بازگشت

تعريف بالامام و مدرسته العلمية


(... و كان أعبد أهل زمانه، و أعلمهم و أفقههم). [1] .

الامام موسي بن جعفر هو سليل النبوة، و وارث علوم أهل البيت في عصره، فهو تلميذ أبيه جعفر الصادق (ع) استاذ الشريعة و امام العلماء و الذي قال فيه مالك بن أنس امام المالكية:

(ما رأت عين، و لا سمعت اذن، و لا خطر علي قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا، و علما، و عبادة، و ورعا). [2] .

و وصفه المؤرخ الشهير اليعقوبي بقوله:

(و كان أفضل الناس و أعلمهم بدين الله، و كان أهل العلم الذين



[ صفحه 38]



سمعوا منه اذا رووا عنه قالوا: أخبرنا العالم). [3] .

و الصادق ليس مجهولا عند أحد من العلماء و الفقهاء و المحدثين، و رواد العلوم و المعارف الاسلامية، فالكل يعرف من هو جعفر بن محمد الصادق (ع). و قد سبق ل (دارالتوحيد) أن أصدرت كتابا ضمن سلسلة أهل البيت عن الامام جعفر بن محمد (ع)، و عرضنا ما فيه الكفاية من التعريف الموجز، و نعودهنا فنواصل الحديث عن سلسلة أهل البيت و امتداد مدرستهم العلمية و تشخصها بموسي بن جعفر في عهده، فقد عهد اليه أبوه الصادق بالامامة بعد وفاته بنصوص كثيرة نذكر منها ما رواه علي بن جعفر - أخو الامام موسي بن جعفر - و هو من الرواة الثقاة، قال:

(سمعت أبا جعفر بن محمد (ع) يقول لجماعة من خاصته و أصحابه:

استوصوا بابني موسي هذا خيرا فانه أفضل ولدي، و من اخلف من بعدي، و هو القائم مقامي، و الحجة لله تعالي علي كافة خلقه من بعدي). [4] .

و قوله لأحد أصحابه:

(ان ابني هذا الذي رأيت لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك



[ صفحه 39]



فيه بعلم). [5] .

هذه شهادة من امام المسلمين، و استاذ العلماء و المتكلمين جعفر بن محمد للامام موسي بن جعفر، لذا فقد حمل الأمانة العلمية بعد أبيه الصادق، و نهض بأعباء الامامة، و حفظ علوم الشريعة، فقد حمل الأمانة العلمية و قام بنشرها، و ربي جيلا من العلماء و الرواة و المحدثين، و كانت مدة ممارسته لهذا الدور العلمي الخطير خمسة و ثلاثين عاما.

و لقد كان عصره عصرا زاخرا بالتيارات و المذاهب الفلسفية و العقائدية، و الاجتهادات الفقهية، و مدارس التفسير و الرواية. فلقد كانت تلك الفترة أخطر الفترات التي عاشها المسلمون، فقد تسرب الالحاد و الزندقة، و نشأ الغلو، و كثرت الفرق الكلامية التي حملت آراء و أفكار اعتقادية شتي، و تعددت مذاهب الفقه، و دخلت علوم عديدة في استنباط الأحكام و استخراجها، كالمنطق و الفلسفة و الكلام و علوم اللغة، كما و ادخل القياس و الاستحسان و العمل بالرأي. و حابي بعض الفقهاء و القضاة الحكام باستنباطهم و قضائهم، و رويت الأحاديث المدسوسة و الأخبار المزيفة، فكانت هذه الفترة الزمنية فترة خطرة في وجود الاسلام العقائدي و التشريعي.



[ صفحه 40]



و علي الرغم من حراجة الظرف السياسي، و تضييق الحكام علي الامام موسي بن جعفر، الا أنه لم يترك مسئوليته العلمية، و لم يتخل عن تصحيح المسار الاسلامي بكل ماحوي من علوم و معارف و اتجاهات. فتصدي هو و تلامذته لتيارات الالحاد و الزندقة - كما تصدي أبوه الصادق و جده الباقر من قبل - لتثبيت أركان التوحيد، و تنقية مدارات العقيدة، و ايجاد رؤية عقائدية أصيلة تشع بروح التوحيد، و تثبت في أعماق النفس و العقل، كما أغني مدرسة الفقه بحديثه و رواياته و تفسيره، و كان بهذه المنهجية يثبت أركان الاسلام، و يعمق أصول التفسير الاسلامي، و ينقي مناهج الفقه و التشريع، فحفظ بذلك مدرسة أهل البيت - مدرسة الاسلام الأصيلة - و أغني عطاءها و أنمي ثمارها.

و لقد ذكرت كتب الرجال و تراجم الرواة و المعنيين بالحديث أن أكثر من ثلاثمائة راو رووا عن الامام موسي بن جعفر (ع). و يذكر التاريخ العلمي بفخر كوكبة من تلامذة الامام كعلماء أفذاذ، و عباقرة مبرزين، و يذكر للكثير منهم كتبا و مؤلفات و موروثات علمية ثرية،فقد ذكر الشيخ الطوسي:

(اجمع أصحابنا علي تصديق ستة نفر من فقهاء الكاظم و الرضا و هم: يونس بن عبدالرحمن، و صفوان بن يحيي، و بياع السابري، و محمد بن أبي عمير، و عبدالله بن المغيرة، و الحسن بن



[ صفحه 41]



محبوب الراد، و أحمد بن محمد بن أبي نصر). [6] .

و من تلامذته المبرزين أيضا العالم المتبحر في علم الكلام و التوحيد، و صاحب المؤلفات هشام بن الحكم، و علي بن سويد، و محمد بن سنان.. الخ. و فيما يلي نذكر تعريفا موجزا ببعض تلامذة الامام و رواته و أصحابه، لنعرف حجم و عمق الأثر العلمي لمدرسة الامام موسي بن جعفر (ع)، و اولئك هم تلامذة الامام:

علي بن سويد السوئي:

روي عن الامام الكاظم و الامام الرضا (ع) و له مكاتبات مع أبي الحسن الأول - يعني الكاظم - يوم كان محبوسا، و يظهر من جواب الامام عليه السلام اليه علو مقامه، و عظم شأنه، و جلال قدره، له كتاب رواه عنه أحمد بن زيد الخزاعي. [7] .

محمد بن سنان:

هو محمد بن الحسن بن سنان، نسب الي جده سنان، لأن أباه الحسن توفي و هو صغير، فكفله جده فنسب اليه. يكني بأبي جعفر،



[ صفحه 42]



و يعرف بالزاهري - نسبة الي زاهر مولي عمر بن الحمق الخزاعي - من أصحاب أبي الحسن الكاظم و أبي الحسن الرضا (عليهم السلام). له كتب رواها عنه الحسن بن شمون، و محمد بن الحسين، و أحمد بن محمد، و محمد بن علي الصيرفي، و غيرهم. و روي عنه جمع من الأجلة، مثل صفوان و العباس بن معروف، و عبدالرحمن بن الحجاج و أضرابهم. [8] .

محمد بن أبي عمير الأزدي:

و اسم أبي عمير زياد بن عيسي، كان بغداديا أصلا و مقاما، و كان من أوثق الناس عند الخاصة و العامة و أنسكهم و أورعهم و أعبدهم. و حكي عند الجاحظ و قال: كان أوحد أهل زمانه في الأشياء كلها. و قال أيضا: و كان وجها من وجوه الشيعة، حبس أيام الرشيد ليلي القضاء، و قيل بل ليدل علي الشيعة و أصحاب موسي بن جعفر (ع)، و ضرب علي ذلك و كاد يقر لعظم الألم، فسمع محمد بن يونس بن عبدالرحمن يقول له: اتق الله يا محمد بن أبي عمير، فصبر ففرج الله عنه.

و روي الكشي أنه ضرب مائة و عشرون خشبة أيام هارون، و تولي ضربه السندي بن شاهك، و كان ذلك علي التشيع، و حبس فلم



[ صفحه 43]



يفرج عنه، حتي أدي من ماله واحدا و عشرين ألف درهم.

و روي أن المأمون حبسه حتي ولاه قضاء بعض البلاد. و روي الشيخ المفيد في (الاختصاص) أنه حبس سبع عشرة سنة، و في مدة حبسه دفنت اخته كتبه، فبقيت مدة أربع سنين، فهلكت الكتب، و قيل أنه تركها في غرفة فسال عليها المطر، لذلك حدث من حفظه، و مما كان سلف له في أيدي الناس. أدرك أيام الكاظم (ع) و لم يحدث عنه [9] و أيام الرضا و الجواد (ع)، و حدث عنهما و مات سنة 217 ه [10] و قد ذكر المؤرخون أنه ألف أربعة و تسعين كتابا في مختلف العلوم و الفنون. [11] .

هشام بن الحكم:

أبوالحكم هشام بن الحكم البغدادي الكندي مولي بني شيبان ممن اتفق الأصحاب علي وثاقته و عظم قدره، و رفعة منزلته عند الأئمة عليهم السلام. و كانت له مباحث كثيرة مع المخالفين في الاصول و غيرها. صحب أبا عبدالله جعفر الصادق (ع)، و بعده الكاظم و بعده



[ صفحه 44]



الرضا (ع)، و توفي سنة 179 ه بالكوفة. [12] .

و قد روي المؤرخون أنه كان غزير العلم، واسع المعرفة، خصوصا في فلسفة التوحيد و الامامة و العقائد، و قد ذكرت له من المؤلفات ثلاثون مؤلفا. [13] .

هذه لمحة عابرة عن دور الامام العلمي، و أبرز تلامذته و فقهائه الذين تربوا علي يده و من أخذوا عنه و اغترفوا من نمير علومه و فيض معارفه، الذين لازموه و أخذوا عنه.

فقد روي السيد ابن طاووس: (أن أصحاب الامام و خواصه كانوا يحضرون مجلسه، و معهم في أكمامهم ألواح أبنوس و أميال، فاذا نطق بكلمة، أو أفتي في نازلة بادروا الي تسجيل ذلك). [14] .


پاورقي

[1] الطبرسي: المصدر السابق / ص 306.

[2] ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب / ص 372 / ج 3.

[3] أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب: تاريخ اليعقوبي / ص 119 / ج 3.

[4] الطبري: المصدر السابق / ص 259 / ط 3.

[5] العلامة المجلسي: المصدر السابق / المجلد 11 / ص 24 / ج 48 /. نقلا عن المناقب لابن شهر آشوب: ص 411 / ج 3.

[6] ابن شهر آشوب: المناقب / ص 325 / ج 4.

[7] العلامة المجلسي: المصدر السابق / المجلد 11 / ص 178 / ج 48. عن شرح مشيخة الفقيه / ص 89.

[8] العلامة المجلسي: المصدر السابق / ص 179. عن شرح مشيخة الفقيه / ص 15.

[9] لم يحدث عن الامام خوفا من أن تنكشف العلاقة بينهما فيعرض نفسه و الامام للخطر.

[10] العلامة المجلسي: المصدر السابق. عن شرح مشيخة الفقيه / ص 57 - 56.

[11] باقر شريف القرشي: المصدر السابق / ص 299 / ج 2.

[12] أبومحمد الحسن بن علي بن الحسين الحراني (من أعلام القرن الرابع الهجري): تحف العقول عن آل رسول / ص 283 / ط 5.

[13] باقر شريف القرشي: المصدر السابق / ص 343 / ج 2.

[14] عادل الأديب: الأئمة الاثناعشر / ص 186. نقلا عن الأنوار البهية / ص 915.