بازگشت

بين يدي الامام


الامام موسي بن جعفر، الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) سليل أهل بيت النبوة، و وليد بيت الشرف و المجد الرفيع، فأبوه من عرف المسلمون - و هو الامام جعفر الصادق (ع) - امام المسلمين و استاذ العلماء و الفقهاء، و سيد الطالبيين في عصره من غير منازع.

و الامام موسي هو ولده و وارثه في الصفة و المقام، و هو الامام السابع من أئمة المذهب الجعفري: أي مذهب الشيعة الامامية، و امه جارية ام ولد اسمها (حميدة)، أندلسية الأصل، و يقال بربرية، و ذكر أنها رومية، و الأرجح أنها أندلسية، و تكني لؤلؤة، اشتراها الامام محمد الباقر (ع)، و أهداها لولده الصادق، فأولدها موسي بن جعفر (ع)، و قد اعتني أبو عبدالله جعفر الصادق (ع) بتربيتها و تعليمها و تثقيفها حتي



[ صفحه 18]



صارت عالمة فقيهة مربية... عهد اليها الامام الصادق بتعليم النساء و تفقيههن و أرشادهن الي أحكام الاسلام و عقيدته و مفاهيمه و أخلاقه.

ولد الامام موسي بن جعفر أيام الخليفة الاموي الجائر عبدالملك بن مروان في (الأبواء) البلد الذي توفيت فيه آمنة بنت وهب أم الرسول الكريم (ص)، و دفنت فيه، بين مكة المكرمة و المدينة المنورة.

و كانت ولادته يوم الأحد السابع من شهر صفر سنة 128 ه، بشر به أبوه و هو يتناول طعام الغداء مع جماعة من أصحابه، فتركهم و خف لاستقبال المولود الجديد بفيض من الغبطة و السرور، و هالة من الحب و الحنان الأبوي الكريم. و لم يقم بعدها طويلا في الأبواء بل عاد الي يثرب. و علي عادة العرب في استقبال مواليدهم، فقد أولم و دعا الناس، و احتفي بالمولود الكريم، و أطعم ضيوفه ثلاثة أيام. و قد توافد الناس علي الامام يهنئونه بمولوده الجديد، و هو لا يكتم مشاعر الحب و الاحتفاء بهذا المولود المبارك، و يصرح:

(وددت أن ليس لي ولد غيره لئلا يشركه في حبي أحد). [1] .

فهو يعرف عظمة هذا المولود، و مكانة هذا الوافد الجديد الي دنيا الأرض، فهو امام و قائد و ذو شأن عظيم في تاريخ هذه الامة، و خدمة



[ صفحه 19]



رسالتها المجيدة.

عاش الامام في كنف أبيه، و درج في مدرسته العلمية الكبري التي توافد عليها العلماء و الفقهاء و الفلاسفة و المحدثون، فورث علوم أبيه، و تشبع بروحه و أخلاقه، و شب علي صفاته و خصائصه، فكان مثالا في الخلق الرفيع، و في الكرم و الزهد و الصبر، و مثلا أعلي في الثبات و الشجاعة و مقارعة الحكام الطغاة. و كانت حياته في ظل أبيه حياة تربية و اقتباس و نشأة، و حياته بعد أبيه امتدادا و استمرارا لمسيرة أهل البيت النيرة في العلم و العمل و الجهاد و القيادة و الامامة.

و قد عبر الامام جعفر الصادق (ع) عن هذه الحقيقة و اصفا ولده موسي بقوله: (الحمدلله الذي جعلك خلفا من الآباء، و سرورا من الأبناء، و عوضا عن الأصدقاء). [2] .

و لجلال قدره و سمو صفاته و كمال ذاته لقب: (العبد الصالح) و (زين المجتهدين) لكثرة عبادته و تهجده، و (الكاظم) لشدة تحمله و صبره علي الأذي، و كظمه للألم و الغيظ، و دماثة خلقه و مقابلته الاساءة بالاحسان، و (باب الحوائج) لوجاهته عندالله و علو مقامه و قضاء الحوائج بالتوسل به، كما كني بأبي الحسن الأول، و أبي ابراهيم.



[ صفحه 20]



و لقد تحدث الواصفون لهيأته و بنيته الجسدية، فوصفوه بأنه أسمر اللون، حسن الوجه، نحيف الجسم.

و قد عاش مع أبيه عشرين سنة، و قيل تسع عشرة سنة، و عاش بعد أبيه - و هي مدة امامته و قيادته - خمسا و ثلاثين سنة. و كان يتحمل مسئولية الامامة و أعباء المسئولية و عمره عشرون سنة.

و قد أنجب عددا كبيرا من الذكور و الاناث، فالذكورهم: (علي الرضا، ابراهيم، العباس، القاسم، اسماعيل، هارون، الحسن، أحمد، محمد، حمزة، عبدالله، اسحاق، عبيدالله، زيد، الحسن، الفضل، سليمان).

و أما الاناث فهن: (فاطمة الكبري، فاطمة الصغري، رقية، حكيمة، ام ابيها، رقية الصغري، كلثم، ام جعفر، لبابة، زينب، خديجة، علية، آمنة، حسنة، بريهة، عائشة، ام سلمة، ميمونة، ام كلثوم). [3] .

لقد كانت حياة الامام مدرسة لمن يدرسها و يتأمل فيها، و يستبطن أعماقها و صفحات تاريخها المشرق. من هنا كانت دراسة تاريخ أهل البيت، و التعرف علي سيرتهم، و آفاق حياتهم ضرورة تاريخية و حضارية بالنسبة لأجيال المسلمين لأنها تعني التفاعل الحي مع مبادي ء الرسالة، و تاريخ الامة المجسد لمبادئها و طموحها و قيمها،



[ صفحه 21]



و لأنها المسير النقي لمجري الحياة الرسالية التي تثبت معالم السير، و صيغة الحياة الاجتماعية لامة التوحيد، لانها كانت الجهاد المستمر من أجل فرز الغريب و المدسوس و الناشز و المقحم علي روح الاسلام، فهي مدرسة و تيار متصل الحلقات تبدو واضحة مشخصة لمن يدرسها من لدن رسول الله (ص) حتي مهدي هذه الامة. فتاريخ الاسلام بقيمه و صراعه و مفاهيمه عن الحياة و الحكم و السياسة و الشريعة يشخص هذه الحقيقة، و يميز معالم هذه المدرسة، و لذلك كان الامام من أئمة أهل البيت يعين و ينص علي الامام الذي يليه، و لذا نص الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) علي امامة ولده موسي بن جعفر (ع) من بعده بنصوص و عبارات كثيرة ذكرت في كتب التاريخ و الامامة، نذكر منها:

(دخل منصور بن حازم علي الامام أبي عبدالله يطلب منه تعيين الامام من بعده قائلا: بأبي أنت و أمي، ان الأنفس يغدا عليها و يراح، فاذا كان ذلك فمن؟. فقال. أبو عبدالله: فهذا هو صاحبكم. و أشار الي أبي الحسن موسي، ثم وضع يده علي منكب ولده مدلا عليه، و كان عمره آنذاك خمس سنين). [4] .

و عن يزيد بن سليط الزيدي قال:

(لقينا أبا عبدالله (ع) في طريق مكة، و نحن جماعة. فقلت له:



[ صفحه 22]



بأبي أنت و امي، أنتم الأئمة المطهرون، و الموت لا يعري منه أحد، فأحدث الي شيئا القيه الي من يخلفني، فقال لي: نعم هؤلاء ولدي، و هذا سيدهم. و أشار الي ابنه موسي (ع)...). [5] .

و كانت فترة اضطلاعه بمهام الامامة من أشد فترات التاريخ الاسلامي محنة و شدة علي أهل البيت (ع)، و المستضعفين من طبقات الامة. فتحملها الامام بثباته و صبره و تحمله للأذي و الاضطهاد حتي سمي بالكاظم لكثرة ما كظم من الحزن و الألم و المعاناة.

و ستكشف لنا الدراسة الموجزة التي بسطناها في هذا الكتاب عظمة هذا الانسان، و قوة شخصيته، و كم لاقي و تحمل، و كم أعطي هذه الامة، و ساهم في صنع مجد الاسلام و تاريخه الناصع الوضاء.


پاورقي

[1] باقر شريف القرشي: حياة الامام موسي بن جعفر / ج 1 / ص 46 / ط 2.

[2] العلامة المجلسي: بحارالأنوار / ج 11 / ص 237.

[3] علي محمد دخيل: الامام موسي الكاظم / ص 10 / ط 1394 ه - 1974 م نقلا عن رواية الشيخ المفيد.

[4] الكليني: اصول الكافي / ص 309 / ج 1.

[5] العلامة المجلسي: المصدر السابق / ص 12 / ج 48.