب سنة تسع و سبعين و مائة دعا بهذا الدعاء، كان ذلك يوم السابع و العشرين منه يوم المبعث [5] .

6 الدروس: قبض عليه السلام مسموما ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست بقين من رجب، سنة ثلاث و ثمانين و مائة، و قيل: يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة إحدي و ثمانين و مائة [6] .

7 ن: الطالقاني، عن محمد بن يحيي الصولي، عن أبي العباس أحمد بن عبد الله عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي، عن صالح بن علي بن عطية قال: كان السبب في وقوع موسي بن جعفر عليه السلام إلي بغداد أن هارون الرشيد أراد أن يعقد الامر لابنه محمد بن زبيدة، و كان له من البنين أربعة عشر ابنا فاختار منهم ثلاثة: محمد بن زبيدة، و جعله ولي عهده، و عبد الله المأمون، و جعل الامر له بعد ابن زبيدة، و القاسم المؤتمن، و جعل الامر له بعد المأمون، فأراد أن يحكم الامر في ذلك، و يشهره شهرة يقف عليها الخاص و العام.

فحج في سنة تسع و سبعين و مائة و كتب إلي جميع الآفاق يأمر الفقهاء و العلمآء و القراء و الامراء أن يحضروا مكة أيام الموسم، فأخذ هو طريق المدينة قال علي ابن محمد النوفلي: فحدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيي بن خالد بموسي بن جعفر عليه السلام وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الاشعث، فساء ذلك يحيي، و قال: إذا مات الرشيد و أفضي الامر إلي محمد انقضت دولتي و دولة



[ صفحه 208]



ولدي و تحول الامر إلي جعفر بن محمد بن الاشعث و ولده، و كان قد عرف مذهب جعفر في التشيع، فأظهر له أنه علي مذهبه فسر به جعفر و أفضي إليه بجميع أموره و ذكر له ما هو عليه في موسي بن جعفر عليه السلام.

فلما وقف علي مذهبه سعي به إلي الرشيد، فكان الرشيد يدعي له موضعه و موضع أبيه من نصرة الخلافة فكان يقدم في أمره و يؤخر، و يحيي لا يألو أن يخطب عليه، إلي أن دخل يوما إلي الرشيد فأظهر له إكراما، و جري بينهما كلام مت به جعفر بحرمته و حرمة أبيه، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار، فأمسك يحيي عن أن يقول فيه شيئا حتي أمسي، ثم قال للرشيد: يا أمير المؤمنين قد كنت أخبرك عن جعفر و مذهبه فتكذب عنه، و ههنا أمر فيه الفيصل قال: و ما هو؟ قال: إنه لا يصل إليه مال من جهة من الجهات إلا أخرج خمسه فوجه به إلي موسي بن جعفر، و لست أشك أنه قد فعل ذلك في العشرين الالف الدينار التي أمرت بها له فقال هارون: إن في هذا لفيصلا.

فأرسل إلي جعفر ليلا، و قد كان عرف سعاية يحيي به، فتباينا و أظهر كل واحد فيهما لصاحبه العداوة، فلما طرق جعفرا رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيي، و أنه إنما دعاه ليقتله، فأفاض عليه مآءا و دعا بمسك و كافور فتحنط بهما، و لبس بردة فوق ثيابه، و أقبل إلي الرشيد، فلما وقعت عليه عينه وشم رائحة الكافور، ورأي البردة عليه، قال: يا جعفر ما هذا!؟ فقال: يا أمير المؤمنين قد علمت أنه قد سعي بي عندك، فلما جاءني رسولك في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد قدح في قلبك ما يقال علي فأرسلت إلي لتقتلني.

فقال: كلا، و لكن قد خبرت أنك تبعث إلي موسي بن جعفر من كل ما يصير إليك بخمسه: وأنك قد فعلت ذلك في العشرين الالف الدينار، فأحببت أن أعلم ذلك، فقال جعفر: الله أكبر يا أمير المؤمنين تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها.



[ صفحه 209]



فقال الرشيد لخادم له: خذ خاتم جعفر و انطلق به حتي تأتيني بهذا المال و سمي له جعفر جاريته التي عندها المال فدفعت إليه البدر بخواتيمها فأتي بها الرشيد فقال له جعفر: هذا أول ما تعرف به كذب من سعي بي إليك قال: صدقت يا جعفر انصرف آمنا فإني لا أقبل فيك قول أحد، قال: و جعل يحيي يحتال في إسقاط جعفر.

قال النوفلي: فحدثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي عن بعض مشايخه، و ذلك في حجة الرشيد قبل هذه الحجة، قال: لقيني علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فقال لي: مالك قد أخملت نفسك مالك لا تدبر أمر الوزير؟ فقد أرسل إلي فعادلته و طلبت الحوائج إليه.

و كان سبب ذلك أن يحيي بن خالد قال ليحيي بن أبي مريم: ألا تدلني علي رجل من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا، فاوسع له منها؟ قال: بلي، أدلك علي رجل بهذه الصفة و هو علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد، فأرسل إليه يحيي فقال: أخبرني عن عمك، و عن شيعته، و المال الذي يحمل إليه فقال له: عندي الخبر فسعي بعمه، فكان في سعايته أن قال: إن من كثرة المال عنده أنه اشتري ضيعة تسمي البشرية بثلاثين ألف دينار، فلما أحضر المال قال البايع: لا أريد هذا النقد أريد نقد كذا و كذا، فأمر بها فصبت في بيت ماله، و أخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد و وزنه في ثمن الضيعة.

قال النوفلي: قال أبي: و كان موسي بن جعفر عليهما السلام يأم لعلي بن إسماعيل بالمال و يثق به حتي ربما خرج الكتاب منه إلي بعض شيعته بخط علي بن إسماعيل ثم استوحش منه، فلما أراد الرشيد الرحلة إلي العراق بلغ موسي بن جعفر عليه السلام أن عليا ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلي العراق، فأرسل إليه: مالك و الخروج مع السلطان؟ قال: لان علي دينا فقال: دينك علي قال: و تدبير عيالي قال: أنا أكفيهم فأبي إلا الخروج فأرسل إليه مع أخيه محمد بن جعفر بثلاثمائة



[ صفحه 210]



دينار، و أربعة آلاف درهم فقال: اجعل هذا في جهازك، و لا توتم ولدي [7] .

توضيح: قوله أن يخطب عليه في أكثر النسخ بالخاء المعجمة أي ينشئ الخطب مغريا عليه أي يحسن الكلام و يحبره في ذمه، و في بعضها بالمهملة قال الفيروزآبادي [8] حطب به سعي و قال الجزري [9] : المت التوسل و التوصل بحرمة أو قرابة أو ذلك، قوله قد قدح في قلبك أي أثر من قولهم قدحت النار، قوله فعادلته أي ركبت معه في المحمل.

أقول: قد مضي سبب تشيع جعفر بن محمد بن الاشعث في باب معجزات الصادق عليه السلام.

8 ن: المكتب عن علي بن إبراهيم، عن اليقطيني، عن موسي بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر قال: جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد و ذكر لي أن محمد بن جعفر دخل علي هارون الرشيد فسلم عليه بالخلافة ثم قال له: ما ظننت أن في الارض خليفتين حتي رأيت أخي موسي بن جعفر يسلم عليه بالخلافة، و كان ممن سعي بموسي بن جعفر عليه السلام يعقوب بن داود و كان يري رأي الزيدية [10] .

9 ن [11] لي: أبي، عن علي بن إبراهيم، عن اليقطيني، عن أحمد بن عبد الله القروي، عن أبيه قال: دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح فقال لي: ادن مني فدنوت حتي حاذيته ثم قال لي: أشرف إلي البيت في الدار، فأشرفت فقال: ما تري في البيت؟ قلت: ثوبا مطروحا فقال: أنظر حسنا فتأملت و نظرت فتيقنت فقلت: رجل ساجد فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا قال: هذا مولاك قلت:



[ صفحه 211]



و من مولاي!؟ فقال: تتجاهل علي!؟ فقلت: ماأتجاهل و لكني لا أعرف لي مولي.

فقال: هذا أبو الحسن موسي بن جعفر إني أتفقده الليل و النهار، فلم أجده في وقت من الاوقات إلا علي الحال التي أخبرك بها إنه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته، إلي أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة، فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس، و قد و كل من يترصد له الزوال، فلست أدري متي يقول الغلام قد زالت الشمس إذ يثب فيبتدئ بالصلاة، من أن يجدد وضوء فأعلم أنه لم ينم في سجوده و لا أغفي.

فلا يزال كذلك إلي أن يفرغ من صلاة العصر، فإذا صلي العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا إلي أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلي المغرب من أن يحدث حدثا، و لا يزال في صلاته و تعقيبه إلي أن يصلي العتمة فإذا صلي العتمة أفطر علي شوي يؤتي به، ثم يجدد الوضوء، ثم يسجد ثم يرفع رأسه، فينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيجدد الوضوء، ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل، حتي يطلع الفجر، فلست أدري متي يقول الغلام إن الفجر قد طلع إذ قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه منذ حول إلي.

فقلت: اتق الله، و لا تحدثن في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوء إلا كانت نعمته زائلة، فقال: قد أرسلوا إلي في مرة يأمرونني بقتله، فلم اجبهم إلي ذلك، و أعلمتهم أني لا أفعل ذلك و لو قتلوني ما أجبتهم إلي ما سألوني.

فلما كان بعد ذلك حول إلي الفضل بن يحيي البرمكي، فحبس عنده أياما فكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كل ليلة مائدة، و منع أن يدخل إليه من عند غيره، فكان لا يأكل و لا يفطر إلا علي المائدة التي يؤتي بها، حتي مضي علي تلك الحال ثلاثة أيام و لياليها، فلما كانت الليلة الرابعة، قدمت إليه مائدة للفضل



[ صفحه 212]



ابن يحيي قال: و رفع عليه السلام يده إلي السماء فقال: يا رب إنك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت علي نفسي قال: فأكل فمرض، فلما كان من غد بعث إليه بالطبيب ليسأله عن العلة فقال له الطبيب: ما حالك؟ فتغافل عنه، فلما أكثر عليه أخرج إليه راحته فأراها الطبيب ثم قال: هذه علتي و كانت خضرة وسط راحته تدل علي أنه سم، فاجتمع في ذلك الموضع قال: فانصرف الطبيب إليهم و قال: و الله لهو أعلم بما فعلتم به منكم، ثم توفي عليه السلام [12] .

10 ن [13] لي: أبي، عن سعد، عن اليقطيني، عن الحسن بن محمد بن بشار قال: حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ممن كان يقبل قوله قال: قال لي: قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في نسكه و فضله قال: قلت: من؟ و كيف رأيته؟ قال: جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب إلي الخير، فأدخلنا علي موسي بن جعفر فقال لنا السندي: يا هؤلاء أنظروا إلي هذا الرجل هل حدث به حدث؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل مكروه به، و يكثرون في ذلك، و هذا منزله و فرشه موسع عليه مضيق و لم يرد به أمير المؤمنين سوءا، و إنما ينتظره أن يقدم فيناظره أمير المؤمنين، و ها هوذا صحيح، موسع عليه في جميع أمره فاسألوه.

قال: و نحن ليس لنا هم إلا النظر إلي الرجل، و إلي فضله وسمته فقال: أما ما ذكر من التوسعة و ما أشبه ذلك فهو علي ما ذكر أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في تسع تمرات و إني أخضر غدا و بعد غد أموت.

قال: فنظرت إلي السندي بن شاهك يرتعد و يضطرب مثل السعفة، قال الحسن: و كان هذا الشيخ من خيار العامة شيخ صديق، مقبول القول، ثقة ثقة جدا عند الناس [14] .



[ صفحه 213]



11 ب: اليقطيني، عن الحسن بن محمد بن بشار مثله [15] .

12 غط: الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن اليقطيني مثله [16] .

13 ن: الطالقاني، عن محمد بن يحيي الصولي، عن أحمد بن عبد الله عن علي بن محمد بن سليمان، عن إبراهيم بن أبي البلاد قال: كان يعقوب بن داود يخبرني أنه قد قال بالامامة، فدخلت إليه بالمدينة في الليلة التي اخذ فيها موسي بن جعفر عليه السلام في صبيحتها فقال لي: كنت عند الوزير الساعة يعني يحيي بن خالد فحدثني أنه سمع الرشيد يقول عند رسول الله صلي الله عليه و آله كالمخاطب له: " بأبي أنت و أمي يا رسول الله إني اعتذر إليك من أمر عزمت عليه، و إني أريد أن آخذ موسي بن جعفر فأحبسه، لاني قد خشيت أن يلقي بين امتك حربا تسفك فيها دماؤهم " و أنا أحسب أنه سيأخذه غدا فلما كان من الغد أرسل إليه الفضل بن الربيع و هو قائم يصلي في مقام رسول الله صلي الله عليه و آله فأمر بالقبض عليه و حبسه [17] .

14 ن: الهمداني، عن علي، عن أبيه، عن عبيد الله بن صالح قال: حدثني حاجب الفضل بن الربيع عن الفضل بن الربيع قال: كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواري فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني ذلك فقالت الجارية: لعل هذا من الريح، فلم يمض إلا يسير حتي رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح و إذا مسرور الكبير قد دخل علي فقال لي: أجب الامير، و لم يسلم علي.

فيئست من نفسي و قلت: هذا مسرور و دخل إلي بلا إذا و لم يسلم، ما هو إلا القتل، و كنت جنبا فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتي أغتسل فقالت لي الجارية: لما رأت تحيري و تبلدي: ثق بالله عز و جل و انهض، فنهضت، و لبست ثيابي، و



[ صفحه 214]



خرجت معه حتي أتيت الدار فسلمت علي أمير المؤمنين و هو في مرقده فرد علي السلام فسقطت فقال: تداخلك رعب؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين فتركني ساعة حتي سكنت ثم قال لي: صر إلي حبسنا فأخرج موسي بن جعفر محمد و أدفع إليه ثلاثين ألف درهم، و اخلع عليه خمس خلع، و أحمله علي ثلاثة مراكب، و خيره بين المقام معنا أو الرحيل عنا إلي أي بلد أراد و أحب.

فقلت: يا أمير المؤمنين تأمر بإطلاق موسي بن جعفر؟ قال: نعم فكررت ذلك عليه ثلاث مرات فقال لي: نعم ويلك أ تريد أن أنكث العهد؟ فقلت: يا أمير المؤمنين و ما العهد؟ قال: بينا أنا في مرقدي هذا إذ ساورني أسود ما رأيت من السودان أعظم منه، فقعد علي صدري و قبض علي حلقي و قال لي: حبست موسي ابن جعفر ظالما له؟ فقلت: فأنا أطلقه واهب له، و أخلع عليه، فأخذ علي عهد الله عز و جل و ميثاقه، و قام عن صدري، و قد كادت نفسي تخرج.

فخرجت من عنده و وافيت موسي بن جعفر عليه السلام و هو في حبسه فرأيته قائما يصلي فجلست حتي سلم ثم أبلغته سلام أمير المؤمنين و أعلمته بالذي أمرني به في أمره، وأني قد أحضرت ما وصله به، فقال: إن كنت أمرت بشيء هذا فافعله؟ فقلت: لا و حق جدك رسول الله ما أمرت إلا بهذا فقال: لا حاجة لي في الخلع و الحملان و المال إذ كانت فيه حقوق الامة فقلت: ناشدتك بالله أن لا ترده فيغتاظ فقال: اعمل به ما أحببت، و أخذت بيده عليه السلام و أخرجته من السجن.

ثم قلت له: يا ابن رسول الله أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل، فقد وجب حقي عليك لبشارتي إياك، و لما أجراه الله عز و جل علي يدي من هذا الامر فقال عليه السلام: رأيت النبي صلي الله عليه و آله ليلة الاربعآء في النوم فقال لي: يا موسي أنت محبوس مظلوم؟ فقلت: نعم يا رسول الله محبوس مظلوم، فكرر علي ذلك ثلاثا ثم قال: " و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلي حين " [18] أصبح غدا صائما و أتبعه بصيام الخميس و الجمعة، فإذا كان وقت الافطار فصل اثنتي عشرة



[ صفحه 215]



ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد و اثنتي عشرة مرة قل هو الله أحد، فإذا صليت منها أربع ركعات فاسجد ثم قل: يا سابق الفوت يا سامع كل صوت يا محيي العظام و هي رميم بعد الموت أسألك باسمك العظيم الاعظم أن تصلي علي محمد عبدك و رسولك و علي أهل بيته الطيبين الطاهرين و أن تعجل لي الفرج مما أنا فيه، ففعلت فكان الذي رأيت [19] .

بيان: ساوره واثبه.

15 ختص: حمدان بن الحسين النهاوندي، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي عن أحمد بن إسماعيل، عن عبيد الله بن صالح مثله، و فيه فسرت إليه مرعوبا فقال لي: يا فضل أطلق موسي بن جعفر الساعة وهب له ثمانين ألف درهم، و اخلع عليه خمس خلع، و أحمله علي خمسة من الظهر [20] .

16 ن: الهمداني عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن الحسين المدني، عن عبد الله بن الفضل، عن أبيه الفضل قال: كنت أحجب للرشيد فأقبل علي يوما غضبانا و بيده سيف يقلبه فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول الله لئن لم تأتني بإبن عمي لآخذن الذي فيه عيناك، فقلت: بمن أجيئك؟ فقال: بهذا الحجازي قلت: وأي الحجازيين؟ قال موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب.

قال الفضل: فخفت من الله عز و جل إن جئت به إليه ثم فكرت في النقمة فقلت له: أفعل فقال: ائتني بسواطين وهبنازين [21] و جلادين قال: فأتيته بذلك و مضيت إلي منزل أبي إبراهيم موسي بن جعفر.

فأتيت إلي خربة فيها كوخ من جرائد النخل فإذا أنا بغلام أسود فقلت له: استأذن لي علي مولاك يرحمك الله فقال لي: لج ليس له حاجب و لا بواب، فولجت



[ صفحه 216]



إليه، فإذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة سجوده فقلت له: السلام عليك يا ابن رسول الله أجب الرشيد فقال: ما للرشيد و مالي؟ أما تشغله نعمته عني؟ ثم قام مسرعا، و هو يقول: لو لا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله: أن طاعة السلطان للتقية واجبة إذا ما جئت.

فقلت له: استعد للعقوبة يا أبا إبراهيم رحمك الله فقال عليه السلام: أ ليس معي من يملك الدنيا و الآخرة، و لن يقدر اليوم علي سوء بي إنشآء الله قال الفضل بن الربيع: فرأيته و قد أدار يده يلوح علي رأسه ثلاث مرات فدخلت إلي الرشيد فإذا هو كأنه إمرأة ثكلي قائم حيران فلما رآني قال لي: يا فضل فقلت: لبيك فقال: جئتني بإبن عمي؟ قلت: نعم قال: لا تكون أزعجته؟ فقلت: لا قال: لا تكون أعلمته أني عليه غضبان؟ فاني قد هيجت علي نفسي ما لم ارده ائذن له بالدخول فأذنت له.

فلما رآه وثب إليه قائما و عانقه و قال له: مرحبا بإبن عمي وأخي، و وارث نعمتي، ثم أجلسه علي فخذه و قال له: ما الذي قطعتك عن زيارتنا؟ فقال: سعة ملكك و حبك للدنيا فقال: إيتوني بحقة الغالية، فاتي بها فغلفه بيده ثم أمره أن يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير فقال موسي بن جعفر عليه السلام: و الله لو لا أني أري من أزوجه بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله أبدا ما قبلتها ثم تولي عليه السلام و هو يقول: الحمد لله رب العالمين.

فقال الفضل: يا أمير المؤمنين أردت أن تعاقبه فخلعت عليه و أكرمته؟ فقال لي: يا فضل إنك لما مضيت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحوقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون: إن آذي ابن رسول الله خسفنا به و إن أحسن إليه انصرفنا عنه و تركناه.

فتبعته عليه السلام فقلت له: ما الذي قلت حتي كفيت أمر الرشيد؟ فقال: دعاء جدي علي بن أبي طالب عليه السلام كان إذا دعا به ما برز إلي عسكر إلا هزمه، و لا إلي فارس إلا قهره، و هو دعاء كفاية البلاء قلت: و ما هو؟ قال: قلت: أللهم بك



[ صفحه 217]



اساور، و بك احاول، و بك احاور، و بك أصول، و بك انتصر، و بك أموت، و بك أحيا أسلمت نفسي إليك و فوضت أمري إليك و لا حول و لا قوة إلا الله العلي العظيم أللهم إنك خلقتني و رزقتني و سترتني، و عن العباد بلطف ما خولتني أغنيتني، و إذا هويت رددتني، و إذا عرثت قومتني، و إذا مرضت شفيتني، و إذا دعوت أجبتني يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني [22] .

بيان: الكوخ بالضم بيت من قصب بلا كوة، و لوح الرجل بثوبه و بسيفه لمع به و حركه.

17 ن: يحيي بن المكتب عن الوراق، عن علي بن هارون الحميري، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي، عن أبيه، عن علي بن يقطين قال: أنهي الخبر إلي أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السلام و عنده جماعة من أهل بيته، بما عزم عليه موسي ابن المهدي في أمره فقال لاهل بيته: ما تشيرون؟ قالوا: نري أن تتباعد عنه، و أن تغيب شخصك منه، فانه لا يؤمن شره، فتبسم أبو الحسن عليه السلام ثم قال:



زعمت سخينة أن ستغلب ربها

و ليغلبن مغلب الغلاب



ثم رفع عليه السلام يده إلي السماء فقال: أللهم كم من عدو شحذلي ظبة مديته، و أرهف لي شبا حده و داف لي قواتل سمومه، و لم تنم عني عين حراسته فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، و عجزي عن ملمات الجوايح صرفت عني ذلك بحولك و قوتك، لا بحولي و قوتي، فألقيته في الحفير الذي احتفره لي خائبا مما أمله في دنياه متباعدا مما رجاه في آخرته فلك الحمد علي ذلك قدر استحقاقك سيدي أللهم فخذه بعزتك و افلل حده عني بقدرتك، و اجعل له شغلا فيما يليه و عجزا عمن يناويه، أللهم و أعدني عليه عدوي حاضرة تكون من غيظي شفآءا و من حقي عليه وفآءا وصل أللهم دعائي بالاجابة، و انظم شكايتي بالتغيير، و عرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، و عرفني ما وعدت في إجابة المضطرين، إنك ذو الفضل



[ صفحه 218]



العظيم، و المن الكريم " [23] .

قال: ثم تفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد عليه بموت موسي بن المهدي، ففي ذلك يقول بعض من حضر موسي عليه السلام من أهل بيته:



و سارية لم تسر في الارض تبتغي

محلا و لم يقطع بها البعد قاطع



سرت حيث لم تحد الركاب و لم تنخ

لورد و لم يقصر لها البعد مانع



تمر وراء الليل و الليل ضارب

بجثمانه فيه سمير و هاجع



تفتح أبواب السماء و دونها

إذا قرع الابواب منهن قارع



إذا وردت لم يردد الله وفدها

علي أهلها و الله راء و سامع



و إني لارجو الله حتي كأنما

أري بجميل الظن ما الله صانع [24] .



18 ما: الغضائري، عن الصدوق، عن ابن المتوكل، عن علي، عن أبيه عن الحسين بن علي بن يقطين قال: وقع الخبر إلي موسي بن جعفر عليه السلام و عنده جماعة من أهل بيته إلي قوله: فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتب الواردة بموت موسي بن المهدي [25] .

19 لي: ابن المتوكل، عن علي، عن أبيه مثله [26] .

بيان: و سارية أي و رب سارية من السري، و هو السير بالليل أي رب دعوة لم تجر في الارض تطلب محلا، بل صعدت إلي السماء، و لم يقطعها قاطع لبعد المسافة جرت حيث لم تحد الركاب، من حدي الابل، و لم تنخذ من إناخة الابل لورد أي ورود علي الماء، قوله: تمر وراء الليل أي تمر هذه الدعوة وراء ستر الليل بحيث لا يطلع عليها أحد.

قوله: و الليل ضاب بجثمانه أي ضرب بجسده الارض، و سكن و استقر



[ صفحه 219]



فيها و قال الجوهري [27] الضارب: الليل الذي ذهبت ظلمته يمينا و شمالا و ملات الدنيا قوله: لم يردد الله وفدها أي لم يرددها وافدة.

20 ن: ما جيلويه، عن علي، عن أبيه قال: سمعت رجلا من أصحابنا يقول: لما حبس الرشيد موسي بن جعفر عليه السلام جن عليه الليل فخاف ناحية هارون أن يقتله، فجدد موسي عليه السلام طهوره و استقبل بوجهه القبلة وصلي لله عز و جل أربع ركعات ثم دعا بهذه الدعوات فقال: يا سيدي نجني من حبس هارون، و خلصني من يده، يا مخلص الشجر من بين رمل الغري و مآء، و يا مخلص اللبن من بين فرث و دم، و يا مخلص الولد من بين مشيمة و رحم، و يا مخلص النار من بين الحديد و الحجر، و يا مخلص الروح من بين الاحشآء و الامعاء، خلصني من يدي هارون.

قال: فلما دعا موسي عليه السلام بهذه الدعوات أتي هارون رجل أسود في منامه و بيده سيف قد سله، فوقف علي رأس هارون و هو يقول: يا هارون أطلق عن موسي بن جعفر و إلا ضربت علاوتك بسيفي هذا، فخاف هارون من هيبته ثم دعا الحاجب فجاء الحاجب فقال له: اذهب إلي السجن فأطلق عن موسي بن جعفر قال: فخرج الحاجب فقرع باب السجن فأجابه صاحب السجن فقال: من ذا؟ قال: إن الخليفة يدعو موسي بن جعفر فأخرجه من سجنك، و أطلق عنه، فصاح السجان يا موسي: إن الخليفة يدعوك.

فقام موسي عليه السلام مذعورا فزعا و هو يقول: لا يدعوني في جوف هذا الليل إلا لشر يريد بي، فقام باكيا حزينا مغموما آيسا من حياته فجاء إلي هارون و هو ترتعد فرائصه فقال: سلام علي هارون فرد عليه السلام ثم قال له هارون: ناشدتك بالله هل دعوت في جوف هذه الليلة بدعوات؟ فقال: نعم، قال: و ما هن؟ قال: جددت طهورا و صليت لله عز و جل أربع ركعات، و رفعت طرفي إلي السماء و قلت: يا سيدي خلصني من يد هارون و ذكره و شره، و ذكر له ما كان من دعائه فقال



[ صفحه 220]



هارون قد استجاب الله دعوتك يا حاجب أطلق عن هذا، ثم دعا بخلع فخلع عليه ثلاثا و حمله علي فرسه و أكرمه و صيره نديما لنفسه، ثم قال: هات الكلمات فعلمه فأطلق عنه و سلمه إلي الحاجب ليسلمه إلي الدار و يكون معه، فصار موسي بن جعفر عليه السلام كريما شريفا عند هارون، و كان يدخل عليه في كل خميس إلي أن حبسه الثانية فلم يطلق عنه حتي سلمه إلي السندي بن شاهك و قتله بالسم [28] .

21 لي: مثله إلي قوله في كل يوم خميس [29] .

22 ما: الغضائري عن الصدوق مثله [30] .

23 قب: مرسلا مثله مع اختصار ثم قال: و في رواية الفضل بن الربيع أنه قال: صر إلي حبسنا و أخرج موسي بن جعفر و أدفع إليه ثلاثين ألف درهم و اخلع عليه خمس خلع، و أحمله علي ثلاث مراكب، و خيره إما المقام معنا، أو الرحيل إلي أي البلاد أحب، فلما عرض الخلع عليه أبي أن يقبلها [31] .

بيان: العلاوة بالكسر أعلا الرأس.

24 ن: محمد بن علي بن محمد بن حاتم، عن عبد الله بن بحر الشيباني قال: حدثني الخرزي أبو العباس بالكوفة قال: حدثني الثوباني قال: كنت لابي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلي وقت الزوال قال: فكان هارون ربما صعد سطحا يشرف منه علي الحبس الذي حبس فيه أبا الحسن عليه السلام فكان يري أبا الحسن عليه السلام ساجدا فقال للربيع: ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟ قال: يا أمير المؤمنين ما ذاك بثوب و إنما هو موسي بن جعفر، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلي وقت الزوال قال الربيع: فقال لي هارون: أما إن هذا من رهبان بني هاشم، قلت: فما لك فقد



[ صفحه 221]



ضيقت عليه في الحبس!؟ قال: هيهات لابد من ذلك [32] .

25 ن: الطالقاني، عن محمد بن يحيي الصولي، عن أحمد بن عبد الله، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال: سمعت أبي يقول: لما قبض الرشيد علي موسي ابن جعفر عليه السلام و هو عند رأس النبي صلي الله عليه و آله قائما يصلي فقطع عليه صلاته و حمل و هو يبكي و يقول: إليك أشكو يا رسول الله ما ألقي و أقبل الناس من كل جانب يبكون و يضجون فلما حمل إلي بين يدي الرشيد شتمه و جفاه، فلما جن عليه الليل أمر ببيتين فهيئا له فحمل موسي بن جعفر عليه السلام إلي أحدهما في خفآء و دفعه إلي حسان السروي و أمره أن يصير به في قبة إلي البصرة فيسلمه إلي عيسي بن جعفر بن أبي جعفر، و هو أميرها، و وجه قبة اخري علانية نهارا إلي الكوفة معها جماعة ليعمي علي الناس أمر موسي بن جعفر عليه السلام.

فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم، فدفعه إلي عيسي بن جعفر بن أبي جعفر نهارا علانية حتي عرف ذلك، و شاع أمره، فحبسه عيسي في بيت من بيوت المحبس الذي كان يحبس فيه، و أقفل عليه و شغله عنه العيد فكان لا يفتح عنه الباب إلا في حالتين حال يخرج فيها إلي الطهور، و حال يدخل إليه فيها الطعام.

قال أبي: فقال لي الفيض بن أبي صالح: و كان نصرانيا ثم أظهر الاسلام و كان زنديقا، و كان يكتب لعيسي بن جعفر، و كان بي خاصا فقال: يا أبا عبد الله لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش و المناكير ما أعلم و لا أشك أنه لم يخطر بباله قال أبي: وسعي بي في تلك الايام إلي عيسي بن جعفر بن أبي جعفر علي بن يعقوب بن عون بن العباس ابن ربيعة في رقعة دفعها إليه أحمد بن أسيد حاجب عيسي قال: و كان علي بن يعقوب من مشايخ بني هاشم، و كان أكبرهم سنا، و كان مع سنه يشرب الشراب و يدعو أحمد بن أسيد إلي منزله فيحتفل له و يأتيه بالمغنين و المغنيات، و يطمع في أن يذكره لعيسي فكان في رقعته التي دفعها إليه إنك تقدم علينا محمد بن سليمان في إذنك و إكرامك و تخصه بالمسك، وفينا من هو اسن منه، و هو



[ صفحه 222]



يدين بطاعة موسي بن جعفر المحبوس عندك.

قال أبي: فإني لقائل [33] في يوم قائظ إذ حركت حلقة الباب علي فقلت: ما هذا؟ فقال لي الغلام: قعنب بن يحيي علي الباب يقول: لابد من لقائك الساعة فقلت: ما جاء إلا لامر ائذنوا له، فدخل فخبرني عن الفيض بن أبي صالح بهذه القصة و الرقعة، و قد كان قال لي الفيض بعد ما أخبرني: لا تخبر أبا عبد الله فتخوفه فإن الرافع عند الامير لم يجد فيه مساغا و قد قلت للامير: أفي نفسك من هذا شيء حتي أخبر أبا عبد الله فيأتيك فيحلف علي كذبه؟ فقال: لا تخبره فتغمه فإن ابن عمه إنما حمله علي هذا لحسد له فقلت له: أيها الامير أنت تعلم إنك لا تخلو بأحد خلوتك به، فهل حملك علي أحد قط؟ قال: معاذ الله قلت: فلو كان له مذهب يخالف فيه الناس لاحب أن يحملك عليه قال: أجل و معرفتي به أكثر.

قال أبي: فدعوت بدابتي و ركبت إلي الفيض من ساعتي فصرت إليه و معي قعنب في الظهيرة فأستأذنت عليه، فأرسل إلي: جعلت فداك قد جلست مجلسا أرفع قدرك عنه، و إذا هو جالس علي شرابه فأرسلت إليه لابد من لقائك فخرج إلي في قميص دقيق و إزار مورد فأخبرته بما بلغني فقال لقعنب: لاجزيت خيرا ألم أ تقدم إليك أن لا تخبر أبا عبد الله فتغمه ثم قال: لا بأس فليس في قلب الامير من ذلك شيء قال: فما مضت بعد ذلك إلا أيام يسيرة حتي حمل موسي بن جعفر عليه السلام سرا إلي بغداد و حبس ثم أطلق، ثم حبس و سلم إلي السندي بن شاهك، فحبسه و ضيق عليه ثم بعث إليه الرشيد بسم في رطب و أمره أن يقدمه إليه و يحتم عليه في تناوله منه ففعل، فمات صلوات الله عليه [34] .

إيضاح: احتفل القوم اجتمعوا و ما احتفل به: ما بالي.

26 ن: تميم القرشي، عن أبيه، عن أحمد بن علي الانصاري، عن سليمان



[ صفحه 223]



ابن جعفر البصري، عن عمر بن واقد قال: إن هارون الرشيد لما ضاق صدره مما كان يظهر له من فضل موسي بن جعفر عليهما السلام، و ما كان يبلغه عنه من قول الشيعة بإمامته، و اختلافهم في السر إليه بالليل و النهار خشية علي نفسه و ملكه، ففكر في قتله بالسم فدعا برطب فأكل منه ثم أخذ صينية فوضع فيها عشرين رطبة، و أخذ سلكا فعركه في السم، و أدخله في سم الخياط، و أخذ رطبة من ذلك الرطب فأقبل يردد إليها ذلك السم بذلك الخيط، حتي علم أنه قد حصل السم فيها فاستكثر منه ثم ردها في ذلك الرطب و قال لخادم له: احمل هذه الصينية إلي موسي بن جعفر و قل له: إن أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب و تنغص لك به، و هو يقسم عليك بحقه لما أكلتها عن آخر رطبة فإني اخترتها لك بيدي، و لا تتركه يبقي منها شيئا و لا يطعم منها أحدا.

فأتاه بها الخادم و أبلغه الرسالة فقال له: ائتني بخلال فناوله خلالا، و قام بإزائه و هو يأكل من الرطب و كانت للرشيد كلبة تعز عليه فجذبت نفسها و خرجت تجر سلاسلها من ذهب و جوهر حتي حاذت موسي بن جعفر عليه السلام فبادر بالخلال إلي الرطبة المسمومة و رمي بها إلي الكلبة فأكلتها فلم تلبث أن ضربت بنفسها الارض و عوت و تهرت قطعة قطعة و استوفي عليه السلام باقي الرطب، و حمل الغلام الصينية حتي صار بها إلي الرشيد.

فقال له: قد أكل الرطب عن آخره؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين قال: فكيف رأيته؟ قال: ما أنكرت منه شيئا يا أمير المؤمنين قال: ثم ورد عليه خبر الكلبة و أنها قد تهرت و ماتت، فقلق الرشيد لذلك قلقا شديدا، و استعظمه، و وقف علي الكلبة فوجدها متهرئة بالسم فأحضر الخادم و دعا له بسيف و نطع و قال له: لتصدقني عن خبر الرطب أو لاقتلنك فقال: يا أمير المؤمنين إني حملت الرطب إلي موسي بن جعفر و أبلغته سلامك، و قمت بإزائه فطلب مني خلالا فدفعته إليه فأقبل يغرز في الرطبة بعد الرطبة و يأكلها حتي مرت الكلبة فغرز الخلال في رطبة من ذلك الرطب فرمي بها فأكلتها الكلبة و أكل هو باقي الرطب، فكان ما تري يا أمير المؤمنين.



[ صفحه 224]



فقال الرشيد: ما ربحنا من موسي إلا أنا أطعمناه جيد الرطب، و ضيعنا سمنا، و قتل كلبتنا ما في موسي حيلة.

ثم إن سيدنا موسي عليه السلام دعا بالمسيب و ذلك قبل وفاته بثلاثة أيام و كان موكلا به فقال له: يا مسيب فقال: لبيك يا مولاي قال: إني ظاعن في هذه الليلة إلي المدينة، مدينة جدي رسول الله صلي الله عليه و آله لاعهد إلي علي ابني ما عهده إلي أبي و أجعله وصيي و خليفتي، و آمره بأمري قال المسيب: فقلت: يا مولاي كيف تأمرني أن أفتح لك الابواب و أقفالها، و الحرس معي علي الابواب؟ فقال: يا مسيب ضعف يقينك في الله عز و جل وفينا؟ فقلت: لا يا سيدي قال: فمه؟ قلت: يا سيدي ادع الله أن يثبتني فقال: أللهم ثبته.

ثم قال: ني أدعو الله عز و جل باسمه العظيم الذي دعا به آصف حتي جآء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه إليه حتي يجمع بيني و بين ابني علي بالمدينة، قال المسيب: فسمعته عليه السلام يدعو ففقدته عن مصلاه، فلم أزل قائما علي قدمي حتي رأيته قد عاد إلي مكانه و أحاد الحديد إلي رجليه فخررت لله ساجدا لوجهي شكرا علي ما أنعم به علي من معرفته.

فقال لي: ارفع رأسك يا مسيب و اعلم أني راحل إلي الله عز و جل في ثالث هذا اليوم قال: فبكيت فقال لي: لا تبك يا مسيب فان عليا ابني هو إمامك، و مولاك بعدي فاستمسك بولايته، فإنك لا تضل ما لزمته فقلت: الحمد لله.

قال: ثم إن سيدي عليه السلام دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال لي: إني علي ما عرفتك من الرحيل إلي الله عز و جل فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها، و رأيتني قد انتفخت و ارتفع بطني، و أصفر لوني، و أحمر و أخضر، و تلون ألوانا فخبر الطاغية بوفاتي، فإذا رأيت بي هذا الحدث فاياك أن تظهر عليه أحدا، و لا علي من عندي إلا بعد وفاتي.

قال المسيب بن زهير: فلم أزل أرقب وعده حتي دعا عليه السلام بالشربة فشربها ثم دعاني فقال لي: يا مسيب إن هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه



[ صفحه 225]



يتولي غسلي، و دفني، و هيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا فإذا حملت إلي المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها و لا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات و لا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به، فان كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي عليه السلام فان الله عز و جل جعلها شفاء لشيعتنا و أوليائنا.

قال: ثم رأيت شخصا أشبه الاشخاص به عليه السلام جالسا إلي جانبه، و كان عهدي بسيدي الرضا عليه السلام و هو غلام فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسي عليه السلام و قال لي: أ ليس قد نهيتك يا مسيب؟ فلم أزل صابرا حتي مضي، و غاب الشخص ثم أنهيت الخبر إلي الرشيد فوافي السندي بن شاهك فو الله لقد رأيتهم بعيني و هم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه، و يظنون أنهم يحنطونه و يكفنونه و أراهم لا يصنعون به شيئا، و رأيت ذلك الشخص يتولي غسله و تحنيطه و تكفينه و هو يظهر المعاونة لهم، و هم لا يعرفونه.

فلما فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص: يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن في فاني إمامك و مولاك، و حجة الله عليك بعد أبي يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق عليه السلام و مثلهم مثل إخوته حين دخلوا عليه فعرفهم و هم له منكرون، ثم حمل عليه السلام حتي دفن في مقابر قريش، و لم يرفع قبره أكثر مما أمر به ثم رفعوا قبره بعد ذلك و بنوا عليه [35] .

بيان: العرك الدلك، و تنغصت عيشه أي تكدرت، و هرأت اللحم و هرأته تهرئة إذا أجدت إنضاجه فتهرأ حتي سقط عن العظم.

27 ك [36] ن: الطالقاني، عن أحمد بن محمد بن عامر، عن الحسن بن محمد القطعي، عن الحسن بن علي النخاس العدل، عن الحسن بن عبد الواحد الخزاز عن علي بن جعفر بن عمر، عن عمر بن واقد قال: أرسل إلي السندي بن شاهك في بعض الليل و أنا ببغداد يستحضرني فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي فأوصيت



[ صفحه 226]



عيالي بما احتجت إليه و قلت: إنا لله و إنا إليه راجعون، ثم ركبت إليه.

فلما رآني مقبلا قال: يا أبا حفص لعلنا أرعبناك و أفزعناك؟ قلت: نعم قال: فليس هنا إلا خير قلت: فرسول تبعثه إلي منزلي يخبرهم خبري فقال: نعم ثم قال: يا أبا حفص أ تدري لم أرسلت إليك؟ فقلت: لا فقال: أتعرف موسي بن جعفر؟ فقلت: إي و الله إني لاعرفه، و بيني و بينه صداقة منذ دهر فقال: من ههنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله؟ فسميت له أقواما، و وقع في نفسي أنه عليه السلام قد مات قال: فبعث وجآء بهم كما جآء بي فقال: هل تعرفون قوما يعرفون موسي بن جعفر؟ فسموا له قوما فجاء بهم فأصبحنا و نحن في الدار نيف و خمسون رجلا ممن يعرف موسي بن جعفر عليه السلام و قد صحبه.

قال: ثم قام فدخل و صلينا، فخرج كاتبه و معه طومار فكتب أسماءنا و منازلنا و أعمالنا و حلانا ثم دخل إلي السندي قال: فخرج السندي فضرب يده إلي فقال لي: قم يا أبا حفص فنهضت و نهض أصحابنا، و دخلنا فقال لي: يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجه موسي بن جعفر، فكشفته فرأيته ميتا فبكيت و استرجعت ثم قال للقوم: أنظروا إليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا إليه ثم قال: تشهدون كلكم أن هذا موسي بن جعفر بن محمد؟ فقلنا: نعم نشهد أنه موسي بن جعفر بن محمد عليهم السلام ثم قال: يا غلام اطرح علي عورته منديلا و اكشفه قال: ففعل فقال: أ ترون به أثرا تنكرونه؟ فقلنا: لا ما نري به شيئا و لا نراه إلا ميتا قال: فلا تبرحوا حتي تغسلوه و اكفنه و أدفنه قال: فلم نبرح حتي غسل و كفن و حمل فصلي عليه السندي بن شاهك و دفناه و رجعنا فكان عمر بن واقد يقول: ما أحد هو أعلم بموسي بن جعفر عليه السلام مني كيف يقولون إنه حي و أنا دفنته [37] .

28 ن: الطالقاني، عن الحسن بن علي بن زكريا، عن محمد بن خليلان قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن عتاب بن أسيد، عن جماعة، عن مشايخ أهل المدينة قالوا: لما مضي خمس عشرة سنة من ملك الرشيد استشهد ولي الله موسي



[ صفحه 227]



ابن جعفر عليه السلام مسموما سمه السندي بن شاهك بأمر الرشيد في الحبس المعروف بدار المسيب بباب الكوفة، و فيه السدرة، و مضي عليه السلام إلي رضوان الله و كرامته يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة من الهجرة، و قد تم عمره أربعا و خمسين سنة، و تربته بمدينه السلام في الجانب الغربي بباب التين في المقبرة المعروفة بمقابر قريش [38] .

29 ك [39] ن: ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن الحسن بن عبد الله الصيرفي، عن أبيه قال: توفي موسي بن جعفر عليه السلام في يدي السندي ابن شاهك، فحمل علي نعش و نودي عليه هذا إمام الرافضة فاعرفوه.

فلما اتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا ألا من أراد أن يري الخبيث ابن الخبيث موسي بن جعفر فليخرج، و خرج سليمان بن أبي جعفر من قصره إلي الشط، فسمع الصياح و الضوضاء فقال لولده و غلمانه: ما هذا؟ قالوا: السندي بن شاهك ينادي علي موسي بن جعفر علي نعش فقال لولده و غلمانه: يوشك أن يفعل هذا به في الجانب الغربي، فإذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فإن مانعوكم فاضربوهم و خرقوا ما عليهم من السواد.

فلما عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم و ضربوهم، و خرفوا عليهم سوادهم، و وضعوه في مفرق أربعة طرق و أقام المنادين ينادون ألا من أراد الطيب ابن الطيب موسي بن جعفر فليخرج، و حضر الخلق و غسل و حنط بحنوط فاخر، و كفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين و خمسمأة دينار، عليها القرآن كله، و احتفي و مشي في جنازته متسلبا مشقوق الجيب إلي مقابر قريش، فدفنه عليه السلام هناك و كتب بخبره إلي الرشيد فكتب إلي سليمان بن أبي جعفر: وصلتك رحم يا عم، و أحسن الله جزاءك، و الله ما فعل السندي بن شاهك لعنه الله ما فعله عن أمرنا [40] .



[ صفحه 228]



بيان: شرط السلطان نخبة أصحابه الذين يقدمهم علي غيرهم من جنده و الضوضاء أصوات الناس و غلبتهم، و السلب خلع لباس الزينة و لبس أثواب المصيبة.

30 ن: الهمداني، عن علي، عن أبيه، عن سليمان بن حفص قال: إن هارون الرشيد قبض علي موسي بن جعفر عليه السلام سنة تسع و سبعين و مائة، و توفي في حبسه ببغداد لخمس ليال بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة، و هو ابن سبع و أربعين سنة، و دفن في مقابر قريش، و كانت إمامته خمسا و ثلاثين سنة و أشهرا، و امه ام ولد يقال لها حميدة و هي ام أخويه إسحاق و محمد ابني جعفر، و نص علي ابنه علي بن موسي الرضا عليه السلام بالامامة بعده [41] .

بيان: لعل في لفظ الاربعين تصحيفا.

31 ك [42] ن: الهمداني، عن علي، عن أبيه محمد بن صدقة العنبري قال: لما توفي أبو إبراهيم موسي بن جعفر عليه السلام جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبية و بني العباس و سائر أهل المملكة و الحكام و أحضر أبا إبراهيم موسي بن جعفر فقال: هذا موسي بن جعفر قد مات حتف أنفه و ما كان بيني و بينه ما أستغفر الله منه في أمره يعني في قتله فانظروا إليه فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته فنظروا إلي موسي بن جعفر و ليس به أثر جراحة و لا خنق، و كان في رجله أثر الحناء فأخذه سليمان بن أبي جعفر فتولي غسله و تكفينه و تحفي و تحسر في جنازته [43] .

32 ب: أحمد بن محمد، عن أبي قتادة، عن أبي خالد الزبالي قال: قدم أبو الحسن موسي عليه السلام زبالة و معه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم المهدي في أشخاصه إليه، و أمرني بشراء حوائج له، و نظر إلي و أنا مغموم فقال: يا أبا خالد مالي أراك مغموما؟ قلت: جعلت فداك هو ذا تصير إلي هذا الطاغية و لا آمنه عليك



[ صفحه 229]



فقال: يا أبا خالد ليس علي منه بأس، إذا كانت سنة كذا و كذا و شهر كذا و كذا و يوم كذا و كذا فانتظرني في أول الميل [44] فاني اوافيك إن شاء الله.

قال: فما كنت لي همة إلا إحصاء الشهور و الايام، فغدوت إلي أول الميل في اليوم الذي وعدني، فلم أزل أنتظره إلي أن كادت الشمس أن تغيب فلم أر أحدا فشككت فوقع في قلبي أمر عظيم، فنظرت قرب الليل، فإذا سواد قد رفع قال: فانتظرته فوافاني أبو الحسن عليه السلام أمام القطار [45] علي بغلة له فقال: أيهن يا أبا خالد قلت: لبيك جعلت فداك قال: لا تشكن، ود و الله الشيطان أنك شككت قلت: قد كان و الله ذلك جعلت فداك.

قال: فسررت بتخليصه و قلت: الحمد لله الذي خلصك من الطاغية فقال: يا أبا خالد إن لي إليهم عودة لا أتخلص منهم [46] .

33 كشف: من دلائل الحميري عن أحمد بن محمد مثله [47] .

34 ب: اليقطيني، عن يونس، عن علي بن سويد السائي قال: كتب إلي أبو الحسن الاول عليه السلام في كتاب إن أول ما أنعي إليك نفسي في ليالي هذه، جازع، و لا نادم، و لا شاك فيما هو كائن، مما قضي الله و حتم، فاستمسك بعروة الدين آل محمد و العروة الوثقي الوصي بعد الوصي، و المسالة و الرضا بما قالوا [48] .

35 غط: يونس بن عبد الرحمن قال: حضر الحسين بن علي الرواسي جنازة أبي إبراهيم عليه السلام فلما وضع علي شفير القبر إذا رسول من السندي بن شاهك قد أتي أبا المضا خليفته و كان مع الجنازة أن اكشف وجهه للناس قبل أن تدفنه حتي يروه صحيحا لم يحدث به حدث، قال: فكشف عن وجه مولاي



[ صفحه 230]



حتي رأيته و عرفته ثم غطي وجهه و ادخل قبره صلي الله عليه [49] .

36 غط: اليقطيني قال: أخبرتني رحيم ام ولد الحسين بن علي بن يقطين و كانت إمرأة حرة فاضلة قد حجت نيفا و عشرين حجة عن سعيد مولاه و كان يخدمه في الحبس و يختلف في حوائجه: أنه حضر حين مات كما يموت الناس من قوة إلي ضعف إلي أن قضي عليه السلام [50] .

37 قب [51] غط: محمد البرقي، عن محمد بن غياث المهلبي قال: لما حبس هارون الرشيد أبا إبراهيم موسي عليه السلام و أظهر الدلائل و المعجزات و هو في الحبس تحير الرشيد، فدعا يحيي بن خالد البرمكي فقال له: يا أبا علي أما تري ما نحن فيه من هذه العجائب أ.

تدبر في أمر هذا الرجل تدبيرا تريحنا من غمه.

فقال له يحيي بن خالد: الذي أراه لك يا أمير المؤمنين أن تمتن عليه، و تصل رحمه فقد و الله أفسد علينا قلوب شيعتنا، و كان يحيي يتولاه، و هارون لا يعلم ذلك، فقال هارون: انطلق إليه و أطلق عنه الحديد و أبلغه عني السلام و قل له: يقول لك ابن عمك إنه قد سبق مني فيك يمين أني لا اخليك حتي تقر لي بالاساءة و تسألني العفو عما سلف منك، و ليس عليك في إقرار عار و لا في مسألتك إياي منقصة.

و هذا يحيي بن خالد هو ثقتي و وزيري و صاحب أمري فسله بقدر ما أخرج من يميني و انصرف راشدا.

قال محمد بن غياث: فأخبرني موسي بن يحيي بن خالد أن أبا إبراهيم قال ليحيي: يا أبا علي أنا ميت، و إنما بقي من أجلي أسبوع، اكتم موتي و ائتني يوم الجمعة عند الزوال، وصل علي أنت و أوليائي فرادي و انظر إذا سار هذا الطاغية إلي الرقة [52] و عاد إلي العراق لا يراك و لا تراه لنفسك، فاني رأيت في نجمك و



[ صفحه 231]



نجم ولدك و نجمه أنه يأتي عليكم فاحذروه، ثم قال: يا أبا علي أبلغه عني يقول لك موسي بن جعفر: رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بما تري، و ستعلم غدا إذا جاثيتك [53] بين يدي الله من الظالم و المعتدي علي صاحبه و السلام.

فخرج يحيي من عنده و احمرت عيناه من البكاء حتي دخل علي هارون فأخبره بقصته و ما ورد عليه فقال هارون: إن لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا فلما كان يوم الجمعة توفي أبو إبراهيم عليه السلام و قد خرج هارون إلي المدائن قبل ذلك فاخرج إلي الناس حتي نظروا إليه، ثم دفن عليه السلام و رجع الناس، فافترقوا فرقتين فرقة تقول: مات، و فرقة تقول: لم يمت [54] .

38 غط: أخبرنا أحمد بن عبدون سماعا و قراءة عليه قال: أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين الاصبهاني قال: حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثنا علي بن محمد النوفلي، عن أبيه، قال الاصبهاني: و حدثني أحمد بن سعيد قال: حدثني محمد بن الحسن العلوي و حدثني غيرهما ببعض قصته، و جمعت ذلك بعضه إلي بعض قالوا: كان السبب في أخذ موسي بن جعفر عليهما السلام أن الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمد بن الاشعث فحسده يحيي بن خالد البرمكي و قال: إن أفضت الخلافة إليه زالت دولتي، و دولة ولدي.

فاحتال علي جعفر بن محمد و كان يقول بالامامة حتي داخله و آنس إليه و كان يكثر غشيانه في منزله، فيقف علي أمره، فيرفعه إلي الرشيد، و يزيد عليه بما يقدح في قلبه ثم قال يوما لبعض ثقاته: أ تعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال يعرفني ما أحتاج إليه فدل علي علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فحمل إليه يحيي بن خالد ما لا و كان موسي يأنس إليه و يصله، و ربما أفضي إليه بأسراره كلها، فكتب ليشخص به فأحس موسي بذلك فدعاه فقال: إلي أين



[ صفحه 232]



يا ابن أخي؟ قال: إلي بغداد قال: و ما تصنع؟ قال: علي دين و أنا مملق قال: فأنا أقضي دينك، و أفعل بك و أصنع، فلم يلتفت إلي ذلك فقال له: أنظر يا ابن أخي لا تؤتم أولادي، و أمر له بثلاثمائة دينار، و أربعة آلاف درهم.

فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن موسي عليه السلام لمن حضره: و الله ليسعين في دمي، و يؤتمن أولادي فقالوا له: جعلنا الله فداك فأنت تعلم هذا من حاله و تعطيه و تصله؟! فقال لهم: نعم حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه و آله أن الرحم إذا قطعت فوصلت قطعها الله.

فخرج علي بن إسماعيل حتي أتي إلي يحيي بن خالد فتعرف منه خبر موسي ابن جعفر، و رفعه إلي الرشيد، و زاد عليه و قال له: إن الاموال تحمل إليه من المشرق و المغرب، و إن له بيوت أموال و إنه اشتري ضيعة بثلاثين ألف دينار فسماها اليسيرة، و قال له صاحبها و قد أحضر المال: لا آخذ هذا النقد، و لا آخذ إلا نقد كذا فأمر بذلك المال فرد و أعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأل بعينه، فرفع ذلك كله إلي الرشيد، فأمر له بمائتي ألف درهم يسبب له علي بعض النواحي فاختار كور المشرق، و مضت رسله ليقبض المال و دخل هو في بعض الايام إلي الخلاء فزحر زحرة [55] خرجت منها حشوته [56] كلها فسقط، و جهدوا في ردها فلم يقدروا، فوقع لما به، و جآءه المال و هو ينزع فقال: ما أصنع به و أنا في الموت.

و حج الرشيد في تلك السنة فبدأ بقبر النبي صلي الله عليه و آله فقال: يا رسول الله إني اعتذر إليك من شيء أريد أن أفعله، أريد أن أحبس موسي بن جعفر فإنه يريد التشتت بين امتك و سفك دمائها، ثم أمر به فاخذ من المسجد فادخل إليه فقيده، و أخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو في احداهما، و وجه مع كل واحدة



[ صفحه 233]



منهما خيلا فأخذ بواحدة علي طريق البصرة، و الاخري علي طريق الكوفة ليعمي علي الناس أمره، و كان في التي مضت إلي البصرة، و أمر الرسول أن يسلمه إلي عيسي بن جعفر بن المنصور، و كان علي البصرة حينئذ فمضي به فحبسه عنده سنة.

ثم كتب إلي الرشيد أن خذه مني، و سلمه إلي من شئت، و إلا خليت سبيله، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة، فما أقدر علي ذلك، حتي أني لا تسمع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك فما أسمعه يدعو إلا لنفسه، يسأل الرحمة و المغفرة فوجه من تسلمه منه، و حبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد، فبقي عنده مدة طويلة، و أراده الرشيد علي شيء من أمره فأبي فكتب بتسليمه إلي الفضل بن يحيي فتسلمه منه و أراد ذلك منه فلم يفعل، و بلغه أنه عنده في رفاهية وسعة، و هو حينئذ بالرقة.

فأنفذ مسرور الخادم إلي بغداد علي البريد، و أمره أن يدخل من فوره إلي موسي بن جعفر فيعرف خبره، فان كان الامر علي ما بلغه أوصل كتابا منه إلي العباس بن محمد و أمره بامتثاله، و أوصل منه كتابا آخر إلي السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس.

فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيي لا يدري أحد ما يريد ثم دخل علي موسي ابن جعفر عليه السلام فوجده علي ما بلغ الرشيد، فمضي من فوره إلي العباس بن محمد و السندي فأوصل الكتابين إليهما، فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض إلي الفضل بن يحيي فركب معه و خرج مشدوها دهشا حتي دخل علي العباس فدعا بسياط و عقابين فوجه ذلك إلي السندي و أمره بالفضل فجرد ثم ضربه مائة سوط، و خرج متغير اللون خلاف ما دخل فأذهبت نخوته فجعل يسلم علي الناي يمينا و شمالا و كتب مسرور بالخبر إلي الرشيد فأمر بتسليم موسي إلي السندي بن شاهك و جلس مجلسا حافلا و قال: أيها الناس إن الفضل بن يحيي قد عصاني، و خالف طاعتي و رأيت أن العنة فالعنوه فلعنه الناس من كل ناحية حتي ارتج البيت و الدار بلعنه.



[ صفحه 234]



و بلغ يحيي بن خالد فركب إلي الرشيد و دخل من الباب الذي يدخل الناس منه حتي جآءه من خلفه و هو و جسمه ثم قال: التفت إلي يا أمير المؤمنين فأصغي إليه فزعا فقال له: إن الفضل حدث و أنا أكفيك ما تريد، فانطلق وجهه و سر و أقبل علي الناس فقال: إن الفضل كان عصاني في شيء فلعنته و قد تاب و أناب إلي طاعتي فتولوه، فقالوا له: نحن أوليآء من واليت و أعدآء من عاديت و قد توليناه.

ثم خرج يحيي بن خالد بنفسه علي البريد حتي أتي بغداد فماج الناس و أرجفوا بكل شيء، فأظهر أنه ورد لتعديل السواد، و النظر في أمر العمال و تشاغل ببعض ذلك، و دعا السندي فأمره فيه بأمره، فامتثله، و سأل موسي عليه السلام السندي عند وفاته أن يحضره مولي له ينزل عند دار العباس بن محمد في أصحاب القصب ليغسله ففعل ذلك قال: و سألته أن يأذن لي أن اكفنه فأبي و قال: إنا أهل بيت مهور نسائنا و حج صرورتنا، و أكفان موتانا من طهرة [57] أموالنا، و عندي كفني.

فلما مات أدخل عليه الفقهاء و وجوه أهل بغداد و فيهم الهيثم بن عدي و غيره فنظروا إليه لا أثر به، و شهدوا علي ذلك و اخرج فوضع علي الجسر ببغداد، و نودي: هذا موسي بن جعفر قد مات فانظروا إليه، فجعل الناس يتفرسون في وجهه و هو عليه السلام ميت.

قال: و حدثني رجل من بعض الطالبيين أنه نودي عليه: هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت، فانظروا إليه، فنظروا إليه.

قالوا: و حمل فدفن في مقابر قريش، فوقع قبره إلي جانب رجل من النوفليين يقال له عيسي بن عبد الله [58] .

39 شا: أحمد بن عبيد الله بن عمار، عن علي بن محمد النوفلي، عن



[ صفحه 235]



أبيه، و أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيي، عن مشايخهم مثله مع تغيير ما [59] .

بيان: الاملاق الافتقار قوله يسبب له أي يكتب له فان الكتاب سبب لتحصيل المال، و شده الرجل شدها فهو مشدوه أي دهش قوله: حافلا أي ممتلئا قوله فماج الناس أي اضطربوا.

40 ير: عباد بن سليمان، عن سعد بن سعد، عن أحمد بن عمر قال: سمعته يقول يعني أبا الحسن الرضا عليه السلام: إني طلقت ام فروة بنت إسحاق في رجب بعد موت أبي بيوم قلت له: جعلت فداك طلقتها و قد علمت موت أبي الحسن؟ قال: نعم [60] .

بيان: قيل: الطلاق بعد الموت مبني علي أن العلم الذي هو مناط الاحكام الشرعية هو العلم الظاهر علي الوجه المتعارف.

أقول: يمكن أن يكون هذا من خصائصهم عليهم السلام لازالة الشرف الذي حصل لهن بسبب الزواج، كما طلق أمير المؤمنين عليه السلام عائشة يوم الجمل، أو أراد تطليقها لتخرج من عداد أمهات المؤمنين و لعله عليه السلام إنما طلقها لعلمه بأنها ستريد التزويج و لا يمكنه عليه السلام منعها عن ذلك تقية فطلقها ليجوز لها ذلك، و يحتمل وجهين آخرين: الاول أن يكون التطليق بالمعني اللغوي أي جعلت أمرها إليها تذهب حيث شاءت الثاني أن يكون عليه السلام علم صلاحها في تزويجها قريبا فأخبرها بالموت لتعتد عدة الوفاة، و طلقها ظاهرا لعدم تشنيع العامة في ذلك.

41 ير: عباد بن سليمان، عن سعد بن سعد، عن صفوان قال:: قلت لابي الحسن الرضا عليه السلام: رووا عنك في موت أبي الحسن أن رجلا قال لك: علمت ذلك بقول سعيد؟ فقال: جاءني سعيد بما قد كنت علمته قبل مجيئه [61] .

42 خص [62] ير: أحمد بن محمد، عن إبراهيم بن أبي محمود عن بعض



[ صفحه 236]



أصحابنا قال: قلت للرضا عليه السلام: الامام يعلم إذا مات؟ قال: نعم، يعلم بالتعليم حتي يتقدم في الامر قلت: علم أبو الحسن عليه السلام بالرطب و الريحان المسمومين اللذين بعث إليه يحيي بن خالد؟ قال: نعم قلت: فأكله و هو يعلم؟ قال: أنساه لينفذ فيه الحكم [63] .

43 خص [64] ير: أحمد بن محمد، عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت: الامام يعلم متي يموت؟ قال: نعم، قلت: حيث ما بعث إليه يحيي بن خالد برطب و ريحان مسمومين علم به؟ قال: نعم، قلت: فأكله و هو يعلم فيكون معينا علي نفسه؟ فقال: لا يعلم قبل ذلك، ليتقدم فيما يحتاج إليه، فإذا جاء الوقت ألقي الله علي قلبه النسيان ليقضي فيه الحكم [65] .

بيان: ما ذكر في هذين الخبرين أحد الوجوه في الجمع بين ما دل علي علمهم بما يؤل إليه أمرهم، و بالاسباب التي يترتب عليها هلاكهم، مع تعرضهم لها و بين عدم جواز إلقاء النفس إلي التهلكة، و يمكن أن يقال مع قطع النظر عن الخبر: أن التحرز عن أمثال تلك الامور إنما يكون فيمن لم يعلم جميع أسباب التقادير الحتمية و إلا فيلزم أن لا يجري عليهم شيء من التقديرات المكروهة، و هذا مما لا يكون.

و الحاصل أن أحكامهم الشرعية منوطة بالعلم الظاهرة لا بالعلوم الالهامية و كما أن أحوالهم في كثير من الامور مبائنة لاحوالنا فكذا تكاليفهم مغايرة لتكاليفنا، علي أنه يمكن أن يقال لعلهم علموا أنهم لو لم يفعلوا ذلك لاهلكوهم بوجه أشنع من ذلك، فاختاروا أيسر الامرين، و العلم بعصمتهم و جلالتهم و كون جميع أفعالهم جارية علي قانون الحق و الصواب كاف لعدم التعرض لبيان الحكمة في خصوصيات أحوالهم لاولي الالباب، و قد مر بعض الكلام في ذلك في باب شهادة أمير المؤمنين، و باب شهادة الحسن، و باب شهادة الحسين صلوات الله عليهم أجمعين.



[ صفحه 237]



44 غط: علي بن أحمد الموسوي، عن إبراهيم بن محمد بن حمران، عن يحيي بن القاسم الحذاء و غيره، عن جميل بن صالح، عن داود بن زربي قال: بعث إلي العبد الصالح عليه السلام و هو في الحبس فقال: إئت هذا الرجل يعني يحيي ابن خالد فقل له: يقول لك أبو فلان: ما حملك علي ما صنعت؟ أخرجتني من بلادي و فرقت بيني و بين عيالي؟ فأتيته فأخبرته فقال: زبيدة طالق، و عليه أغلظ الايمان لوددت أنه غرم الساعة ألفي ألف، و أنت خرجت فرجعت إليه فأبلغته فقال: ارجع إليه فقل له: يقول لك: و الله لتخرجنني أو لاخرجن [66] .

45 شا: قبض الكاظم صلوات الله عليه ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست خلون بن رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة، و له يومئذ خمس و خمسون سنة و كانت مدة خلافته و مقامه في الامامة بعد أبيه عليه السلام خمسا و ثلاثين سنة [67] .

46 قب: أبو الأَزهر ناصح بن علية البرجمي في حديث طويل أنه جمعني مسجد بازاء دار السندي بن شاهك و ابن السكيت، فتفاوضنا في العربية و معنا رجل لا نعرفه، فقال: يا هؤلاء أنتم إلي اقامة دينكم أحوج منكم إلي اقامة ألسنتكم و ساق الكلام إلي إمام الوقت و قال: ليس بينكم و بينه هذا الجدار قلنا: تعني هذا المحبوس موسي؟ قال: نعم، قلنا: سترنا عليك فقم من عندنا خيفة أن يراك أحد جليسنا فنؤخذ بك.

قال: و الله لا يفعلون ذلك أبدا و الله ما قلت لكم إلا بأمره، و إنه ليرانا و يسمع كلامنا، و لو شاء أن يكون ثالثنا لكان، قلنا: فقد شئنا فادعه إلينا فإذا قد أقبل رجل من باب المسجد داخلا كادت لرؤيته العقول أن تذهل فعلمنا أنه موسي ابن جعفر عليه السلام ثم قال: أنا هذا الرجل، و تركنا، و خرجنا [68] من المسجد مبادرا



[ صفحه 238]



فسمعنا وجيبا شديدا و إذا السندي بن شاهك يعدو داخلا إلي المسجد معه جماعة فقلنا: كان معنا رجل فدعانا إلي كذا و كذا، و دخل هذا الرجل المصلي و خرج ذاك الرجل و لم نره، فأمر بنا فأمسكنا، ثم تقدم إلي موسي و هو قائم في المحراب فأتاه من قبل وجهه و نحن نسمع فقال: يا ويحك كم تخرج بسحرك هذا و حيلتك من وراء الابواب و الاغلاق و الاقفال و أردك، فلو كنت هربت كان أحب إلي من وقوفك ههنا أ تريد يا موسي أن يقتلني الخليفة؟.

قال: فقال موسي و نحن و الله نسمع كلامه: كيف أهرب و لله في أيديكم موقت لي يسوق إليها أقداره، و كرامتي علي أيديكم في كلامه قال: فأخذ السندي بيده و مشي ثم قال للقوم: دعوا هذين و أخرجوا إلي الطريق فامنعوا أحدا يمر من الناس حتي أتم أنا و هذا إلي الدار.

و في كتاب الانوار قال العامري: إن هارون الرشيد أنفذ إلي موسي بن جعفر جارية خصيفة، لها جمال و وضاءة لتخدمه في السجن فقال قل له " بل أنتم يهديتكم تفرحون " [69] لا حاجة لي في هذه و لا في أمثالها، قال: فاستطار هارون غضبا و قال: ارجع إليه و قل له: ليس برضاك حبسناك، و لا برضاك أخذناك، و اترك الجارية عنده و انصرف، قال: فمضي و رجع ثم قام هارون عن مجلسه و أنفذ الخادم إليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها تقول: قدوس سبحانك سبحانك.

فقال هارون: سحرها و الله موسي بن جعفر بسحره، علي بها، فاتي بها و هي ترعد شاخصة نحو السماء بصرها فقال: ما شأنك؟ قالت: شأني الشأن البديع إني كنت عنده واقفة و هو قائم يصلي ليله و نهاره، فلما انصرف عن صلاته بوجهه و هو يسبح الله و يقدسه قلت: يا سيدي هل لك حاجة اعطيكها؟ قال: و ما حاجتي إليك؟ قلت: إني أدخلت عليك لحوائجك قال: فما بال هؤلاء؟ قالت: فالتفت فإذا روضة



[ صفحه 239]



مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري، و لا أولها من آخرها، فيها مجالس مفروشة بالوشي و الديباج، و عليها وصفاء و وصايف لم أر مثل وجوههم حسنا، و لا مثل لباسهم لباسا، عليهم الحرير الاخضر، و الاكاليل و الدر و الياقوت، و في أيديهم الاباريق و المناديل و من كل الطعام، فخررت ساجدة حتي أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت.

قال: فقال هارون: يا خبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك؟ قالت: لا و الله يا سيدي إلا قبل سجودي رأيت فسجدت من أجل ذلك فقال الرشيد: اقبض هذه الخبيثة إليك، فلا يسمع هذا منها أحد، فأقبلت في الصلاة، فإذا قيل لها في ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح عليه السلام فسئلت عن قولها قالت: إني لما عاينت من الامر نادتني الجواري يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح، حتي ندخل عليه فنحن له دونك، فما زالت كذلك حتي ماتت، و ذلك قبل موت موسي بأيام يسيرة [70] .

47 قب: كان وفاته في مسجد هارون الرشيد و هو المعروف بمسجد المسيب و هو في الجانب الغربي باب الكوفة لانه نقل إليه من دار تعرف بدار عمرويه، و كان بين وفاة موسي عليه السلام إلي وقت حرق مقابر قريش مائتان و ستون سنة [71] .

48 كش: محمد بن قولويه القمي قال: حدثني بعض المشايخ و لم يذكر اسمه، عن علي بن جعفر بن محمد قال: جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر يسألني أن أسأل أبا الحسن موسي عليه السلام أن يأذن له في الخروج إلي العراق، و أن يرضي عنه و يوصيه بوصية قال فتجنب حتي دخل المتوضا، و خرج و هو وقت كان يتهيأ لي أن أخلو به و اكلمه قال: فلما خرج قلت له: إن ابن أخيك محمد بن إسماعيل يسألك أن تأذن له في الخروج إلي العراق و أن توصيه، فأذن له عليه السلام.



[ صفحه 240]



فلما رجع إلي مجلسه قام محمد بن إسماعيل و قال: يا عم احب أن توصيني فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي فقال: لعن الله من يسعي في دمك، ثم قال: يا عم أوصني فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي، قال: ثم ناوله أبو الحسن عليه السلام صرة فيها مائة و خمسون دينارا فقبضها محمد، ثم ناوله اخري فيها مائة و خمسون دينارا فقبضها، ثم أعطاه صرة اخري فيها مائة و خمسون دينارا فقبضها، ثم أمر له بألف و خمسمأة درهم كانت عنده، فقلت له في ذلك و لاستكثرته فقال: هذا ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني و وصلته.

قال: فخرج إلي العراق فلما ورد حضرة هارون أتي باب هرون بثياب طريقه قبل أن ينزل و استأذن علي هارون و قال للحاجب: قل لامير المؤمنين إن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب فقال الحاجب: أنزل أولا و غير ثياب طريقك وعد لا دخلك إليه بغير إذن فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت فقال: أعلم أمير المؤمنين أني حضرت و لم تأذن لي فدخل الحاجب و أعلم هارون قول محمد بن إسماعيل فأمر بدخوله فدخل قال: يا أمير المؤمنين خليفتان في الارض موسي بن جعفر بالمدينة يجبي له الخراج و أنت بالعراق يجبي لك الخراج فقال: و الله!؟ فقال: في جوف ليلته فمات و حول من الغد المال الذي حمل إليه [72] .

بيان: روي في الكافي [73] قريبا من ذلك عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسي عن موسي بن القاسم، عن علي بن جعفر و فيه: فرماه الله بالذبحة و هي كهمزة و عنبة و كسرة و صبرة وجع في الحلق أو دم يخنق فيقتل، ثم إن في بعض الروايات محمد بن إسماعيل و في بعضها علي بن إسماعيل، و يمكن أن يكون فعل كل منهما ما نسب إليه و سيأتي ذمهما في باب أحوال عشآئره عليه السلام.



[ صفحه 241]



49 كش: محمد بن الحسين بن أحمد الفارسي، عن أبي القاسم الحليسي، عن عيسي بن هوذا، عن الحسن بن ظريف بن ناصح فقال: قد جئتك بحديث من يأتيك حدثني فلان و نسي الحليسي اسمه عن بشار مولي السندي بن شاهك قال: كنت من أشد الناس بغضا لآل أبي طالب، فدعاني السندي بن شاهك يوما فقال لي: يا بشار إني أريد أن أئتمنك علي ما ائتمنني عليه هارون، قلت: إذن لا ابقي فيه غاية فقال: هذا موسي بن جعفر قد دفعه إلي و قد وكلتك بحفظه، فجعله في دار دون حرمه و وكلني عليه، فكنت أقفل عليه عدة أقفال، فإذا مضيت في حاجة وكلت إمرأتي بالباب فلا تفارقه حتي أرجع.

قال بشار: فحول الله ما كان في قلبي من البغض حبا قال: فدعاني عليه السلام يوما فقال: يا بشار أمض إلي سجن القنطرة فادع لي هند بن الحجاج و قل له: أبو الحسن يأمرك بالمصير إليه، فانه سينهرك و يصيح عليك فإذا فعل ذلك، فقل له: أنا قد قلت لك و أبلغت رسالته فإن شئت فافعل ما أمرني، و إن شئت فلا تفعل، و اتركه و انصرف قال: ففعلت ما أمرني و أقفلت الابواب كما كنت أقفل و أقعدت إمرأتي علي الباب و قلت لها: لا تبرحي حتي آتيك.

و قصدت إلي سجن القنطرة فدخلت إلي هند بن الحجاج فقلت: أبو الحسن يأمرك بالمصير إليه قال: فصاح علي و انتهرني فقلت له: أنا قد أبلغتك و قلت لك فان شئت فافعل، و إن شئت فلا تفعل، و انصرف و تركته وجئت إلي أبي الحسن عليه السلام فوجدت إمرأتي قاعدة علي الباب و الابواب مغلقة فلم أزل أفتح واحدا واحدا منها حتي انتهيت إليه فوجدته و أعلمته الخبر فقال: نعم قد جاءني و انصرف فخرجت إلي إمرأتي فقلت لها: جاء أحد بعدي فدخل هذا الباب؟ فقالت: لا و اله ما فارقت الباب و لا فتحت الاقفال حتي جئت.

قال: و روي لي علي بن محمد بن الحسن الانباري أخو صندل قال: بلغني من جهة اخري أنه صار إليه هند بن الحجاج قال له العبد الصالح عليه السلام عند انصرافه إن شئت رجعت إلي موضعك و لك الجنة و إن شئت انصرفت إلي منزلك، فقال:



[ صفحه 242]



أرجع إلي موضعي إلي سجن رحمه الله.

قال: و حدثني علي بن محمد بن صالح الصيمري أن هند بن الحجاج رضي الله عنه كان من أهل الصيمرة و أن قصره لبين [74] .

بيان: قوله بحديث من يأتيك أي بحديث تخبر به كل من يأتيك أو بحديث من يأتي ذكره و هو الكاظم عليه السلام.

50 كش: وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار بخطه: حدثني الحسن ابن أحمد المالكي، عن عبد الله بن طاووس قال: قلت للرضا عليه السلام: إن يحيي بن خالد سم أباك موسي بن جعفر صلوات الله عليهما؟ قال: نعم سمه في ثلاثين رطبة.

قلت له: فلما كان يعلم أنها مسمومة؟ قال: غاب عنه المحدث، قلت: و من المحدث قال: ملك أعظم من جبرئيل و ميكائيل كان مع رسول الله صلي الله عليه و آله و هو مع الائمة عليهم السلام و ليس كلما طلب وجد، ثم قال: إنك ستعمر، فعاش مائة سنة [75] .

51 كا: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن محمد بن منصور، عن علي بن سويد قال: كتبت إلي أبي الحسن موسي عليه السلام و هو في الحبس كتابا أسأله عن حاله و عن مسائل كثيرة فاحتبس الجواب علي، ثم أجابني بجواب هذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته و نوره أبصر قلوب المؤمنين، و بعظمته و نوره عاداه الجاهلون، و بعظمته و نوره ابتغي من في السماوات و من في الارض إليه الوسيلة بالاعمال المختلفة و الاديان المتضادة فمصيب و مخطئ، و ضال و مهتد، و سميع و أصم، و بصير و أعمي حيران فالحمد لله الذي عرف و وصف دينه محمدا صلي الله عليه و آله.

أما بعد فإنك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة، و حفظ مودة ما استرعاك من دينه، و ما ألهمك من رشدك، و بصرك من أمر دينك (و) بتفضيلك إياهم و بردك الامور إليهم كتبت تسألني عن امور كنت منها في تقية و من كتمانها في



[ صفحه 243]



سعة، فلما انقضي سلطان الجبابرة، وجآء السلطان ذي السلطان العظيم، بفراق الدنيا المذمومة إلي أهلها، العتاة علي خالقهم، رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه مخافة أن يدخل الحيرة علي ضعفآء شيعتنا من قبل جهالتهم فاتق الله جل ذكره و خص بذلك الامر أهله، و أحذر أن تكون سبب بلية الاوصيآء، أو حارشا [76] عليهم بافشاء مااستودعتك و إظهار مااستكتمتك، و لن تفعل إن شاء الله.

إن أول ما انهي إليك أني أنعي إليك نفسي في ليالي هذه، جازع و لا نادم، و لا شاك فيما هو كائن، مما قد قضي الله عز و جل و حتم، فاستمسك بعروة الدين آل محمد، و العروة الوثقي الوصي بعد الوصي و المسالمة لهم و الرضا بما قالوا و لا تلتمس دين من ليس من شيعتك، و لا تحبن دينهم فانهم الخائنون الذين خانوا الله و رسوله و خانوا أماناتهم، و تدري ما خانوا أماناتهم؟ ائتمنوا علي كتاب الله فحرفوه و بدلوه، و دلوا علي ولاة الامر منهم فانصرفوا عنهم، فأذاقهم الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون.

و سألت عن رجلين اغتصبا رجلا ما لا كان ينفقه علي الفقراء و المساكين و أبنآء السبيل و في سبيل الله، فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتي حملاه إياه كرها فوق رقبته إلي منزلهما، فلما أحرزاه توليا إنفاقه أيبلغان بذلك كفرا؟ فلعمري لقد نافقا قبل ذلك وردا علي الله عز و جل كلامه و هزءا برسوله صلي الله عليه و آله و هما الكافران عليهما لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، و الله ما دخل قلب أحد منهما شيء من الايمان منذ خروجهما من حالتيهما، و ما ازدادا إلا شكا كانا خداعين مرتابين منافقين حتي توفتهما ملائكة العذاب إلي محل الخزي في دار المقام و سألت عمن حضر ذلك الرجل و هو يغصب ماله و يوضع علي رقبته منهم عارف و منكر، فاولئك أهل الردة الاولي و من هذه الامة فعليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين.



[ صفحه 244]



و سألت عن مبلغ علمنا و هو علي ثلاثة وجوه: ماض و غابر و حادث، فأما الماضي فمفسر و أما الغابر فمكتوب، و أما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الاسماع و هو أفضل علمنا و لا نبي بعد نبينا محمد صلي الله عليه و آله و سألت عن أمهات أولادهم فهن عواهر إلي يوم القيامة نكاح بغير ولي و طلاق لغير عدة، و أما من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلاله و يقينه شكه، و سألت عن الزكاة فيهم فما كان من الزكوات فأنتم أحق به لانا قد أحللنا ذلك لكم من كان منكم و أين كان، و سألت عن الضعفاء فالضعيف من لم ترفع إليه حجة، و لم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف.

و سألت عن الشهادات لهم فأقم الشهادة لله عز و جل و لو علي نفسك أو الوالدين و الاقربين فيما بينك و بينهم، فان خفت علي أخيك ضيما فلا وادع إلي شرائط الله عز ذكره بمعرفتنا من رجوت إجابته، و لا تحضر حصن زنا [77] ووال آل محمد و لا تقل بما بلغك عنا و نسب إلينا هذا باطل، و إن كنت تعرف منا خلافه فإنك لا تدري لما قلناه، و علي أي وجه وصفناه آمن بما أخبرك و لا تفش مااستكتمناك من خبرك إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئا تنفعه به لامر دنياه و آخرته، و لا تحقد عليه و إن أساء، واجب دعوته إذا دعاك، و لا تخل بينه و بين عدوه من الناس و إن كان أقرب إليه منك، وعده في مرضه، ليس من أخلاق المؤمنين الغش، و لا الاذي، و لا الخيانة، و لا الكبر، و لا الخنا، و لا الفحش و لا الامر به، فإذا رأيت المشوه الاعرابي في جحفل [78] جرار فانتظر فرجك و لشيعتك المؤمنين، فإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلي السماء و انظر ما فعل الله عز و جل بالمجرمين فقد فسرت لك جملا جملا وصلي الله علي محمد و آل الاخيار [79] .



[ صفحه 245]



بيان: الخبر مفسر في كتاب الروضة من هذا الكتاب و في شرح روضة الكافي.

52 مهج: باسناد صحيح عن عبد الله بن مالك الخزاعي قال: دعاني هارون الرشيد فقال: يا أبا عبد الله كيف أنت و موضع السر منك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين ما أنا إلا عبد من عبيدك فقال: أمض إلي تلك الحجرة و خذ من فيها و احتفظ به إلي أن أسألك عنه، قال: فدخلت فوجدت موسي بن جعفر عليه السلام فلما رآني سلمت عليه و حملته علي دابتي إلي منزلي فأدخلته داري و جعلته مع حرمي و قفلت عليه و المفتاح معي و كنت أتولي خدمته، و مضت الايام فلم أشعر إلا برسول الرشيد يقول: أجب أمير المؤمنين.

فنهضت و دخلت عليه و هو جالس و عن يمينه فراش و عن يساره فراش، فسلمت عليه فلم يرد أنه قال ما فعلت بالوديعة؟ فكأني لم أفهم ما قال فقال: ما فعل صاحبك؟ فقلت: صالح، فقال: أمض إليه و أدفع إليه ثلاثة آلاف درهم و اصرفه إلي منزله و أهله، فقمت و هممت بالانصراف فقال لي: أ تدري ما السبب في ذلك و ما هو؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين، قال: نمت علي الفراش الذي عن يميني فرأيت في منامي قائلا يقول لي: يا هارون أطلق موسي بن جعفر فانتبهت فقلت: لعلها لما في نفسي منه فقمت إلي هذا الفراش الآخر فرأيت ذلك الشخص بعينه و هو يقول: يا هارون أمرتك أن تطلق موسي بن جعفر فلم تفعل، فانتبهت و تعوذت من الشيطان، ثم قمت إلي هذا الفراش الذي أنا عليه و إذا بذلك الشخص بعينه و بيده حربة كأن أولها بالمشرق و آخرها بالمغرب و قد أومأ إلي و هو يقول: و الله يا هارون لئن لم تطلق موسي بن جعفر لاضعن هذه الحربة في صدرك و أطلعها من ظهرك، فأرسلت إليك فامض فيما أمرتك به و لا تظهره إلي أحد فأقتلك فانظر لنفسك.

قال: فرجعت إلي منزلي و فتحت الحجرة و دخلت علي موسي بن جعفر عليه السلام فوجدته قد نام في سجوده فجلست حتي استيقظ و رفع رأسه و قال: يا أبا عبد الله افعل ما امرت به، فقلت له: يا مولاي سألتك بالله و بحق جدك رسول الله هل دعوت الله



[ صفحه 246]



عز و جل في يومك هذا بالفرج؟ فقال: أجل إني صليت المفروضة و سجدت و غفوت في سجودي فرأيت رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: يا موسي أ تحب أت تطلق؟ فقلت: نعم يا رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: ادع بهذه الدعاء [80] ثم ذكر الدعاء فلقد دعوت به و رسول الله يلقنيه حتي سمعتك، فقلت: قد استجاب الله فيك، ثم قلت له ما أمرني به الرشيد و أعطيته ذلك [81] .

53 كا: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسي، عن مسافر قال: أمر أبو إبراهيم عليه السلام حين أخرج به أبا الحسن أن ينام علي بابه في كل ليلة أبدا ما كان حيا إلي أن يأتيه خبره.

قال: فكنا في كل ليلة نفرش لابي الحسن في الدهيلز ثم يأتي بعد العشآء فينام، فإذا أصبح انصرف إلي منزله، قال: فمكث علي هذه الحال أربع سنين، فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عنا و فرش له فلم يأت كما كان يأتي فاستوحش العيال و ذعروا و دخلنا أمر عظيم من إبطائه.

فلما كان من الغد أتي الدار و دخل إلي العيال و قصد إلي ام أحمد فقال لها: هاتي الذي أودعك أبي فصرخت و لطمت وجهها و شقت جيبها و قالت: مات و الله سيدي فكفها و قال لها: لا تكلمي بشيء و لا تظهريه حتي يجئ الخبر إلي الوالي، فأخرجت إليه سفطا و ألفي دينار أو أربعة آلاف دينار فدفعت ذلك أجمع إليه دون غيره.

و قالت: إنه قال لي فيما بيني و بينه و كانت أثيرة عنده احتفظي بهذه الوديعة عندك لا تطلعي عليها أحدا حتي أموت، فإذا مضيت فمن أتاك من ولدي



[ صفحه 247]



فطلبها منك فادفعيها إليه و اعلمي أني قدمت، و قد جائتني و الله علامة سيدي.

فقبض ذلك منها و أمرهم بالامساك جميعا إلي أن ورد الخبر و انصرف فلم يعد بشيء من المبيت كما كان يفعل، فما لبثنا إلا أياما يسيرة حتي جائت الخريطة بنعيه فعددنا الايام و تفقدنا الوقت، فإذا هو قد مات في الوقت الذي فعل أبو الحسن عليه السلام ما فعل من تخلفه عن المبيت و قبضه لما قبض [82] .

54 كا: الحسين بن محمد، عن المعلي، عن محمد بن جمهور، عن يونس، عن طلحة قال: قلت للرضا عليه السلام: إن الامام لا يغسله إلا الامام؟ فقال: أما تدرون من حضر يغسله، قد حضره خبر ممن غاب عنه، الذين حضروا يوسف في الجب حين غاب عنه أبواه و أهل بيته [83] .

بيان: ظاهرة تقية إما من المخالفين بقرينة الراوي، أو من نواقص العقول من الشيعة وا باطنه حق، إذ كان عليه السلام حاضرا و هو خير من غاب و حضرت الملائكة أيضا.

55 كا: محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن صفوان قال: قلت للرضا عليه السلام: أخبرني عن الامام متي يعلم أنه إمام؟ حين يبلغه أن صاحبه قد مضي أو حين يمضي؟ مثل أبي الحسن عليه السلام قبض ببغداد و أنت ههنا؟ قال: يعلم ذلك حين يمضي صاحبه، قلت: بأي شيء؟ قال: يلهمه الله [84] .

56 عيون المعجزات: في كتاب الوصايا لابي الحسن علي بن محمد بن زياد الصيمري و روي من جهات صحيحة أن السندي بن شاهك حضر بعد ما كان بين يديه السم في الرطب و أنه عليه السلام أكل منها عشر رطبات، فقال له السندي: تزداد؟ فقال عليه السلام له: حسبك قد بلغت ما يحتاج إليه فيما أمرت به، ثم إنه أحضر القضاة



[ صفحه 248]



و العدول قبل وفاته بأيام و أخرجه إليهم و قال: إن الناس يقولون: إن أبا الحسن موسي في ضنك وضر، و ها هو ذا لا علة به و لا مرض و لا ضر.

فالتفت عليه السلام فقال لهم: اشهدوا علي أني مقتول بالسم، منذ ثلاثة أيام اشهدوا أني صحيح الظاهر لكني مسموم، و سأحمر في آخر هذا اليوم حمرة شديدة منكرة، و أصفر غدا صفرة شديدة، و أبيض بعد غد و أمضي إلي رحمة الله و رضوانه فمضي عليه السلام كما قال في آخر اليوم الثالث في سنة ثلاث و ثمانين و مائة من الهجرة و كان سنه عليه السلام أربعا و خمسين سنة، أقام منها مع أبي عبد الله عليه السلام عشرين سنة، و منفردا بالامامة أربعا و ثلاثين سنة [85] .

57 عمدة الطالب: كان موسي الكاظم عليه السلام أسود اللون، عظيم الفضل رابط الجأش، واسع العطاء، و كان يضرب المثل بصرار موسي، و كان أهله يقولون عجبا لمن جاءته صرة موسي فشكا القلة، قبض عليه موسي الهادي و حبسه فرأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في نومه يقول يا موسي " هل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض و تقطعوا أرحامكم " [86] فانتبه من نومه، و قد عرف أنه المراد، فأمر بإطلاقه، ثم تنكر له من بعد، فهلك قبل أن يوصل إلي الكاظم عليه السلام أذي.

و لما ولي هارون الرشيد الخلافة أكرمه و عظمه ثم قبض عليه و حبسه عند الفضل بن يحيي، ثم أخرجه من عنده فسلمه إلي السندي بن شاهك، و مضي الرشيد إلي الشام فأمر يحيي بن خالد السندي بقتله، فقيل: إنه سم، و قيل: بل لف في بساط و غمز حتي مات، ثم أخرج للناس و عمل محضرا بأنه مات حتف أنفه و تركه ثلاثة أيام علي الطريق يأتي من يأتي فينظر إليه ثم يكتب في المحضر [87] .



[ صفحه 249]



أقول: رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا: روي أن الرشيد لعنه الله لما أراد أن يقتل الامام موسي بن جعفر عليه السلام عرض قتله علي سائر جنده و فرسانه فلم يقبله أحد منهم، فأرسل إلي عماله في بلاد الافرنج يقول لهم: التمسوا لي قوما لا يعرفون الله و رسوله فإني أريد أن أستعين بهم علي أمر، فأرسلوا إليه قوما لا يعرفون من الاسلام و لا من لغة العرب شيئا، و كانوا خمسين رجلا، فلما دخلوا إليه أكرمهم و سألهم من ربكم؟ و من نبيكم؟ فقالوا: لا نعرف لنا ربا و لا نبيا أبدا فأدخلهم البيت الذي فيه الامام عليه السلام ليقتلوه، و الرشيد ينظر إليهم من روزنة البيت، فلما رأوه رموا أسلحتهم و ارتعدت فرائصهم و خروا سجدا يبكون رحمة له، فجعل الامام يمر يده علي رؤوسهم و يخاطبهم بلغتهم و هم يبكون، فلما رأي الرشيد خشي الفتنة و صاح بوزيره أخرجهم و هم يمشون القهقري إجلالا له، و ركبوا خيولهم و مضوا نحو بلادهم من استيذان.

85 كا: محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن البزنطي، عن الرضا عليه السلام قال في حديث طويل فلو لا أن الله يدافع عن أوليائه و ينتقم لاوليائه من أعدائه أما رأيت ما صنع الله بآل برمك و ما انتقم الله لابي الحسن عليه السلام، و قد كان بنو الاشعث علي خطر عظيم فدفع الله عنهم بولايتهم لابي الحسن عليه السلام [88] .

بيان: جزاء الشرط في قوله " فلو لا أن الله " محذوف أي لاستؤصلوا و نحوه.



[ صفحه 250]




پاورقي

[1] مصباح المتهجد ص 566.

[2] الكافي ج 1 ص 476 بزيادة في آخره.

[3] نفس المصدر ج 1 ص 486.

[4] روضة الواعظين ص 264 بأدني تفاوت.

[5] الاقبال ص 169.

[6] الدورس للشهيد ص 155 طبع ايران سنة 1269.

[7] عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 69.

[8] القاموس ج 1 ص 560.

[9] النهاية ج 4 ص 75.

[10] عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 72.

[11] نفس المصدر ج 1 ص 106 بتفاوت.

[12] أمالي الصدوق ص 146.

[13] عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 96.

[14] أمالي الصدوق ص 149.

[15] قرب الاسناد ص 192.

[16] غيبة الشيخ الطوسي ص 26 بتفاوت.

[17] عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 73.

[18] سورة الانبياء الاية: 111.

[19] عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 73.

[20] الاختصاص ص 59.

[21] نسخة في هامش مطبوعة الكمباني " هسارين " هصارين ".

[22] عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 76.

[23] هو الدعاء المعروف بالجوشن الصغير.

[24] عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 79.

[25] أمالي الطوسي ص 268.

[26] أمالي الصدوق ص 376.

[27] الصحاح ج 1 ص 169.

[28] عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 93.

[29] أمالي الصدوق ص 377.

[30] أمالي الطوسي ص 269.

[31] المناقب ج 3 ص 422.

[32] عيون اخبار الرضا " ع " ج 1 ص 95.

[33] القيلولة: هي النوم في الظهيرة، أو هي الاستراحة في الظهيرة و ان لم يكن معها نوم.

[34] عيون اخبار الرضا " ع " ج 1 ص 85.

[35] عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 100.

[36] كمال الدين و تمام النعمة ج 1 ص 117.

[37] عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 97.

[38] نفس المصدر ج 1 ص 99.

[39] كمال الدين ج 1 ص 118.

[40] عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 99.

[41] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 104.

[42] كمال الدين و تمام النعمة ج 1 ص 119.

[43] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 105.

[44] الميل: منار يبني للمسافر في أنشاز الارض يهتدي به و يدرك المسافة.

[45] القطار: من الابل، قطعة منها يلي بعضها بعضا علي نسق واحد.

[46] قرب الاسناد ص 190.

[47] كشف الغمة ج 3 ص 41.

[48] قرب الاسناد ص 192.

[49] غيبة الطوسي ص 20.

[50] نفس المصدر ص 21.

[51] المناقب ج 3 ص 408 بدون الذيل.

[52] الرقة: مدينة من نواحي قوهستان.

[53] جاثاه: جلس ازاءه، بحيث تصير ركبتا أحدهما ملاصقتين لركبتي الاخر.

[54] غيبة الطوسي ص 21 و فيها في نسخة " البشيرة " مكان اليسيرة، كما فيه " الهشيم " بدل " الهيثم " و أظنه تصحيفا.

[55] زحر: أخرج الصوت أو النفس بأنين عند عمل أو شدة.

[56] الحشوة: بكسر الحاء و ضمها: من البطن الامعاء.

[57] الطهرة، بالضم النقاء.

و المراد به في المقام المال النقي من كل شبهة و شائبة.

[58] غيبة الطوسي ص 22.

[59] الارشاد ص 319.

[60] بصائر الدرجات ج 9 باب 11 ص 137.

[61] بصائر الدرجات ج 9 باب 11 ص 137.

[62] مختصر بصائر الدرجات ص 6 طبع النجف الاشرف بالمطبعة الحيدرية.

[63] بصائر الدرجات ج 10 باب 9 ص 141.

[64] مختصر بصائر الدرجات ص 7.

[65] بصائر الدرجات ج 10 باب 9 ص 141.

[66] غيبة الشيخ الطوسي ص 37.

[67] الارشاد ص 307.

[68] كذا في الاصل و المناقب و لعل الصواب " و خرج " بقرينة قوله: مبادرا.

[69] سورة النمل الاية: 36.

[70] المناقب ج 3 ص 414.

[71] نفس المصدر ج 3 ص 438.

[72] رجال الكشي ص 170.

[73] الكافي ج 8 ص 124.

[74] رجال الكشي ص 274.

[75] نفس المصدر ص 371 ذيل ذيل حديث.

[76] حرش بين القوم: إذا أغري بعضهم ببعض.

[77] في الكافي: و لا تحصن بحصن رياء.

[78] الجحفل كجعفر: الجيش الكثير الكبير.

[79] الكافي ج 8 ص 124 بتفاوت.

[80] الدعاء المذكور هو " يا سابغ النعم، يا دافع النقم يا باري النسم، يا مجلي الهمم، يا مغشي الظلم، يا كاشف الضر و الا لم، يا ذا الجود و الكرم، و يا سامع كل صوت و يا مدك كل فوت، و يا محيي العظام و هي رميم و منشئها بعد الموت، صل علي محمد و آل محمد و اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا يا ذا الجلال و الاكرام ".

كما في مهج الدعوات ص 247.

[81] مهج الدعوات ص 245.

[82] الكافي ج 1 ص 381.

[83] نفس المصدر ج 1 ص 385.

[84] المصدر السابق ج 1 ص 381.

[85] عيون المعجزات ص 95.

[86] سورة محمد الاية: 22.

[87] عمدة الطالب ص 185 بتفاوت يسير.

طبعة النجف الاولي.

[88] لقد فحصنا عن الحديث في مظانه فلم نعثر عليه في الكافي، و لعل القاري يعثر عليه.