بازگشت

احسانه الي الناس


وكان الإمام بارّاً بالمسلمين محسناً إليهم، فما قصده أحد في حاجة إلاّ قام بقضائها، فلا ينصرف منه إلاّ وهو ناعم الفكر مثلوج القلب، وكان(عليه السلام) يري أن إدخال الغبطة علي الناس وقضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير فلذا لم



[ صفحه 37]



يتوان قط في إجابة المضطر، ورفع الظلم عن المظلوم، وقد أباح لعلي بن يقطين الدخول في حكومة هارون وجعل كفارة عمل السلطان الاحسان الي الاخوان مبرّراً له، وقد فزع إليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم وملأ قلوبهم رجاءاً ورحمة.

ومن هؤلاء الذين أغاثهم الامام(عليه السلام) شخص من أهالي الري [1] كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري فلم يتمكّن من أدائها، وخاف علي نعمته أن تسلب منه، فأخذ يطيل الفكر فيما يعمل، فسأل عن حاكم الري، فأخبر أنه من الشيعة، فطوي نيته علي السفر الي الإمام ليستجير به فسافر الي المدينة فلما انتهي اليها تشرف بمقابلة الإمام فشكي إليه حاله، فزوده(عليه السلام) برسالة الي والي الري جاء فيها بعد البسملة:

إعلم أنّ لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلاّ من أسدي الي أخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل علي قلبه سروراً، وهذا أخوك والسلام.

وأخذ الرسالة، وبعد أدائه لفريضة الحج، اتّجه الي وطنه، فلما وصل، مضي الي الحاكم ليلا، فطرق عليه باب بيته فخرج غلامه، فقال له: من أنت؟

فقال: رسول الصابر موسي؟

فهرع الي مولاه فأخبره بذلك فخرج حافي القدمين مستقبلا له، فعانقه وقبّل ما بين عينيه، وجعل يكرر ذلك، ويسأله بلهفة عن حال الامام، ثم إنه ناوله رسالة الإمام فقبّلها وقام لها تكريماً، فلما قرأها أحضر أمواله وثيابه فقاسمه في جميعها وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة وهو يقول له: يا أخي هل سررتك؟

فقال له: أي والله وزدت علي ذلك!!



[ صفحه 38]



ثم استدعي السجل فشطب علي جميع الديون التي عليه وأعطاه براءة منها، وخرج الرجل وقد طار قلبه فرحاً وسروراً، ورأي أن يجازيه علي إحسانه ومعروفه فيمضي الي بيت الله الحرام فيدعو له، ويخبرالإمام بما أسداه إليه من البر والمعروف، ولمّا أقبل موسم الحج مضي إليه ثم اتّجه الي يثرب فواجه الإمام وأخبره بحديثه، فسرّ(عليه السلام) بذلك سروراً بالغاً، فقال له الرجل: يا مولاي: هل سرّك ذلك؟

فقال الإمام(عليه السلام): إي، والله! لقد سرّني، وسرّ أمير المؤمنين، والله لقد سرّ جدي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولقد سرّ الله تعالي..» [2] .

وقد دلّ ذلك علي اهتمامه البالغ بشؤون المسلمين ورغبته الملحة في قضاء حوائج الناس.



[ صفحه 41]




پاورقي

[1] كان يُدعي: علي بن طاهر الصوري كما في مصدر الخبر.

[2] اعتمدنا في هذا الفصل علي ما كتبه الاستاذ باقر شريف القرشي، راجع حياة الإمام موسي بن جعفر(عليه السلام): 1 / 138 ـ 162. وخبر الصوريّ من أهل الريّ رواه المجلسي في بحار الأنوار: 48 / 174 ح 16 عن كتاب قضاء حقوق المؤمنين المنشور في نشرة تراثنا: 34 / 186 ح 24.