بازگشت

النقطة الثانية


لقد شدّدت السلطات في المراقبة علي الشيعة بعد استشهادالإمام الصادق(عليه السلام) وعمّ الارتباك أوساطهم وشحنت الأجواء بالحذر والتحسّب.

وعن هذه الفترة الزمنية المهمة في التاريخ الشيعي يحدّثنا هشام بن سالم أحد رموز الشيعة قائلا:

كنا في المدينة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) أنا ومؤمن الطاق (أبو جعفر) والناس مجتمعون علي أنّ عبدالله (الافطح) صاحب (الامام) بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق، والناس مجتمعون عند عبدالله وذلك انهم رووا عن أبي عبدالله(عليه السلام): أن الأمر في الكبير مالم يكن به عاهة فدخلنا نسأله عمّا كنا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ قال: في مائتين خمسة، قلنا:



[ صفحه 66]



ففي مائة؟ قال: درهمان ونصف درهم [1] .

قلنا له: والله ما تقول المرجئة هذا. فرفع (الافطح) يده الي السماء، فقال: لا، والله ما أدري ما تقول المرجئة!

قال: فخرجنا من عنده ضُلاّلا، لا ندري الي أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول [2] فقعدنا في بعض أزقّة المدينة باكين حياري لا ندري الي من نقصد والي أين نتوجّه؟!

نقول: (نذهب) الي المرجئة؟ الي القدرية؟ الي الزيدية؟ الي المعتزلة؟ الي الخوارج [3] .

قال: فنحن كذلك اذ رأيت رجلا شيخاً لا أعرفه يومئ اليّ بيده، فخفت أن يكون عيناً (جاسوساً) من عيون أبي جعفر (المنصور الدوانيقي). وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون علي من اتفق شيعة جعفر (الصادق) فيضربون عنقه، فخفت أن يكون (الرجل الشيخ) منهم.

فقلت لأبي جعفر (مؤمن الطاق): تنح فإني خائف علي نفسي وعليك، وانما يريدني (الشيخ) ليس يريدك، فتنحّ عنّي، لا تهلك وتعين علي نفسك.

فتنحّي غير بعيد، وتبعت الشيخ، وذلك اني ظننت أني لا أقدر علي التخلص منه، فما زلت أتبعه حتي ورد بي علي باب أبي الحسن موسي (الكاظم)(عليه السلام) ثم خلاّني ومضي، فاذا خادم بالباب فقال لي: اُدخل، رحمك الله. قال: فدخلت فاذا أبو الحسن (الكاظم) (عليه السلام) فقال لي ابتداءً: لا الي المرجئة، ولا



[ صفحه 67]



الي القدرية، ولا الي الزيدية، (ولا الي المعتزلة)، ولا الي الخوارج، اليّ اليّ اليّ.

قال (هشام): فقلت له: جعلت فداك مضي أبوك؟ قال: نعم.

قلت: جعلت فداك مضي في موت؟ قال: نعم، قلت: جعلت فداك فمن لنا بعده؟ فقال: ان شاء الله يهديك هداك.

قلت: جعلت فداك، إنّ عبدالله (الافطح) يزعم أنه (إمام) من بعد أبيه فقال: يريد عبدالله ـ الافطح ـ أن لا يعبد الله.

قال: قلت له: جعلت فداك، فمن لنا بعده؟ فقال: ان شاء الله أن يهديك هداك أيضاً.

قلت: جعلت فداك، أنت هو (الامام)؟ قال: ما أقول ذلك

قلت ـ في نفسي ـ لم أُصب طريق المسألة (أي أخطأت في كيفية السؤال).

قال (هشام): قلت: جعلت فداك، عليك إمام؟ قال: لا. فدخلني (دخل قلبي) شيء لا يعلمه إلاّ الله اعظاماً له وهيبة، أكثر ما كان يحلّ بي من (هيبة) أبيه (الإمام الصادق) إذا دخلت عليه.

قلت: جعلت فداك، أسألك عمّا كان يُسأل أبوك؟ قال: سل تُخبر، ولا تُذِع (اي لا تنشر الخبر) فان أذعت فهو الذبح.

قال (هشام): فسألته فاذا هو بحر!

قال (هشام): قلت جعلت فداك، شيعتك وشيعة أبيك ضُلاّل، فالقي إليهم (اخبرهم) وأدعوهم إليك؟ فقد أخذت عليّ بالكتمان.

فقال (الإمام): من آنست منهم رشداً، فألق عليهم ـ أخبرهم ـ وخذ عليهم



[ صفحه 68]



بالكتمان، فان اذاعوا فهو الذبح ـ وأشار بيده الي حلقه ـ» [4] .

إنّ هذا الحديث الذي أدلي به هشام يكشف لنا عدة حقائق:

1 ـ كثرة انتشار الجواسيس، وجو الرعب، والحذر، والخوف، وفقدان الأمن الذي عمّ أبناء الاُمة واخيارها خصوصاً سكان المدينة.

2 ـ كما يكشف لنا عن أنّ اعلان الإمامة لموسي(عليه السلام) وإخبار الشيعة بإمامته، لم يكن ظاهراً لعامة الناس بل كان محدوداً ببعض الخواص من الشيعة [5] بحيث تجد حتي مثل هشام لا يعلم أن الأمر لمن، إلاّ بعد حين، وقد حصل عليه بالطرق الشرعية والعقلية، وهذه الممارسات وغيرها جعلت الشيعة تتدرب وتتمرّس علي الاساليب التي تقيها من سيف الظالمين مثل السرّية والتقية، لذا نجد الرواة عند نقلهم لاخبار الإمام موسي(عليه السلام) لا يصرّحون باسمه الصريح بل كانوا يقولون: «قال العبد الصالح»، أو «قال السيد»، أو «قال العالم» ونحو ذلك.

3 ـ إنّ الخنق الظالم والممنوعات السلطانية والحبس الفكري وملاحقة من يخالف، وبثّ الاشاعات المضادّة والكاذبة، كل هذه الاُمور خلقت مناخاً يتنفّس فيه الأدعياء وهواة الرذيلة والذين زاد نشاطهم وشاع صيتهم وتعددت فرقهم في هذه الفترة فطرحوا أنفسهم قادة للاُمة في الفكر والفقه والحديث بتشجيع من الخليفة. لذا نجد هشام بن سالم في حديثه يعدد لنا الفرق في زمانه حيث يقول: نذهب الي المرجئة؟ الي القدرية؟ الي الزيدية؟ الي المعتزلة؟ الي الخوارج؟



[ صفحه 69]



4 ـ مارس الإمام موسي الكاظم (عليه السلام) اُسلوباً في هذا الحديث يُميزه عن غيره من مدّعي الإمامة (مثل عبدالله الافطح) وذلك باخباره عن الكلام الذي دار بين هشام ومؤمن الطاق في أحد أزقّة المدينة المنورة حيث قال الإمام لهما: «لا الي المرجئة ولا الي القدرية.... اليّ اليّ اليّ».


پاورقي

[1] من الثابت عند المسلمين أن لا زكاة في أقل من مائتي درهم، ولكن الافطح كان يجهل هذا الحكم.

[2] مؤمن الطاق، أبو جعفر، صاحب الطاق والأحول، كلها ألقاب لرجل واحد (محمد بن علي بن النعمان)، اختيار معرفة الرجال: 2 / 425.

[3] الإرشاد للمفيد: 2 / 221، مدينة المعاجز: 6 / 208.

[4] اختيار معرفة الرجال: 2 / 565، ح502، والارشاد: 2 / 221 ـ 222 وعنه في إعلام الوري: 2 / 16 ـ 17، وكشف الغمة: 3 / 12 و 13، وبحار الأنوار: 48 / 50.

[5] منهم زرارة وداود بن كثير الرقي، وحمران، وأبي بصير، والمفضل بن عمر وغيرهم.