بازگشت

فخ نجم في سماء التاريخ


لمعت في سماء التاريخ الاسلامي و آفاقه أماكن و أحداث و شخصيات و نزفت من قلب هذه الامة و شريان عنفها دماء طاهرة سقت شجرة الايمان، و خطت فصول المجد و الجهاد بأحرف مضيئة و بعناوين لامعة.

و من هذه الأماكن و الأحداث و الشخصيات و الدماء أرض فخ و وقعتها الكبري، و قائدها العلوي الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن أبي طالب، و الكوكبة النيرة من طلائع آل أبي طالب... فكانت فخ حقا نجما في سماء التاريخ، كما كانت كربلاء و بدر و أمثالها من قبل نجوما في سماء المجد و الجهاد.



[ صفحه 76]



ان الذي يقف علي وقعة فخ و مأساتها و أهميتها التاريخية و الحركية يدرك أنها تكرار لواقعة كربلاء و صدي لصوت الحسين السبط الشهيد، حتي أن الذي يقرأ تقريع زينب لأهل الكوفة، و يصغي الي لوعتها و شكواها، لا يشك أن كربلاء تكررت في فخ، و أن مأساة أهل البيت تجددت في هذه الأرض الطاهرة. فزينب بنت الامام علي بن أبي طالب بنت فاطمة بنت رسول الله (ص) بالأمس تخاطب أهل الكوفة بعد أن شهدت المأساة و وقفت علي مصارع أهل البيت و قتلاهم:

(... ويلكم، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟ و أي كريمة له أبرزتم؟ و أي دم له سفكتم؟ و أي حرمة له انتهكتم؟).

و يعيد التاريخ نفسه فيحدثنا أن زينب بنت عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ام الحسين بن علي صاحب ثورة فخ الشهيرة تعيش المأساة نفسها، و تعاني اللوعة ذاتها، تلك المرأة العابدة التي قتل أبوجعفر المنصور أباها و أخاها و عمومتها و بنيهم و زوجها، فكانت تلبس المسوح و لا تجعل بين جسدها و بينها شفارا حتي لحقت بالله عزوجل. و كانت تندبهم و تبكي حتي يغشي عليها، و لا تذكر أباجعفر بسوء تحرجا من ذلك و كراهة لأن تشفي نفسها بما يؤثمها و لا تزيد علي أن تقول:

(يا فاطر السماوات و الأرض، يا عالم الغيب و الشهادة، الحاكم بين



[ صفحه 77]



عباده احكم بيننا و بين قومنا بالحق و أنت خير الحاكمين). [1] .

(و كانت زينب ترقص الحسين و هو صغير و أخاه الحسن و تقول:



تعلم يابن زينب و هند

كم لك بالبطحاء من معد

من خال صدق ماجد وجد) [2] .

فيأتي دور الحسين ولدها العلوي الثائر ليقتفي أثر الحسين، و يحمل راية الجهاد و الشهادة فيراق دمه الطاهر و يفجع به رسول الله (ص)، كما فجع من قبل في كربلاء و لقد كانت هاتان الواقعتان (فخ، و كربلاء) عظيمتين علي نفس رسول الله و أهل بيته، و كان قد أنبأ عنهما و بكي ألما و لوعة لما يجري علي أهل بيته فيهما.

فقد ذكر الشيخ أبوالحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي في كتابه (أعلام النبوة) صفحة (83) طبع مصر قال:

(و من انذاره (ص) ما رواه عروة عن عائشة قال: دخل الحسين بن علي (ع) علي رسول الله (ص) و هو يوحي اليه، فبرك علي ظهره و هو منكب، و لعب علي ظهره، فقال جبرئيل: يا محمد ان امتك ستفتن بعدك و يقتل ابنك هذا من بعدك. و مد يده فأتاه بتربة بيضاء و قال: في هذه الأرض يقتل ابنك، اسمها الطف. فلما ذهب جبرئيل خرج رسول الله (ص) الي أصحابه و التربة في يده، و فيهم أبوبكر و عمر و علي



[ صفحه 78]



و حذيفة و عمار و أبوذر و هو يبكي، فقالوا، ما يبكيك يا رسول الله (ص)؟ فقال: أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، و جاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه). [3] .

و كما أخبر رسول الله (ص) عن كربلاء أخبر كذلك عن وقعة فخ، فقد روي عن طريق سلسلة من الرواة عن أبي جعفر محمد الباقر بن علي (ع) قال:

(مر النبي (ص) بفخ فنزل فصلي ركعتين، فلما صلي الثانية بكي و هو في الصلاة، فلما رأي الناس النبي (ص) يبكي بكوا، فلما انصرف قال: ما يبكيكم؟ قالوا: لما رأيناك تبكي بكينا، يا رسول الله. قال: نزل علي جبرئيل لما صليت الركعة الاولي فقال: يا محمد ان رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان و أجر الشهيد معه أجر شهيدين.). [4] .

و توقف الامام جعفر بن محمد الصادق في أرض فخ في احدي سفراته من المدينة الي مكة فنزل فيها و صلي، ثم سأله النضر بن قرواش صاحب الجمال المكراة للسفر: (جعلت فداك رأيتك قد صنعت شيئا، أفهو من مناسك الحج؟ قال: لا، و لكن يقتل هاهنا رجل من



[ صفحه 79]



أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم الي الجنة). [5] .

و روي زيد بن علي بن الحسين أن رسول الله (ص) صلي في فخ و قال:

(يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين، و ينزل لهم بأكفان و حنوط من الجنة، تسبق أرواحهم أجسادهم الي الجنة). [6] .

و اذا كان وقع هذه المأساة عظيما علي نفس رسول الله (ص) و مروعا لأهل البيت (ع) الذين لم يشهدوا هذه الواقعة، فكيف بعميد أهل البيت و امام المسلمين موسي بن جعفر الكاظم (ع) الذي عاصر المأساة، و عايش المحنة و تحمل آثارها و تبعاتها السياسية و الرسالية، تلك المأساة التي وصفها الامام محمد الجواد (ع) حفيد الامام الكاظم بقوله:

(لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ). [7] .

لقد تحدث التاريخ عن أن موسي الهادي الخليفة العباسي الذي وقعت الثورة أيام خلافته، عكس... هذه الثورة العلوية و نتائجها علي الامام موسي و من نجا من آل أبي طالب من مذابح بني العباس المروعة،



[ صفحه 80]



فتحملها الامام بقلبه الكبير و صبره المديد و عزمه الذي لا يلين، و هكذا يكون القائد المسلم أقوي من المحنة، و أكبر من عقبات الصراع، و أثبت من الخصم ليستطيع مواصلة السير، و تحمل أعباء القيادة، و اجتياز الظروف الصعبة و ساعات العسرة الشاقة. و لم يحدث التاريخ عن أئمة أهل البيت الابتلك الصفات الفذة و الخصال القيادية الرائعة.

و صدق رسول الله (ص) الأمين بقوله:

(نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد).


پاورقي

[1] أبوالفرج الأصفهاني: المصدر السابق / ص 431.

[2] أبوالفرج الأصفهاني: المصدر السابق.

[3] السيد صالح الشهرستاني: تاريخ النياحة علي الامام الشهيد الحسين بن علي / ص 6 / ج 2.

[4] أبوالفرج الأصفهاني: المصدر السابق / ص 436.

[5] أبوالفرج الأصفهاني: المصدر السابق.

[6] أبوالفرج الأصفهاني: المصدر السابق / ص 437.

[7] العلامة المجلسي: المصدر السابق / ص 165 / ج 48.