بازگشت

الإمام الكاظم وإحكام المواقع


ونتناول في هذا الاتجاه دور الإمام(عليه السلام) في إبرازه للقدرات الغيبية التي تميّز الإمام عن غيره من الادعياء وزعماء الفرق والطوائف الضالّة في زمانه، وبهذا قد لفت أنظار الاُمة وأعطاها حسّاً تقارن وتحاكم به هذه التيّارات وتفرز بين الحق والباطل بماامتلكته من مقاييس مستلهمة من مشاهد مثيرة حسية كان قد حققها الإمام(عليه السلام).

وهذا ينبئ عن محاولات إسقاط الحيرة الفكرية السائدة في هذه الفترة. والنشاطات التي قام بها الإمام (عليه السلام) في هذا الاتجاه هي كما يلي:

النشاط الأول: إخبار الإمام موسي(عليه السلام) لعامة الناس ببعض الغيبيات التي لا يمكن للانسان العادي أن يتوصّل اليها، والروايات التي تتضمّن هذا النوع من الإخبار كثيرة جداً ننقل بعضاً منها:

المثال الأول: عن اسحاق بن عمار قال: «سمعت العبد الصالح(عليه السلام) ينعي الي رجل من شيعته نفسه، فقلت في نفسي: وإنه ليعلم متي يموت الرجل من شيعته! فالتفت اليّ شبه المغضَب فقال: يا اسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا والإمام أولي بعلم ذلك، ثم قال: يا اسحاق اصنع ما أنت صانع فإنّ عمرك قد فني وقد بقي منه دون سنتين... فلم يلبث اسحاق بعد هذا المجلس إلاّ يسيراً حتي مات» [1] .

المثال الثاني: قال خالد بن نجيح: قلت لموسي(عليه السلام) إنّ أصحابنا قدموا من الكوفة وذكروا أن المفضّل شديد الوجع، فادع الله له. فقال(عليه السلام): «قد استراح»،



[ صفحه 77]



وكان هذا الكلام بعد موته بثلاثة أيّام [2] .

المثال الثالث: قال ابن نافع التفليسي: خلّفت والدي مع الحرم في الموسم وقصدت موسي بن جعفر(عليه السلام) فلما أن قربت منه هممت بالسلام عليه فأقبل عليّ بوجهه وقال: «برّ حجك ياابن نافع، آجرك الله في أبيك فإنّه قد قبضه إليه في هذه الساعة، فارجع فخذ في جهازه، فبقيت متحيراً عند قوله، وقد كنت خلّفته وما به علّة، فقال: ياابن نافع أفلا تؤمن؟ فرجعت فاذا أنا بالجواري يلطمن خدودهنّ فقلت: ما وراكنّ؟ قلن: أبوك فارق الدنيا، قال ابن نافع: فجئت إليه أسأله عمّا أخفاه ورائي فقال لي: أبداً ما أخفاه وراءك، ثم قال: يا ابن نافع ان كان في اُمنيتك كذا وكذا أن تسأل عنه فأنا جنب الله وكلمته الباقية وحجته البالغة» [3] .

النشاط الثاني: ومن قدرات الإمام(عليه السلام) الخارقة للعادة والتي تميّزه أيضاً عن غيره هي تكلّمه بعدّة لغات من غير أن يتعلّمها بالطرق الطبيعية للتعلّم، وإنّما بالالهام. وفي هذا المجال تطالعنا مجموعة من الشواهد:

الشاهد الأول: عن أبي بصير قال: دخلت علي أبي الحسن الماضي(عليه السلام)، ما لبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلّم الخراساني بالعربية، فأجابه هو بالفارسية.

فقال له الخراساني: أصلحك الله ما منعني أن اكلّمك بكلامي إلاّ أني ظننت أنك لا تحسن فقال: «سبحان الله! إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك؟!»

ثم قال: «يا أبا محمد إنّ الإمام لا يخفي عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة



[ صفحه 78]



ولا شيء فيه روح. بهذا يعرف الامام، فاذا لم تكن فيه هذه الخصال فليس هو بإمام» [4] .

الشاهد الثاني: روي عن أبي حمزة أنه قال: كنت عند أبي الحسن موسي(عليه السلام) اذ دخل عليه ثلاثون مملوكاً من الحبشة اُشتروا له، فتكلم غلام منهم ـ وكان جميلا ـ بكلام فأجابه موسي (عليه السلام) بلغته فتعجّب الغلام وتعجّبوا جميعاً وظنوا أنه لا يفهم كلامهم.

فقال له موسي(عليه السلام): «اني أدفع اليك مالا، فادفع الي كل (واحد) منهم ثلاثين درهماً».

فخرجوا وبعضهم يقول لبعض: «إنّه أفصح منا بلغتنا، وهذه نعمة من الله علينا.

قال علي بن أبي حمزة: فلما خرجوا قلت: يا ابن رسول الله! رأيتك تكلم هؤلاء الحبشيين بلغاتهم! قال: نعم. وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشيء دونهم؟

قال: نعم أمرته أن يستوصي بأصحابه خيراً وأن يُعطي كل واحد منهم في كل شهر ثلاثين درهماً، لأنّه لمّا تكلم كان أعلمهم، فانه من أبناء ملوكهم، فجعلته عليهم، وأوصيته بما يحتاجون إليه، وهو مع هذا غلام صدق.

ثم قال: لعلك عجبت من كلامي ايّاهم الحبشية؟ قلت: اي والله.

قال(عليه السلام): لا تعجب فما خفي عليك من أمري أعجب وأعجب» [5] .

الشاهد الثالث: قال بدر ـ مولي الإمام الرضا(عليه السلام) ـ: «إنّ اسحاق بن عمار دخل علي موسي بن جعفر (عليه السلام) فجلس عنده اذ استأذن عليه رجل خراساني



[ صفحه 79]



يكلّمه بكلام لم يسمع مثله قطّ كأنه كلام الطير.

قال اسحاق: فأجابه موسي(عليه السلام) بمثله وبلغته الي أن قضي وطره في مساءلته، فخرج من عنده، فقلت: ما سمعت بمثل هذا الكلام.

قال: هذا كلام قوم من أهل الصين وليس كل كلام أهل الصين مثله.

ثم قال: أتعجب من كلامي بلغته؟ قلت: هو موضع التعجب.

قال(عليه السلام): أُخبرك بما هو أعجب منه انّ الإمام يعلم منطق الطير، ومنطق كلّ ذي روح، وما يخفي علي الإمام شيء» [6] .


پاورقي

[1] اُصول الكافي: 1 / 484، ح 7، وفي الخرائج والجرائح: 1 / 310، ح 3: اسحاق بن منصور، وفي اثبات الهداة: 5 / 541، ح 78: اسماعيل بن منصور عن أبيه. وفي بحار الأنوار: 48 / 68، ح 90 ـ 91 عن الكافي والخرائج.

[2] بصائر الدرجات: 264 ح 10، واخبار معرفة الرجال: 329 ح 597، والخرائج والجرائح: 2 / 715 ح 13، وعنه في بحار الأنوار: 48 / 72.

[3] مناقب آل أبي طالب: 4 / 311 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 72.

[4] قرب الاسناد: 265، ح 1263 وعنه في بحار الأنوار: 25 / 133، ح 5، واثبات الهداة: 5 / 535 ح 72.

[5] قرب الاسناد: 262، ح 1257 وعنه في بحار الأنوار: 26 / 190 و 48 / 100، ودلائل الإمامة: 169، والخرائج والجرائح: 1 / 312، ح 5 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 70.

[6] دلائل الإمامة: 171 وعنه في مدينة المعاجز: 438 ح 38، والخرائج والجرائح: 1 / 313، ح 6 وعنه في كشف الغمة: 2 / 247 وبحار الأنوار: 48 / 70، ح 94.