بازگشت

العقل و قيمته العلمية و السلوكية عند الامام


للعقل قيمته و أهميته و مقامه العظيم في الاسلام. فبه يعرف الله سبحانه و تعالي و تدرك عظمته، و به تكتشف العلوم و المعارف، و ترتقي صورة الحياة الانسانية، و به يسلك الانسان طريق الهدي و يميز الخير من الشر، و به تكتمل انسانية الانسان و قيمته. لذا فقد أولي الاسلام العقل أهمية كبيرة، فاحترم العقل و العقلاء و عظم العلم و العلماء و أوجب التفكير، و أوصي بتحريك العقل و اعماله و فتح الآفاق - آفاق البحث و التفكير و الابداع الملتزم أمامه -.

و الامام موسي بن جعفر (ع) عندما يصف العقل و يتحدث عن قيمته و أهميته، انما يتحدث بلسان القرآن و يثبت رأي الاسلام. و تعتبر هذه الوصية التي أوصي بها الامام هشام بن الحكم - أحد تلامذته - من أجل الوصايا و التعريفات التي وردت في العقل و قيمته و مسئوليته.



[ صفحه 53]



و ها نحن نذكر هذه الوصية الجليلة، و الأفكار العلمية الثمينة. و نظرا لطولها فانا نقتبس بعضا من نصوصها، و نزين هذا الكتاب بجمال لآلئها.

قال (ع):

(ان الله تبارك و تعالي بشر أهل العقول و الفهم في كتابه بقوله: «فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اولئك الذين هداهم الله و اولئك هم اولوا الألباب».

يا هشام: ان الله عزوجل أكمل الناس الحجج بالعقول، و أقضي اليهم بالبيان، و دلهم علي ربوبيته بالادلاء.

يا هشام: ثم بين أن العقل مع العلم، فقال: «و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها الا العالمون».

يا هشام: ان الله يقول: «و لقد آتينا لقمان الحكمة»، قال: الفهم و العقل.

يا هشام: ان لقمان قال لابنه (تواضع للحق تكن أعقل الناس، و ان الكيس لدي الحق يسير. يا بني ان الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوي الله، و حشوها الايمان، و شراعها التوكل، و قيمها العقل، و دليلها العلم، و سكانها الصبر.

يا هشام: لكل شي ء دليل، و دليل العاقل التفكر، و دليل التفكر الصمت، و لكل شي ء مطية، و مطية العاقل التواضع، و كفي بك جهلا أن



[ صفحه 54]



تركب ما نهيت عنه. [1] .

يا هشام: ان لله علي الناس حجتين: حجة ظاهرة، و حجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة، و أما الباطنة فالعقول.

يا هشام: من هدم عقله أفسد عليه دينه و دنياه.

يا هشام: نصب الخلق لطاعة الله، و لا نجاة الا بالطاعة و الطاعة بالعلم، و العلم بالتعلم، و التعلم بالعلم يعتقد، و لا علم الا من عالم رباني، و معرفة العالم بالعقل.

يا هشام: ان العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا.

يا هشام: كان أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يقول: (ما من شي ء عبدالله به أفضل من العقل).

يا هشام: ان أميرالمؤمنين كان يقول: (لا يجلس في صدر المجلس [2] الا رجل فيه ثلاث خصال: يجيب اذا سئل، و ينطق اذا عجز القوم عن الكلام، و يشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه شي ء منهن فجلس فهو أحمق).

و قال الحسن بن علي (ع): (اذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها). قيل: يابن رسول الله، و من أهلها؟. قال: (الذين قص الله في كتابه ذكرهم،



[ صفحه 55]



فقال: «انما يتذكر اولوا الألباب» - قال: هم اولوا العقول).

و قال علي بن الحسين (ع): (مجالسة الصالحين داعية الي الصلاح، و أدب العلماء زيادة في العقل، و طاعة ولاة العدل تمام العز، و استثمار المال تمام المروءة، و ارشاد المستشير قضاء لحق النعمة، و كف الأذي من كمال العقل، و فيه راحة البدن عاجلا و آجلا).

يا هشام: ان العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، و لا يسأل من يخاف منعه، و لا يعد ما لا يقدر عليه، و لا يرجو ما يعنف برجائه، و لا يتقدم علي ما يخاف العجز عنه، و كان أميرالمؤمنين (ع) يوصي أصحابه و يقول: (اوصيكم بالخشية من الله في السر و العلن، و العدل في الرضي و الغضب، و الاكتساب في الفقر و الغني، و أن تصلوا من قطعكم، و تعفوا عمن ظلمكم، و تعطفوا علي من حرمكم، و ليكن نظركم [3] عبرا، و صمتكم فكرا، و قولكم ذكرا، و طبيعتكم السخاء فانه لا يدخل الجنة بخيل، و لا يدخل النار سخي) [4] .

يا هشام: أفضل ما يتقرب به العبد الي الله بعد المعرفة به الصلاة و بر الوالدين، و ترك الحسد و العجب و الفخر.

يا هشام: ان المسيح قال للحواريين: (ان الناس في الحكمة رجلان:



[ صفحه 56]



فرجل أتقنها بقوله و صدقها بفعله، و رجل أتقنها بقوله و ضيعها بسوء فعله، فشتان بينهما، فطوبي للعلماء بالفعل، و ويل للعلماء بالقول... اجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوي، و لا تجعلوا قلوبكم مأوي للشهوات، ان أجزعكم عند البلاء لأشدكم حبا للدنيا، و ان أصبركم علي البلاء لأزهدكم في الدنيا... و ما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم و قلوبكم دنسة.

لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب، و يمسك النخالة، كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم، و يبقي الغل في صدوركم. يا عبيد الدنيا: ان مثلكم مثل السراج يضي ء للناس و يحرق نفسه، يا بني اسرائيل: زاحموا العلماء في مجالسهم و لو جثوا علي الركب، فان الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر).

يا هشام: بئس العبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين، يطري أخاه اذا شاهده، و يأكله اذا غاب عنه، ان اعطي حسده، و ان ابتلي خذله... ان أسرع الخير ثواب البر، و أسرع الشر عقوبة البغي، و ان شر عبادالله من تكره مجالسته لفحشه، و هل يكب الناس علي مناخرهم في النار الا حصائد ألسنتهم، و من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

يا هشام: اياك و التكبر، فانه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، الكبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار علي وجهه... و من تواضع لله رفعه.

يا هشام: ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فان عمل حسنا



[ صفحه 57]



استزاد منه، و ان عمل سيئا استغفرالله منه و تاب اليه... و عليك بالاعتصام بربك و التوكل عليه، و جاهد نفسك لتردها عن هواها...) [5] .

هذه اضمامة زهر من رياض معارفة المونقة، تفوح بشذي العلم، و تعبق بعطر الاخلاص، و تزهر بجمال العبادة و الربانية... انها رياض النبوة... و عبق القرآن، و أزاهير الاسلام المؤتلقة، هدي و معارف في نفسه النقية الصافية.. فحري بنا و نحن نقف في كتابنا هذا علي باب روضه الندي، و نحلق في آفاقه الواسعة الرحبة أن نقتبس من نور علمه، و نستضي ء بمعالم هديه كي لا تضل المسيرة أو تضطرب الرؤية، فهذا الذي بين أيدينا تراث و ثروة فكرية و حضارية فذة تساهم في بناء الانسان و تصحيح مساره، ثروة ليس لامة و شعب مثلها... فنحن عندما نقف علي هذه المناجم و الكنوز الفكرية و التربوية الغنية علينا أن نستثمرها و نوظف ثروتها في تغيير الحياة الاجتماعية، و بناء الحضارة الاسلامية، و تربية الانسان المؤمن الملتزم. و ليس في دنيا الاسلام من لهم حق تصميم صورة الانسان و الحياة، أو تخطيط معالمها و هندسة هيكلها كالأئمة الهداة من أهل بيت النبوة، بما تفردت به شخصياتهم من صفاء النفس، و طهارة الوجدان، و استقامة السلوك، و تكامل العقل الشرعي، و نضج الوعي العلمي للحياة، و عمق الحس الرباني لديهم،



[ صفحه 58]



و تلق كامل للشريعة ابنا عن أب عن جد عن رسول الله عن لسان الوحي الأمين. فبهم يقتدي المؤمن، و علي هداهم يسير رائد الاصلاح و التغيير، و بمنهجهم يستمسك السالكون الي الله طريق القرب منه و الوصول اليه.


پاورقي

[1] يعني ما نهاك الله عنه.

[2] لا يجلس في صدر المجلس: لا يترأس الاجتماع و لا الجماعة.

[3] نظركم: تفكركم.

[4] لا يكون ذلك الا مع الايمان.

[5] الحراني: المصدر السابق / ص 283 /ط 5.