بازگشت

الدم و الشهادة في ثورة فخ الخالدة


لقد كان الخليفة العباسي موسي الهادي يخشي ثورة أهل البيت و يخاف قيادتهم و التفاف الامة من حولهم، و يخشي بشكل خاص قيادة الامام موسي بن جعفر (ع) و امامته. و قد تأكد خوفه و ارتعدت فرائصه من ثورات العلويين و مواقفهم البطولية المجيدة عندما قاد الثائر العلوي أبو عبدالله الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) الثورة، و حدثت علي يده وقعة فخ الشهيرة، فلم يكن يشك أن المحرك و الموجه و المخطط و المؤيد لهذه الثورة غير عميد أهل البيت و امامهم البارز موسي بن جعفر (ع). فأهل البيت لم يجف لهم دم الا و سال لهم دم طاهر جديد، و لم يغب لهم نجم الا و سطع في افق الجهاد لهم نجم لامع، و لم تخب لهم دعوة الا و ظهرت لهم علي



[ صفحه 81]



مسرح التاريخ دعوة جديدة فهم دم الاسلام، و قلب الامة و عقلها الواعي الرشيد.و لقد كانوا القوة الدافعة واليد المحركة لتاريخ الجهاد و المعارضة، و الاصلاح و التغيير، لسان الحق الناطق باسم المظلومين و المستضعفين، و سيف العدل المشهور علي رؤوس الطغاة و الظالمين.

لقد ثار العلوي الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن أبي طالب و أعلن الثورة في شهر ذي القعدة عام 169 ه في المدينة المنورة من جوار قبر رسول الله (ص) ضد الحكم العباسي أيام الهادي بن المهدي، و فشلت ثورته و قتل في فخ علي مقربة من مكة المكرمة.

و لعل هذه الثورة هي من أبرز ثورات أهل البيت و أكثرها لوعة و فجيعة بعد ثورة كربلاء التي قادها و استشهد فيها الامام السبط الحسين بن علي الشهيد (ع)، فقد كان لهذه الثورة و لرجالها مقام عظيم في نفوس أهل البيت (ع)، و هي من الأحداث التاريخية الكبري التي أخبر عنها رسول الله (ص) و أهل البيت (ع).

لقد وقعت هذه الثورة الاسلامية الرائدة بقيادة الثائر العلوي الحسين بن علي أيام الامام موسي الكاظم (ع) و لقد كان وقعها عظيما علي نفسه، و نتائجها و مردوداتها السياسية كبيرة علي شخص الامام و كيان الامة. فقد روع أهل البيت في هذه الكارثة و لا قوا صنوف الأذي و الظلم و الاضطهاد. و قد كان عالما بنتائجها. عارفا بمصير الثورة بما



[ صفحه 82]



روي عن آبائه و أجداده من أخبار و روايات، الا أن الحسين أصر علي موقفه، و قرر المضي بثورته، فلم يكن ليستوعب و يدرك رؤية الامام موسي بن جعفر و موقفه، و لم يكن صبره يحتمل ما وقع علي أهل هذا البيت من العنت و الظلم و الاضطهاد. و عندما رأي الامام موسي بن جعفر (ع) اصرار الحسين بن علي و قراره في المضي، نعاه و قال له قول المودع الذي لا يرجو لقاءه أبدا حين رآه عازما علي المسير الي مكة:

(انك مقتول فأحد الضراب، فان القوم فساق يظهرون ايمانا، و يضمرون نفاقا و شركا، فانا لله و انا اليه راجعون، و عندالله أحتسبكم من عصبة). [1] .

و قد حدثنا التاريخ عن أسباب هذه الثورة البطولية و نتائجها المفجعة المروعة، فركزها فيما يأتي:

(كان سبب خروج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أن موسي الهادي (الخليفة العباسي) ولي المدينة اسحاق بن عيسي بن علي، فاستخلف عليها رجلا يعرف: (عبدالعزيز بن عبدالله العمري) [2] ، فحمل علي الطالبيين و أساء اليهم،



[ صفحه 83]



و أفرط في التحامل عليهم، و طالبهم بالعرض كل يوم، و كانوا يعرضون في المقصورة، و أخذ كل واحد منهم بكفالة قرينه و نسيبه فضمن الحسين بن علي، و يحيي بن عبدالله بن الحسن، الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن، و وافي أوائل الحج، و قدم مع الشيعة نحو من سبعين رجلا، فنزلوا دار ابن أفلح بالبقيع و أقاموا بها، و لقوا حسينا و غيره، فبلغ ذلك العمري فأنكره، و كان قد أخذ قبل ذلك الحسن بن محمد بن عبدالله، و ابن جندب الهذلي الشاعر، و مولي لعمر بن الخطاب [3] و هم مجتمعون، فأشاع أنه وجدهم علي شراب، فضرب الحسن ثمانين سوطا، و ضرب ابن جندب خمسة عشر سوطا، و ضرب مولي عمر سبعة أسواط، و أمر بأن يداربهم في المدينة، مكشفي الظهور ليفضحهم...). [4] .

الا أنه كف عن ذلك و تراجع، و لكنه أخذ علي اثر ذلك يضيق علي الطالبيين و يشدد عليهم و ولي عليهم أبابكر بن عيسي الحائك، فأساء لهم و ضيق عليهم كثيرا حتي حبسهم يوم جمعة في المسجد الي ما قبيل صلاة الجمعة، و لم يدع لهم من الوقت الا ما يكفي للوضوء فلما أنهوا الصلاة، عاد فحبسهم في المقصورة الي العصر، ثم عرضهم



[ صفحه 84]



فطلب الحسن بن محمد و قد تغيب ثلاثة أيام عن الحضور أمام أبي بكر بن عيسي، و قد كان علي بن الحسين و يحيي بن عبدالله قد تكفلا الحسن فلم يجده في الحاضرين، فتوجه بالقول ليحيي و الحسين لتأتيان به أو لأحبسنكما، فاشتبك معه يحيي برد عنيف و شتمه، ثم نقل ابن الحائك هذا الموقف الي العمري، فدعا يحيي و الحسين فوبخهما و تهددهما فتضاحك الحسين في وجهه ثم جري بينه و بين العمري كلام، فقال يحيي للعمري: سآتيك بالحسن بن محمد، و سأحضره ان وجدته، أو أضرب عليك بابك حتي تعلم أني قد جئتك. فاستغرب الحسين: و كيف تحضره؟ قال يحيي: ما قصدت تسليمه اليه و لكن قصدت أن أضرب عليه بابه و معي السيف، ان قدرت عليه قتلته. فأخبر الحسين الحسن بن محمد بالحدث و قال له: قد بلغك ما كان بيننا و بين هذا الفاسق، فامض حيث أحببت. فرفض الحسن و قال: بل أجي ء الساعة حتي أضع يدي بيده، فرفض الحسين ذلك و قال للحسن: سآتيك بنفسي لعل الله يقيني من النار.

ثم دعا الحسين بني هاشم و أتباعه و مواليه، فاجتمع ستة و عشرون رجلا من آل أبي طالب، و عشرة من الحاج، و نفر من الموالي، فلما أذن الصبح دخلوا المسجد و طلب عبدالله بن الحسن الأفطس من المؤذن أن يذكر في الأذان (حي علي خير العمل)، كما كانت علي عهد رسول الله (ص)، فخاف المؤذن و أذن بها، فعرف العمري أن ثورة



[ صفحه 85]



علوية قد اعلنت، فاضطرب و خاف، و فقد سيطرته علي نفسه، فأخذ يطلق العبارات بلا وعي وراح يصيح، و هوا في داره: (أغلقوا البغلة الباب، و أطعموني حبتي ماء). و ذهبت هذه العبارات المعبرة عن جبنه و رعديديته عارا عليه، فسمي الناس ولده - (بني حبتي ماء). ثم نفذ العلويون وعدهم و اقتحموا - كما قرروا - دار العمري، و لكنه هرب و نجا من أيدي الثوار.

أما الثائر الحسين بن علي فقد صلي بالناس و خطب بعد فراغه من الصلاة، و سيطر الحسين علي المدينة و كان ذلك في عام 169 من ذي القعدة ثم خرج قاصدا مكة ليحج و يبلغ رسالته، و يدعو الناس بدعوته مستثمرا موسم الحج و توافد الحجيج و معه حوالي (200) رجل من أهل بيته و أتباعه. فلما قربوا من مكة و وصلوا (فخ) [5] ، و وادي بلدح تلقتهم جيوش العباسيين و اشتبكوا معهم في معركة حامية يوم التروية - وقت صلاة الصبح - و نظرا لعدم تكافؤ الجيشين فقد سحق أصحاب الحسين، و انكسر جيشه القليل العدد، و جرح هو، ثم اعطي الأمان فقال: (والله ما لكم أمان، و لكنني أقبل منكم). فلما سلم نفسه بعد أن كسر سيفه، خانوا عهده و نقضوا أمانهم، فقتلوه صبرا.

و انتهت ثورته البطولية بفاجعة مروعة، و تضحية عظيمة استشهد



[ صفحه 86]



فيها أكثر من مائة شهيد من اولئك الثوار الأبطال. فقد ذكر المؤرخون أن الجند احتزت الرؤوس، فكانت مائة و نيفا، ثم حملت و اسر الباقون.


پاورقي

[1] أبوالفرج الأصفهاني: المصدر السابق / ص 447.

[2] في الطبري: (كان اسحاق بن عيسي بن علي علي المدينة، فلما مات المهدي و استخلف موسي شخص اسحاق وافدا الي العراق الي موسي، و استخلف علي المدينة عمر بن عبدالعزيز ابن عبدالله ابن عبدالله بن عمر بن الخطاب، و ذكر الفضل بن اسحاق الهاشمي أن اسحاق بن عيسي بن علي استعفي الهادي و هو علي المدينة و استأذنه في الشخوص الي بغداد فأعفاه و ولي مكانه عمر بن عبدالعزيز...).

[3] في الطبري: (و عمر بن سلام مولي آل عمر)، و هو الصواب.

[4] أبوالفرج الأصفهاني: المصدر السابق / ص 448.

[5] فخ: بئر بينه و بين مكة مسافة فرسخ.