بازگشت

السلطة العباسية تحمل الامام مسئولية فخ


و جي ء بالرؤوس الي موسي و العباس، و عندهما جماعة من ولد الحسن و الحسين، فلم يسألا أحدا منهم الا الامام موسي بن جعفر (ع). فقالا: هذا رأس حسين؟ قال:

(نعم، انا لله و انا اليه راجعون، مضي و الله مسلما صالحا صواما، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله).

و حملت الأسري الي الهادي فأمر بقتلهم. [1] و لم يكتف القتلة بسفك الدم الحرام، و التمثيل بالشهداء و قتل الأسري. و عمد العمري الي هدم الدور و مصادرة الأموال و حرق المزارع.

و قد ذكر المؤرخون:

(فلما بلغ العمري الخبر و هو بالمدينة عمد الي دارالحسين و دور أهله فحرقها و قبض أموالهم و نخلهم فجعلها في الصوافي المقبوضة). [2] .



[ صفحه 87]



و جاء في روايات تاريخية اخري:

(و ثب علي دارالحسين، و دور جماعة من أهل بيته و غيرهم ممن خرج مع الحسين فهدمها و حرق النخيل و قبض ما لم يحرقه، و جعله في الصوافي و المقبوضة). [3] .

و هكذا يفعل الطغاة في كل عصر و جيل مع دعاة الهدي و طلائع الجهاد مندفعين بروح الحقد و الانتقام الي القتل و السلب، و مصادرة الأموال و التشفي الآثم، لذا فقد نقلت رؤوس الشهداء الي الخليفة العباسي موسي الهادي و وضعت بين يديه و هو يغلي حقدا و انتقاما من آل أبي طالب و من عميدهم، و امام المسلمين موسي بن جعفر (ع)، فراح يهدد و يتوعد و يحلف علي قتل الامام موسي بن جعفر (ع)، حيث لم يكن ليفصل بين قيادة و توجيه الامام موسي بن جعفر (ع) و بين هذه الثورة الاسلامية العلوية الكبري التي أعلن عن هويتها قائدها الشهيد و أكد أنها دعوة الي قيادة آل محمد (ص) و الالتزام بكتاب الله و سنة نبيه بقوله:

(ابايعكم علي كتاب الله، و سنة رسول الله، علي أن يطاع الله و لا يعصي، و أدعوكم الي الرضي من آل محمد، و علي أن نعمل فيكم بكتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله، و العدل في الرعية، و القسم بالسوية، و علي



[ صفحه 88]



أن تقيموا معنا، و تجاهدوا عدونا، فان نحن و فينا لكم و فيتم لنا، و ان نحن لم نف لكم بيعة لنا عليكم). [4] .

ان نظرات متأملة في هذه الوثائق التاريخية التي تحكي لنا و تصور طبيعة الأوضاع و الظروف السياسية و الاجتماعية التي مربها المسلمون عموما، و العلويون و أئمتهم و قادتم خصوصا، تعرفنا حقيقة المأساة التي عاشتها هذه الامة و سبب الثورات و الانتفاضات و المعارضة المتصلة من أئمة أهل البيت و سادتهم علي طول امتداد التاريخ الاسلامي و تألقهم نجوما في سماء المجد و الشهادة، و كم كانوا كراما أصحاب نفوس أبية و انوف حمية، يؤثرون موت الكرام علي طاعة اللئام، فحق أن يكونوا قادة و طلائع و قدوة لهذه الامة. و صدق رسول الله الأمين بقوله:

(نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد).

فلم يكن موسي الهادي الحاكم العباسي ليغفل هذه الحقيقة، و هو يعرف القوي و الشخصيات المؤثرة في مسار سياسة التصحيح و المعارضة و التغيير، فقد كان يعز و الثورة للامام موسي بن جعفر (ع)، كما كان المنصور من قبل يعز و ثورة محمد (النفس الزكية) للامام الصادق أبي الامام موسي بن جعفر (ع)، و كما كان هشام الحاكم الاموي



[ صفحه 89]



يعز و ثورة زيد للامام محمد الباقر جد الامام موسي بن جعفر (ع)، مع أن الأئمة الثلاثة (ع) قد نهوا كلا من زيد، و محمد ذي النفس الزكية، و الحسين بن علي صاحب فخ عن الثورة المسلحة لعلمهم مسبقا بالنتائج و بمآل الثورة. و قد أوضحوا ذلك بصورة صريحة للقادة الثلاثة، حين العزم علي تفجير كل ثورة، الا أن هذه المواقف لم تكن لتقنع الحكام، فهم يخافون حتي أنفاس أهل البيت حين تنساب الي صدورهم، فهم يعلمون أن أهل البيت قد استأثروا بحب الناس و تأييد العلماء. فقد ذكر المؤرخون أن أباحنيفة صاحب المذهب الفقهي المعروف ناصر زيدا و أفتي بصرف الزكاة لتأييد ثورته، و أن أبايوسف القاضي صاحب أبي حنيفة و أبرز الفقهاء الرسميين في عصره، دافع عن الامام موسي بن جعفر أمام موسي الهادي و أثناه عن عزيمته علي قتله، رغم اختلافه في الرأي و المذهب الفقهي مع الامام موسي بن جعفر (ع).

و بامكاننا أن نقرأ جانبا من هذه الحقائق في الوثيقة التاريخية التالية:

(لما حمل رأس أبي عبدالله الحسين بن علي صاحب وقعة فخ الشهيرة الي موسي الهادي بن المهدي الخليفة العباسي، أنشأ يقول متمثلا:



بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعد ما

دفنتم بصحراء الغميم القوافيا



فلسنا كمن كنتم تصيبون سلمه

فيقبل قيلا أو يحكم قاضيا



[ صفحه 90]



و لكن حد السيف فيكم مسلط

فنرضي اذا ما أصبح السيف راضيا



فان قلتم انا ظلمنا فلم نكن

ظلمنا و لكنا أسأنا التقاضيا



فقد ساءني ما جرت الحرب بيننا

بني عمنا لو كان أمرا مدانيا



ثم أخذ في ذكر الطالبيين و جعل ينال منهم الي أن ذكر موسي بن جعفر و حلف الله بقتله فتكلم فيه القاضي أبويوسف حتي سكن غضبه...). [5] .

و نقل العلامة المجلسي أن موسي الهادي أمر برجل من الأسري فوبخه ثم قتله، ثم صنع مثل ذلك بجماعة من ولد أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، و أخذ من الطالبيين، و جعل ينال منهم الي أن ذكر موسي بن جعفر صلوات الله عليه، فنال منه، قال: و الله ما خرج حسين الا عن أمره و لا اتبع الا محبته، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، قتلني الله ان أبقيت عليه. فقال له. أبويوسف يعقوب ابن أبراهيم القاضي و كان جريئا عليه: يا أميرالمؤمنين، أقول أم أسكت؟ فقال: قتلني الله ان عفوت عن موسي بن جعفر، و لو لا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور بما كان من جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه و علمه و فضله، و ما بلغني عن السفاح فيه من تقريظه و تفضيله لنبشت قبره و أحرقته بالنار احراقا.



[ صفحه 91]



فأخذ أبويوسف القاضي يلح و يهدئه حتي سكن غضبه. [6] الا أن موسي الهادي لم يكن ليستقر، أو يشعر بالطمأنينة علي ملكه و هو يري موسي بن جعفر (ع) حرا طليقا يمارس دوره العلمي، و يحتل مكانته القيادية، فقرر اعتقال الامام و سجنه، وراح يهدد و يتوعد الامام.

علم الامام بنوايا الهادي فلم تفزعه و لم يعبأ بها، فقد كان واثقا من نهاية هذا الحاكم و من نهاية ظلمه و تسلط حكومته.

و قد روي هذه القصة علي بن يقطين أحد خواص الامام الكاظم فقال:

(انهي الخبر الي أبي الحسن موسي بن جعفر، و عنده جماعة من أهل بيته بما عزم عليه موسي بن المهدي في أمره، فقال لأهل بيته: ما تشيرون؟ قالوا: نري أن تتباعد عنه، و أن تغيب شخصك منه، فانه لا يؤمن شره.

فتبسم أبوالحسن موسي بن جعفر (ع) ثم قال:



زعمت سخينة أن ستغلب ربها

و ليغلبن مغلب الغلاب



ثم رفع يده الي السماء فقال:

اللهم كم من عدو شحذ لي ظبة مديته، و أرهف لي شبا حده، و داف لي قواتل سمومه، و لم تنم عني عين حراسته، فلما رأيت ضعفي عن احتمال



[ صفحه 92]



الفوادح و عجزي عن ملمات الجوايح، صرفت عني ذلك بحولك و قوتك، فألقيته في الحفير الذي احتفره لي خائبا مما أمله في دنياه، متباعدا مما رجاه في آخرته، فلك الحمد علي ذلك قدر استحقاقك.

سيدي، اللهم فخذه بعزتك، و افلل حده عني بقدرتك، و اجعل له شغلا فيما يليه، و عجزا عما يناويه. اللهم و أعدني عليه عدوي حاضرة تكون من غيظي شفاء و من حقي عليه وفاء و صل اللهم دعائي بالاجابة، و انظم شكايتي بالتغيير، و عرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، و عرفني ما وعدت في اجابة المضطرين، انك ذوالفضل العظيم و المن الكريم.

قال: ثم تفرق القوم، فما اجتمعوا الا لقراءة الكتاب الوارد عليه بموت موسي بن المهدي). [7] .

و هكذا انتهي الصراع بين هذا الحاكم العباسي و بين الامام موسي بن جعفر (ع) ليبدأ مرحلة جديدة مع الحاكم العباسي الجديد هارون الرشيد.



[ صفحه 93]




پاورقي

[1] العلامة المجلسي: المصدر السابق / المجلد 11 / ص 165 / ج 48.

[2] أبوالفرج الأصفهاني: المصدر السابق / ص 455.

[3] أبوالفرج الأصفهاني: المصدر السابق.

[4] أبوالفرج الأصفهاني: المصدر السابق / ص 450.

[5] ابن شهر آشوب: المصدر السابق / ص 310 / ج 4.

[6] العلامة المجلسي: المصدر السابق / ص 151.

[7] الشيخ الصدوق: عيون أخبار الرضا / ص 65. المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف.