بازگشت

النقطة السادسة


انتشرت في هذه المرحلة عقائد خاطئة وتأسّست فرق منحرفة من الالحاد والزندقة والغلوّ، والجبرية، والارجاء عقائد خاطئة ذات اصحاب تدافع عنها ولم تكن كل هذه الإعتقادات وليدة هذاالظرف بالذات، وانما نشطت في هذا الجوّ المساعد لنموها، حيث كان بعض الخلفاء يتبني بعضاً منها ويسمح لانتشار البعض الآخر.

فالغلاة يعتقدون بنبوّة الأئمة، وبعده بالهية جعفر بن محمد الصادق



[ صفحه 72]



والهية آبائه، وهؤلاء قد تبرّأ منهم الإمام الصادق ولعنهم لعناً مشدداً.

لكن السلطات شجعت من جانب، والصقت التهمة بهم من جانب آخر بهدف التشويه لحقيقة الشيعة، كما استخدموا هذه التهمة فيما بعد ذريعة ومادّة حكم تبرر لهم اضطهاد الشيعة تحت هذا الاسم فأطلقوا علي الشيعة اسم زنادقة ويحق للدولة أن تطاردهم.

لقد عاصر الإمام الكاظم (عليه السلام) تيّاراً آخر كان خطيراً علي الاُمة حاضراً ومستقبلا وكان قد وقف بوجهه الإمام الصادق(عليه السلام) وحذّر منه الشباب خاصة ألا وهم المرجئة الذين يقولون بتأخير وارجاء صاحب المعصية الكبيرة الي يوم القيامة فلا يحكمون عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار.

ويحاول أصحاب هذا الإعتقاد أن يخلطوا الأوراق ويدمجوا بين سلوك الخير وسلوك الشر فلا يفرّق بين سلوك الإمام علي(عليه السلام) وسلوك معاوية ولا بين موقف الحسين(عليه السلام) وموقف يزيد; لان الحكم عليهم في الدنيا ليس من شؤوننا وانما يترك الأمر ليوم القيامة.

ثم تبنّت هذه الفرقة اعتقاداً آخر لا يقلّ خطورة عن سابقه اذ تكمن خطورته علي الشباب خاصة لان هذا الإعتقاد يفسّر معني الايمان المراد عند الله بأنه الايمان القلبي لا السلوك الخارجي، لان السلوك الخارجي قد يخادع به الانسان فالايمان الذي ينظر إليه الله تعالي هو الايمان القلبي أمّا الممارسات الخارجية فلا اعتبار لها، فإذا زنا الانسان أو شرب الخمر أو قتل نفساً فهذه تصرفات خارجية والمهم أن الانسان يعتقد قلبياً بالله تعالي.

كما روّج في هذه الفترة لفكرة الجبر والتي نشأت في زمن معاوية



[ صفحه 73]



واستفاد منها بنو العبّاس حيث تقول بأنا لسنا مخيّرين في أفعالنا فإذا شاء الله أن نصلّي صلّينا وإذا شاء أن نشرب الخمر شربنا وهكذا.

الملاحظ في كل هذه العقائد والافكار وأصحابها أنّها تخدم السلطة كل واحدة بطريقتها حيث تبرّر للحكّام تصرفاتهم البعيدة عن الاسلام بأفكار وأحكام اعتقادية وتهدّئ الجمهور الإسلامي حين توجّهه بهذه الافكار.

من هنا ندرك السبب الذي جعل من الحكام أن يسمحوا بالانتشار لهذه التيّارات الناشئة من أفكار منحرفة جاء بها اليهود وغيرهم الي العالم الإسلامي.

هذا هو عرض مختصر للظواهر والاحداث السياسية والثقافية والفكرية، التي برزت في عصر المنصور وكان الإمام موسي الكاظم (عليه السلام) معاصراً لها.

أمّا ما هو منهج الإمام وأساليبه ومواقفه في خضم هذه الاجواء المملؤة بالشبهات والتهم والتضييق؟!

هذا ما سوف نتناوله في الفصل الثاني ان شاء الله تعالي.



[ صفحه 75]