بازگشت

مقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

«انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا».

الرسالة العظيمة تنجب رجالا عظماء، و المبادي ء الخالدة تصنع قادة و طلائع خالدين، و العقيدة الفذة قادرة علي أن تصنع الانسان الفذ. و بقدر ما يكون الالتزام و التمسك بالرسالة و المبدأ و العقيدة يكون الانسان القائد و الرائد عظيما وفذا.

و لقد جاء الاسلام الدين العظيم و العقيدة الخالدة و الرسالة الالهية الفذة، جاء لتغيير الحياة، و هدم اسس الجاهلية، و استئصال جذور التخلف و الجهل و الفساد، و صنع تاريخ الانسان، و صياغة شخصيته علي اسس من الهدي، و بوحي من قيم الأخلاق و مبادي ء العدل و الكمال.



[ صفحه 9]



و الاسلام حينما خطط لبناء الحياة و تنظيم السلوك، و قيادة البشرية و صنع الحضارة، كان دينا يتعامل مع الواقع و يتفاعل مع الانسان.

و لا شك أن أبرز ظاهرة في حياة الانسان الاجتماعية، و أكثرها خطورة و أهمية هي ظاهرة القيادة و الريادة و الامامة، ذلك لأن أخطر قضية تواجهها العقائد و المبادي ء و القيم هي وجود الانسان الرائد، و الشخصية القدوة، و المثل الأعلي في الفهم و التطبيق و الريادة و القيادة. و لقد شاء الله أن يكون الأئمة و القادة في هذه الامة من أهل بيت النبوة، و مدرسة الرسالة، و هم علي و بنوه. فقد ذكر المفسرون أن المعنيين بالآية الكريمة:

«انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا».

هم علي بن أبي طالب و فاطمة بنت رسول الله (ص) و ابناهما: الحسن و الحسين (ع).

فقد روي أبو هريرة عن ام سلمة (رض) أنها قالت:

(جاءت فاطمة الي رسول الله ببرمة لها، قد صنعت فيها عصيدة، تحملها علي طبق فوضعتها بين يديه، فقال: أين ابن عمك و ابناك؟. فقالت: في البيت. فقال: ادعيهم. فجاءت عليا فقالت: أجب النبي (ص) أنت و ابناك.

فقالت أم سلمة: فلما رآهم مقبلين مد يده الي كساء كان علي



[ صفحه 10]



المنامة فمده و بسطه فأجلسهم عليه، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمه فوق رؤوسهم، و أومأ بيده اليمني الي ربه (تعالي ذكره)، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل البيت، فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا). [1] .

و جاء في الحديث الشريف:

(ان الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، و جعل ذريتي في صلب هذا - يعني عليا -). [2] .

و جاء علي لسان النبي الأمين أيضا:

(كل ولد أب فان عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة، فاني أنا أبوهم و أنا عصبتهم). [3] - أخرجه أحمد في المناقب -.

و عن ابن عباس قال:

(سمعت رسول الله (ص) يقول: أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من الحسين مطهرون و معصومون). [4] .

فاولئك أهل البيت المطهرون علي و ذريته، و لقد كان الامام



[ صفحه 11]



علي - بنص من رسول الله (ص) و باجماع الصحابة - أعلمهم و أقضاهم و أشجعهم و أسبقهم للاسلام، فكان امام المسلمين بحق. و قد جمع أولاده و أهل بيته و صحابته قبيل شهادته في الحادي و العشرين من رمضان عام 40 ه، و أوصي بالامامة لولده الحسن (ع) و فعل الحسن (ع) مثله يوم حضرته الوفاة، فأوصي بالامامة للحسين (ع)، و أوصي الحسين (ع) يوم شهادته في كربلاء بالامامة لولده السجاد علي بن الحسين (ع)، و أوصي السجاد (ع) بالامامة لولده محمد الباقر (ع)، و أوصي الباقر (ع) بالامامة لولده جعفر الصادق (ع)، و أوصي الصادق (ع) بالامامة لولده موسي الكاظم (ع)، و أوصي الكاظم (ع) بالامامة لولده علي بن موسي الرضا (ع)، و أوصي الرضا (ع) بالامامة لولده محمد الجواد (ع)، و أوصي الجواد (ع) بالامامة لولده علي بن محمد الهادي (ع)، و أوصي الهادي بالامامة لولده الحسن العسكري (ع)، و أوصي الحسن العسكري (ع) بالامامة لولده محمد بن الحسن المهدي المنتظر (ع) الذي أجمع المسلمون، بمختلف مذاهبهم، علي التصديق به و بالاخبار الواردة عن رسول الله (ص) فيه، الا أنهم اختلفوا في تحديد شخصيته و أجمعوا أيضا علي أنه من ذرية رسول الله (ص)، و أنه الأمل المرتقب، و المنقذ المنتظر للبشرية. فقد ورد عنه (ص):

(لا تنقضي الأيام و الليالي حتي يبعث الله رجلا من أهل بيتي،



[ صفحه 12]



يواطي ء اسمه اسمي، يملأها عدلا و قسطا، كما ملئت ظلما و جورا). [5] .

فما زالت البشرية بانتظار هذا المنقذ العظيم، و المصلح الهادي الذي يقيم دولة العدل الالهي، و يقتلع جذور الجاهلية البغيضة.

و قد سجل لنا التاريخ تعاقب الأئمة (ع) من أهل البيت الدين قال فيهم رسول الله (ص):

(انما مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجاء و من تخلف عنها غرق).

و قال (ص):

(اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا).

فسجل مواقفهم و أدوارهم العقائدية و الجهادية و السياسية، واحدا تلو الآخر، ليؤدي كل واحد منهم دوره و مسئوليته، و ينهض بأعباء الرسالة في عصره و يحمل الراية ليسلمها للامام الذي يليه.

و الذي يستقري ء الحديث و التاريخ و التفسير و العقيدة و العلوم و المعارف، و يسبر غور كتب التاريخ و السير، و معاجم الرجال، و التاريخ السياسي في صدر الاسلام، و في العصرين الأموي و العباسي، يجد أن الأئمة الاثني عشر - علي و ذريته - يتعاقبون علي حمل الراية



[ صفحه 13]



علي شكل حلقات تاريخية متعاقبة، و كل واحد منهم امام زمانه، و زعيم عصره في العلم و المعرفة و الجهاد. و كانوا جميعا أئمة المسلمين، و قادة الأئمة في عصورهم التي عاشوا فيها. فما كانوا فقهاء منزوين في المدارس و التكايا، و لا متعبدين منقطعين في المحاريب بعيدا عن الحياة، بل كانوا أعلام هدي، و منار تاريخ، و قادة يشار اليهم بالبنان، و أئمة يفزغ اليهم في حفظ الشريعة و الامة و العقيدة، ترتعد منهم فرائص الطغاة، و تتصاغر أمامهم عبقرية العلماء، و يتواضع بساحتهم تعالي العقول، و نماذج يقتدي بهم الزهاد، و قدوة يحتدي بهم المتعبدون.

لذلك احتل أهل البيت (ع) كل القلوب المؤمنة الطاهرة عبر العصور و علي مر الأجيال و تعاقب الأزمان. و استطاعوا أن يكونوا نبراس الهداية، و مشعل النور، و منبع الفيض، و قدوة الانسان، و قادة المسير، و دعاة الايمان، و كلمة الحق تدوي في مسامع التاريخ، و تقض مضاجع الطغاة... فقد امتد أثرهم و سلطانهم بامتداد الهدي، و خلدت حياتهم و مآثرهم خلود الحق. و تلك سنن التاريخ، و مشيئة الله:

«بل نقذف بالحق علي الباطل فيد مغه فاذا هو زاهق». (الأنبياء / 18).

«فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض». (الرعد / 17).

في حين لم يستطع خصومهم و مناوئوهم أن يحققوا غير نشوة التسلط العابرة و غير الاستمتاع الدنيوي الرخيص.



[ صفحه 14]



لذا كانت دراسة تاريخ أهل البيت و التعرف علي سيرتهم، و استشفاف سيرتهم عملية فكرية و رسالية ضرورية لأجيال المسلمين، فهم الشخصيات النموذجية التي جسدت الاسلام و صاغته سلوكا و حياة، و في كل مجال في الأخلاق و العبادة و الكفاح السياسي و شؤون الرعاية و السياسة و العلم.. الخ. فهم مدرسة الاسلام و معلمو هذه الأمة و قادة مسيرتها. كان همهم الكفاح المتواصل من أجل الحفاظ علي أصالة الاسلام و نقاء رسالته، و تثبيت معالمه، لذلك فان الدارس لتاريخ جهادهم المشرق يشاهد ملحمة الصراع المريرة بينهم و بين خصومهم تدوي في افق الزمن، و تذكي روح الجهاد عبر الأجيال.

و الامام موسي بن جعفر (ع) هو أحد أئمة أهل البيت الذين يقتدي بهم و يستضاء بسيرتهم الجهادية العطرة، خصوصا في مقاومة الظلم و مكافحة الحكام المتسلطين و الطواغيت المستبدين. فحياته مدرسة أجيال، و سيرته تجسيد لشريعة و حضارة.

و حري بكل مسلم أن يستوحي سيرة هذا الامام العظيم، و يختط طريقة في العلم و العمل و الجهاد، فهو من أهل البيت اصطفاهم الله سبحانه من ولد آدم و أذهب عنهم الرجس، و جعلهم قدوة للبشرية، و منارا للهداية، فهم كما قال فيهم رسول الله (ص):

(نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد).

و لا عجب أن يعاني أهل البيت من جور الحكام و ظلم الطغاة من



[ صفحه 15]



العنت و التشريد و السجن و القتل و الملاحقة، فقد كان أئمة أهل البيت و البارزون من رجالاتهم قادة الامة، و حملة لواء المعارضة، و الدعوة الي اقامة الاسلام و تطبيق أحكامه... فكان طبيعيا أن تتوجه أنظار المستضعفين و المظلومين تجاههم، و أن تهفو القلوب المعذبة و النفوس المضطهدة نحوهم، و أن يفزع دعاة الحق و أنصار الايمان اليهم... و طبيعي أيضا - وفق منطق التاريخ، و سنن الصراع التاريخي - أن يتصدي الطغاة لهذه الطلائع، و أن يعادي الظلمة دعاة الحق و قادة المسيرة، و رسول الله (ص) الناطق بلسان الوحي يشخص هذه الحقيقة و يثبتها بقوله:

(انا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا، و ان أهل بيتي سيلقون بعدي اثرة و شدة و تطريدا في البلاد، حتي يأتي قوم من هاهنا - و أشار بيده نحو المشرق - أصحاب رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون فينتصرون، و يعطون ما شاؤوا فلا يقبلونه حتي يدفعوها الي رجل من أهل بيتي فيملؤها عدلا كما ملئت ظلما، فمن أدرك ذلك فليأتهم و لو حبوا علي الثلج). [6] .

و قد أجمع المسلمون علي هذا الرجل العظيم الذي هو من أهل بيت النبي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، فهو



[ صفحه 16]



(المهدي) المنقذ و الرائد و الوارث و المطبق لأحكام الشريعة و المحقق لأهداف الأنبياء (ع) باقامة دولة الهدي، و رفع راية التوحيد علي أرجاء المعمورة قاطبة.

و اذا كان اولئك أهل البيت و كان الامام موسي بن جعفر (ع) هو فرع دوحة النبوة، و امام أهل البيت في زمانه، فلنتابع حياته النيرة، و لنستعرض جانبا من شخصيته العظيمة الفذة، لنعرف من خلالها دور أهل البيت (ع)، و عظمة جهادهم، و كيف ظلمهم الحكام و زيفوا بالمال و الارهاب و وسائل الاغراء حقائق التاريخ. لننظر الي التاريخ من جديد، و نقرأ فصوله المشرقة التي حاول الكتاب الرسميون أخفاء معالمها قراءة ثانية، و لنعيد كتابة التاريخ، و نمحص و قائعة و أحداثه بمنهج نقدي و تحليلي منصف و بروح علمية نزيهة، ليكون التاريخ مدرسة للأجيال، و معلما للانسان، و مستودعا أمينا لحفظ تجربة البشرية كما وقعت أحداثا و حقائق، لنكتشف عمق الحركة التاريخية، و نشخص قوانين التاريخ الاجتماعي، و نوظف كل هذه النتائج لبناء امة الاسلام، و تحديد مسارها الحضاري الناصع.



[ صفحه 17]




پاورقي

[1] تقي الدين أحمد بن علي المقريزي (ت سنة 845 ه): فضل آل البيت / ص 25 / ط 2 / عن تفسير الطبري: ج 22 / ص 7.

[2] محب الدين الطبري: ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي / ص 58 / ط 1967 م.

[3] الطبري: المصدر السابق.

[4] البلخي القندوزي: ينابيع المودة / ص 105 / ج 2 / ط 2.

[5] محسن الكاشاني: علم اليقين في أصول الدين / ج 2 / ص 772.

[6] الطبري: المصدر السابق / ص 17.