بازگشت

المنار الخالد


اودع الجثمان الطاهر في أرض السلام في المقبرة المخصصة لبني هاشم و للأشراف من الناس، و التي تسمي (مقابر قريش)، كما تسمي (مقابر بني هاشم). و تقع هذه المقبرة في الأرض الواقعة شمال بغداد، و هي أرض اقتطعها المنصور بعد تأسيس مدينة بغداد و جعلها مقبرة لقريش، و كان اسمها قبل ذلك (الشونيزي الصغير)، ثم اشتهرت بعد ذلك باسم مقابر قريش، و صارت تعرف بهذا الاسم. ثم اشتهر مدفن الامام باسم (مشهد باب التبن) نسبة الي باب التبن الذي كان في شرقيه مما يقرب من دجلة.

و تشير الدراسات التاريخية الي أن هذه المنطقة لم تبدأ بالنمو و الظهور المدني و الحضاري، كمدينة و حاضرة لها قيمة تاريخية في تاريخ الاسلام الا بعد احتضانها للجثمان الطاهر، فقد بدأ الناس



[ صفحه 125]



يتوافدون علي هذه الأرض الطاهرة و يجاورون الامام موسي بن جعفر في السكن و الاقامة و خصوصا العلويين و الموالين لأهل البيت (ع). فنما هذا التجمع السكاني، و توسعت المدينة [1] [2] و أصبحت تضم العلماء و الفقهاء و أشراف العلويين و عامة الناس. فلقد كان الامام منارا و مزارا و موئلا تهفو القلوب اليه، و تستريح الي جواره النفوس، و تطلب بقربه الحوائج و البركات حتي سمي (باب الحوائج). و لقد كان عظيما في مماته و مثواه، كما كان عظيما في حياته و وجوده المقدس بين الناس.

و لقد حضي مرقده الشريف فيما بعد بعناية مختلف طبقات الامة، العامة منها و الأشراف و العلماء و الحكام و السلاطين و الأثرياء و نستطيع أن نكتشف جانبا من عظمة شخصية الامام من هذه العناية و الرعاية، و نعرف موقعه في النفوس و أثره، كعظيم تشرفت سجلات التاريخ بتزيين صفحاتها بجهاده و علمه و مجده التليد.

لقد أصبح مرقده آية في الفن و الجمال، و لوحة تحكي الحضارة الاسلامية عبر القرون با بداعها في الخط و الزخرفة و الفن و العمارة. لقد



[ صفحه 126]



شمخ ذكره و خلد مجده، و عرفته الأجيال فلم تستطع أن تبخسه حقه.

لقد خرج جثمانه الطاهر من ظلمات السجون غريبا مطروحا علي قارعة الطريق ينادي علي جنازته بعبارات الدس و التشنيع و الافتراء المعبرة عن الحقد و الظلم و الغبن لأهل هذا البيت. و لم يكن حينذاك بوسع أحد من أهل بيته و محبيه أن يقرب من جنازته أو يجري عليها ما يجب اجراؤه علي موتي المسلمين.

خرجت الجنازة علي هذه الحالة، و القتلة و الجلادون يعيشون في بروجهم، و بين جواريهم و مواليهم، متولين بركن الكبرياء، و معتزين بالأسنة و الحراب، و ظنوا - كما يظن أمثالهم من الظلمة و الجلادين - أن الستار قد اسدل علي هذا الفصل من التاريخ، و أن السر اديب و ظلمات السجون قد طوت بين أرجائها هذه الصفحة المشرقة من تاريخ أهل البيت.

حقا لقد خرج الامام (ع) من سجنه المؤقت ليدخل فيه الظلمة و الجلادون الي الأبد. لقد آوي الي ربه راضيا مرضيا، و ضمت الأرض جسده الطاهر فانتصب مرقده الشريف وثيقة تاريخية خالدة في قلب الزمن، تسرد علي مسامع الأجيال قصة صراع أهل البيت مع خصومهم عبر تاريخ الاسلام الخالد، و تصرخ بوجه الظلمة في كل عصر و جيل أن ليس بوسع القيد و السجن و سيف الجلاد أن تقهر ارادة الحق، أو تخفي معالم الهدي في سر اديب السجون و صفحات التاريخ المزيف، و تلقن



[ صفحه 127]



الجبناء و المتخاذلين و ضعاف النفوس الناكصين عن مقاومة الظلمة الراضين بعيش الذل و المهانة درسا في الاباء و الثبات علي الحق.

و فيما يلي ننقل للقاري ء تعريفا بمشهد الامام و الأطوار التي مربها مرقده و ضريحه الشريف و عناية الحكام و السلطات المتعاقبة علي حكم العراق.

و البحث مأخوذ من «دائرة المعارف الاسلامية الشيعية» للاستاذ حسن الأمين، و البحث للشيخ محمد حسن آل ياسين.



[ صفحه 128]




پاورقي

[1] استفيدت هذه المعلومات من دائرة المعارف الاسلامية الشيعية لحسن الأمين / المجلد الثالث / ص 257.

[2] فعرفت فيما بعد هذه المدينة «مدينة الكاظمية» نسبة الي هذا الامام العظيم، و تسمي الآن بهذا الاسم.