بازگشت

الامام و محمد المهدي


انتهي عهد أبي جعفر المنصور الخليفة الذي عرفت الرعية منه الشح و البخل و القسوة و الارهاب و مصادرة الأموال و سفك الدماء و كبت الحريات و خنق الأنفاس، فاستقبل الناس الخبر بالارتياح، و أحسوا بطوق الارهاب قد فك عن رقابهم، الا أن الوجوم و الخوف من اتجاه السياسة العباسية بصورة عامة لم يزل مخيما عليهم، و الترقب و الانتظار لسياسة الخليفة الجديد قد اتخذ طريقه الي النفوس. و كان طبيعيا أن يلي الخلافة من بعده - وفق نظام الوراثة العباسي - ولده محمد المسمي بالمهدي. و كان المهدي يحس بالسياسة المجحفة الظالمة التي انتهجها أبوه، فحاول أن يخفف عن كاهل الرعية في مطلع خلافته، فاطلق سراح السجناء ورد الأموال المصادرة الي أهلها،



[ صفحه 73]



فشمل هذا القرار الطالبيين، فأخرجهم من السجون ورد أموالهم. [1] .

و كان من جملة ما شمله القرار أموال الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) المصادرة فردها الي ولده الامام موسي بن جعفر.

و كانت هذه الفترة التي دامت من الثالث من ذي الحجة سنة 158 ه حتي 22 محرم سنة 169 ه [2] تعتبر من أيسر فترات الحكم العباسي بالنسبة للامام و للطالبيين، الا أن المهدي لم يدعه هاجس الخوف من شخصية الامام موسي بن جعفر و قوة تأثيره، و لم يفرغ قلب المهدي من كراهية الطالبيين، و الخوف من ثورتهم و التفاف جماهير الامة و وجهاؤها من حولهم. فتعرض للامام الكاظم و طلب من واليه علي المدينة أن يبلغ الامام موسي بن جعفر للحضور الي بغداد للمحاكمة و السجن. و كان ما أراد المهدي، فقد توجه الوالي بالطلب الي الامام، و طلب منه أن يتوجه الي بغداد للحضور أمام المهدي العباسي، فشد الامام رحال السفر، وراح يطوي الفيافي و البيد مظلوما محتسبا، فسار ركب الامام، و سارت معه قلوب شيعته و أتباعه خائفة وجلة الا أنه كان مطمئنا الي أن يد المهدي العباسي سوف لن تصل اليه بسوء، فأكد ذلك لأحد خواصه و مريديه.

وصل الامام بغداد عاصمة الخلافة العباسية فأمر المهدي



[ صفحه 74]



بالقبض عليه، و زجه في السجن، و لكن عناية الله أكبر من كيد الظالمين، و حراسته لأوليائه أغلب من قوة الطغاة و وسائل تسلطهم.

لقد حدثت كرامة غيبية للامام موسي بن جعفر (ع)، فقد رأي المهدي بعد سجنه للامام، رأي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في المنام، و هو يقول له:

(يا محمد «هل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم»). ففزع المهدي و قام من نومه مذعورا فاستدعي حاجبه الربيع و أمره باطلاق سراح الامام (ع).

و هكذا خرج الامام من السجن و عاد الي مدينة جده رسول الله (ص) ليواصل مهام الامامة و مسئولياتها العلمية و التوجيهية.


پاورقي

[1] أحمد بن أبي يعقوب: المصدر السابق / وفاة المنصور و المهدي.

[2] أحمد بن أبي يعقوب: المصدر السابق / ص 394.