بازگشت

الإمام الكاظم ومعالجة الانهيار الاخلاقي


لقد أصاب القيم الإسلامية ـ بفعل الاسباب التي ذكرناها ـ اهتزاز كبير وتعرّضت الاُمة الي هبوط معنوي وتميّع مشهود، تغذّيه وتحركه أيد سلطانية هادفة، هنا سلك الإمام الكاظم(عليه السلام) سبيلين من أجل أن يحدّ من هذا الانهيار الذي تعرّضت له الاُمة.

الأول عام. والثاني يختص بالجماعة الصالحة.

وقد اتّخذ الإمام(عليه السلام) أساليب عديدة للموعظة والإرشاد ومعالجة الانهيار الأخلاقي الذي أخذ ينتشر ويستحكم في أعظم الحواضر الإسلامية التي كان الإمام(عليه السلام) يتواجد فيها.

واستطاع الإمام(عليه السلام) من خلال توجيهه لمجموعة من طلاّب الحقيقة وتأثيره عليهم أن يربّي في المجتمع الإسلامي نماذج حيّة تكون قدوة للناس في كبح جماح الشهوات الهائجة وإطفاء نيران الهوي المشتعلة بسبب



[ صفحه 80]



المغريات المتنوّعة والتي كان يؤججها انسياب الحكّام في وادي الهوي نتيجة للثروات التي كانوا يحرصون علي جمعها ويقتّرون في إنفاقها إلاّ علي شهواتهم الي جانب اقتدارهم السياسي والعسكري.

وممّن تأثّر بالإمام الكاظم(عليه السلام) ولمع اسمه في حواضر المجتمع الإسلامي ; أبو نصر بشر بن الحارث بن عبدالرحمن المروزي الأصل البغدادي المسكن والذي أصبح من العرفاء الزهّاد بعد أن كان من أهل المعازف والملاهي، حيث تاب علي يدي الإمام الكاظم(عليه السلام) [1] .

وقد ذكر المؤرخون في سبب توبته أن الإمام(عليه السلام) حين اجتاز علي داره ببغداد سمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تعلو من داره، وخرجت منها جارية وبيدها قمامة فرمت بها في الطريق، فالتفت الإمام إليها قائلا: «يا جارية: صاحب هذه الدار حر أم عبد؟

فأجابت: (حر).

فقال(عليه السلام): صدقت، لو كان عبداً لخاف من مولاه.

ودخلت الجارية الدار، وكان بشر علي مائدة السكر، فقال لها: ما أبطأك؟ فنقلت له ما دار بينها وبين الإمام(عليه السلام) فخرج بشر مسرعاً حتي لحق الإمام(عليه السلام) فتاب علي يده، واعتذر منه وبكي [2] وبعد ذلك أخذ في تهذيب نفسه واتصل بالله عن معرفة وإيمان حتي فاق أهل عصره في الورع والزهد».

وقال فيه ابراهيم الحربي: ما أخرجت بغداد أتمّ عقلا، ولا أحفظ لساناً، من بشر بن الحارث كان في كل شعرة منه عقل [3] .



[ صفحه 81]



نعم لقد أعرض بشر ببركة توجيه الإمام الكاظم(عليه السلام) له وتنبيهه عن غفلته حتي أعرض عن زينة الحياة الدنيا ورضي بالقناعة وقال فيها: لو لم يكن في القناعة شيء إلاّ التمتع بعزّ الغناء (الغني) لكان ذلك يجزي.

وقال: «مروءة القناعة أشرف من مروءة البذل والعطاء» [4] .

وممّا رواه الخطيب البغدادي عنه أنه جعل يبكي يوماً ويضطرب ويقول: «اللهم إن كنت شهرتني في الدنيا ونوّهت باسمي ورفعتني فوق قدري علي أن تفضحني في القيامة، الآن فعجّل عقوبتي وخذ منّي بقدر ما يقوي عليه بدني» [5] .

وروي عن حجّاج بن الشاعر انّه كان يقول لسليمان اللؤلؤي: رؤي بشر ابن الحارث في النوم فقيل له: ما فعل الله بك يا أبا نصر؟ قال: غفر لي، وقال: يا بشر: ما عبدتني علي قدر ما نوّهت باسمك [6] .

وإذا تتبّعنا ما أثر عن الإمام الكاظم(عليه السلام) من كلمات وجدنا نصوصاً تشير الي اهتمامه بمعالجة الفساد الأخلاقي بشتّي نواحيه، فضلاً عن سيرته العطرة وسلوكه السويّ الذي كان قبلة للعارفين واُسوة للمتقين وشمساً مضيئة للمؤمنين وقمراً متلألئاً للمسلمين.

ونختار ممّا قاله الإمام(عليه السلام) بصدد معالجة الانهيار الأخلاقي ما يلي:

1 ـ «إنّ العاقل: الذي لا يشغل الحلال شكره ولا يغلب الحرام صبره».

2 ـ «من سلّط ثلاثاً علي ثلاث فكأنّما أعان هواه علي هدم عقله».

«من أظلم نور فكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه وأطفأ



[ صفحه 82]



نور عبرته بشهوات نفسه فكأنّما أعان هواه علي هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه».

3 ـ «رحم الله من استحيا من الله حقّ الحيا، فحفظ الرأس وما حوي والبطن وما وعي وذكر الموت والبِلي وعلم أن الجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات».

4 ـ «من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس».

5 ـ «من لم يعمل بالخطيئة أروح هماً ممّن عمل الخطيئة، وإن أخلص التوبة وأناب».

6 ـ «إنّ صغار الذنوب ومحقراتها من مكائد إبليس يحقّرها لكم ويصغّرها في أعينكم فتجتمع وتكثر وتحيط بكم».

7 ـ «إنّ الله حرّم الجنة علي كلّ فاحش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه» [7] .

وللإمام الكاظم(عليه السلام) معالجة شاملة وأساسية ذات اُسس قرآنية وتأريخية عريقة سوف تجدها بالتفصيل في وصيّته القيّمة لهشام في فصل تراثه(عليه السلام).


پاورقي

[1] الكني والألقاب: 2 / 67.

[2] الكني والالقاب: 2 / 167.

[3] تأريخ بغداد: 7 / 73.

[4] تاريخ بغداد: 7 / 79.

[5] تاريخ بغداد: 7 / 81.

[6] تاريخ بغداد: 7 / 83.

[7] تجد هذه النماذج وغيرها في فصل تراثه(عليه السلام).