بازگشت

الإمام الكاظم والتحديات الداخلية


وهنا ندرس بعض مواقف الإمام موسي الكاظم (عليه السلام) من جملة من التحدّيات الداخلية التي كان لها تأثير سلبي مباشر علي المذهب، ومنها تحدّيات السلطة لمرجعية الإمام العلمية.

الموقف الاول: إنّ موقف الإمام الكاظم(عليه السلام) من أخيه عبد الله (الافطح) لم يكن موقفاً عدائياً سافراً رغم أنه ادّعي الإمامة لنفسه [1] بعد أبيه. وهذا



[ صفحه 83]



الادعاء الخطير يؤثر علي الوجود الشيعي ومستقبله، فلم يكرّس(عليه السلام) كامل جهده وطاقاته لحلّ هذه المشكلة، ولم يسلك مساراً يضغط به من الخارج علي الخصم، ولم يفرض علي الصف الشيعي أن ينقسم الي فريقين الي أنصار وخصوم.

كما أنه(عليه السلام) لم يدخل الحرب النفسية ولا الكلامية وانما عالج هذا الشرخ الجديد بأسلوب هادئ، وكفيل بعلاج هذه الأزمة.

ويتضح ذلك مما يلي:

أوّلا: ترك للشيعة وعلمائها الحرية في أن تكتشف بنفسها كفاءة هذا المدّعي وعلميّته أو تكتشف غيرها من الطاقات فيما إذا كان يمتلكها، عن طريق الفحص المباشر، أو المقارنة بينه وبين الإمام موسي(عليه السلام) كما حدث مع مؤمن الطاق وهشام بن سالم الذين تقدم ذكرهما.

ثانياً: أبقي الإمام(عليه السلام) علاقته مع أخيه ودّية ولم يجعل من المشكلة سبباً للمقاطعة بدليل أنه دعاه للحضور في منزله كما تذكره الرواية التي سنذكرها بعد قليل.

ثالثاً: استخدم الإمام(عليه السلام) اسلوب المعجزة التي تميّزه عن عبد الله باعتباره(عليه السلام) اماماً مفترض الطاعة فقام(عليه السلام) باثبات ذلك أمام جمع من خواصّ الشيعة.

فقد قال المفضّل بن عمر: لمّا قضي الصادق(عليه السلام) كانت وصيّته في الإمامة الي موسي فادّعي أخوه عبد الله الإمامة وكان أكبر ولد جعفر في وقته ذلك هو المعروف بالافطح فأمر موسي(عليه السلام) بجمع حطب كثير فيوسط داره فأرسل الي أخيه عبدالله يسأله أن يصير إليه فلمّا صار عنده ومع موسي(عليه السلام) جماعة من وجوه الإمامية وجلس إليه أخوه عبدالله، أمر موسي(عليه السلام) أن يجعل النار في ذلك الحطب كله فأحترق كله ولا يعلم الناس السبب فيه، حتي



[ صفحه 84]



صارالحطب كله جمراً ثم قام موسي(عليه السلام) بثيابه في وسط النار وأقبل يحدّث الناس ساعة، ثم قام فنفض ثوبه ورجع الي المجلس، فقال لاخيه عبد الله: «ان كنت تزعم انك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس»، فقالوا: رأينا عبد الله قد تغير لونه، فقام يجرّ رداءه حتي خرج من دار موسي(عليه السلام) [2] .

والجدير بالذكر أن الطائفة التي اتبعته قد رجع أكثرهم بعد ذلك الي القول بإمامة أخيه «موسي الكاظم» لمّا تبيّنوا ضعف دعواه وقوّة رأي أبي الحسن «موسي الكاظم» ودلالة حقه، وبراهين امامته [3] .

الموقف الثاني: موقف الإمام موسي(عليه السلام) من العناصر التي تصدّت للمرجعية العلمية والدينية، وأصبحت فيما بعد مرجعاً عاماً يُدعم من قبل السلطان ويحظي برعايته، ليجعل منهم أدوات طيّعة تبرّر له سلوكه وخلافته.

وانطلاقاً من ضرورة الحفاظ علي الصيغ الاصيله، ومخافة أن تتعرض الشريعة للتحريف بسبب الاتّجاهات والمناهج التي وجدت في مدرسة الخلفاء.

تصدّي الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) لتلك المناهج والاتّجاهات وحاول أن يسلبها الصيغة الشرعية الزائفة التي كان يتمتع بها أصحابها حينما جعلوا في مواقع الفتيا في الدولة.

قال يونس بن عبد الرحمن: قلت: لأبي الحسن الأول (وهو الإمام الكاظم): بِمَ أُوحد الله؟

فقال(عليه السلام): «يا يونس لا تكونن مبتدعاً، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيّه ضلّ، ومن ترك كتاب الله وقول نبيّه كفر» [4] .



[ صفحه 85]



وقال الإمام الكاظم في موضع آخر: «مالكم والقياس؟! إنمّا هلك من هلك من قبلكم بالقياس» [5] .

ولم يقتصر الإمام(عليه السلام) علي إدانة هذا الاتّجاه فحسب وانما حاول أن يعرّف مواقع الخطأ والانحراف بشكل تفصيلي.

فعن محمد الرافعي أنه قال: كان لي ابن عم يقال له (الحسن بن عبدالله) وكان زاهداً وكان من أعبد أهل زمانه، وكان يلقاه السلطان، وربّما استقبله بالكلام الصعب يعظه ويأمر بالمعروف، وكان السلطان يحتمل له ذلك لصلاحه.

فلم يزل علي هذه الحالة، حتي كان يوماً دخل أبو الحسن موسي(عليه السلام) المسجد فرآه فأدناه إليه، ثم قال له: «يا أبا علي، ما أحبّ اليّ ما أنت فيه وأسرّني بك، إلاّ انه ليست لك معرفة، فاذهب فاطلب المعرفة.

قال: جعلت فداك وما المعرفة؟

قال: اذهب وتفقّه واطلب الحديث.

قال: عمن؟

قال: عن مالك بن أنس وعن فقهاء أهل المدينة، ثم اعرض الحديث عليّ.

قال: فذهب فتكلّم معهم، ثم جاءه فقرأه عليه فأسقطه كلّه» [6] .



[ صفحه 86]




پاورقي

[1] بصائر الدرجات: 251، ح 4، واُصول الكافي: 1 / 351، ح 7، واختيار معرفة الرجال: 282 ح 502، والارشاد: 2 / 221.

[2] الخرائج والجرائح: 1 / 308، ح 2 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 67 و47 / 251.

[3] الارشاد: 2 / 210 ـ 211.

[4] اُصول الكافي: 1 / 56 ـ 58.

[5] اُصول الكافي: 1 / 57، ح 16 وعنه في وسائل الشيعة: 27 / 42 ح 15.

[6] بصائر الدرجات: 254، و ط: 2 / 274، ح6، واُصول الكافي: 1 / 352، ح 8 باسم محمد الواقفي، والارشاد: 2 / 223 باسم الرافعي وعنه في اعلام الوري: 2 / 18، 19، وكشف الغمة: 3 / 13، 14، والخرائج والجرائح: 2 / 650 ح2، وفي بحار الأنوار: 48 / 52، ح 48 عن البصائر والارشاد والاعلام والخرائج.