بازگشت

المجال السياسي


قام الإمام (عليه السلام) بتوضيح موقفه تجاه الخلفاء والخلافة للاُمة، وان كلفه الموقف ثمناً قد يؤدّي بحياته.

لقد كان هذا التحرك من الإمام(عليه السلام) لئلا يتسرّب الفهم الخاطئ للنفوس ويكون تقريراً منه للوضع الحاكم أو يُتخذ سكوته ذريعة لتبرير المواقف الانهزامية.

من هنا نجد للإمام (عليه السلام) المواقف التالية:

الموقف الأول: لقد ذكرنا بأن المهدي العباسي عند تسلّمه زمام الحكم من أبيه المنصور أبدي سياسة مرنة مع العلويين أراد بها كسبهم وحاول أن ينسب من خلالها المظالم العبّاسية الي العهد البائد، ويوحي من جانب قوة الخلافة وشرعيتها وعدالتها عندما أعلن اعادة حقوق العلويين لهم وأصدر عفواً عاماً للمسجونين، وأرجع أموال الإمام الصادق(عليه السلام) الي الإمام الكاظم (عليه السلام).



[ صفحه 97]



من هنا وجد الإمام (عليه السلام) فرصته الذهبية لاستغلال هذه البادرة فبادر بمطالبة المهدي بارجاع فدك باعتبارها تحمل قيمة سياسية ورمزاً للصراع التأريخي بين خط السقيفة وخط أهل البيت (عليهم السلام).

فدخل علي المهدي فرآه مشغولا بردّ المظالم فقال له الإمام (عليه السلام): «ما بال مظلمتنا لا ترد؟!

فقال المهدي: وما ذاك يا أبا الحسن؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالي لمّا فتح علي نبيّه(صلي الله عليه وآله) فدك وماوالاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فأنزل الله علي نبيه (صلي الله عليه وآله): (وآت ذا القربي حقه) [1] فلم يدر رسول الله (صلي الله عليه وآله) من هم؟ فراجع في ذلك جبرئيل وراجع جبرئيل(عليه السلام) ربّه فأوحي الله اليه: ان ادفع فدك إلي فاطمة (عليها السلام).

فدعاها رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال لها: يا فاطمة إنّ الله أمرني أن أدفع إليك فدك، فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل وكلاؤها فيها في حياة رسول الله(صلي الله عليه وآله)، فلمّا ولّي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها فأتته فسألته أن يردّها عليها فقال لها: ايتيني بأسود أو أحمر يشهد بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين(عليه السلام) وأم أيمن فشهدا لها، فكتب لها بترك التعرّض فخرجت والكتاب معها. فلقيها عمر فقال: ماهذا معك يا بنت محمد؟ قالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة، قال: أرينيه فأبت، فانتزعه من يدها ونظر فيه ثم تفل فيه ومحاه وخرقه، فقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب فضعي الجبال في رقابنا.

فقال له المهدي: حدّها لي.

فقال(عليه السلام): حدّ منها جبل احد، وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحدّ منها دومة الجندل.

فقال المهدي: كل هذه حدود فدك؟!



[ صفحه 98]



فقال له الإمام(عليه السلام): نعم يا أمير المؤمنين هذا كلّه، إنّ هذا كله ممّا لم يوجف أهله علي رسول الله بخيل ولا ركاب.

فتغيّر المهدي وبدا الغضب علي وجهه حيث أعلن له الإمام(عليه السلام): أنّ جميع أقاليم العالم الإسلامي قد اخذت منهم، فانطلق قائلا: هذا كثير وأنظر فيه» [2] .

الموقف الثاني: في هذه المرحلة كان الإمام(عليه السلام) حريصاً علي تماسك الوجود الشيعي في وسط المجتمع الإسلامي ووحدة صفه، لان الظروف الصعبة، تشكّل فرصة لنفوذ النفوس الضعيفة والحاقدة بقصد التخريب.

وظاهرة القرابة والمحسوبية كانت أهم الركائز التي اعتمد عليها بناء الحكم العبّاسي، وكانت هي الحاكمة فوق كل المقاييس.

لذا نجد موقف الإمام(عليه السلام) من خطورة هذه الظاهرة كان حاسماً، إذ نراه يعلن عن مقاطعة عمّه محمّد بن عبدالله الأرقط أمام الناس تطهيراً للوجود الشيعي من أيّ عنصر مضر مهما كان نسبه قريباً من الإمام(عليه السلام)، فلم يسمح له بالتسلق وصولا للمواقع أو استغلالا لها.

فعن عمر بن يزيد قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) فذكر محمد بن عبدالله الأرقط فقال: «اني حلفت ان لا يظلّني وإيّاه سقف بيت.

فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبرّ والصلة ويقول هذا لعمّه!

قال: فنظر اليّ فقال: هذا من البر والصلة، انّه متي يأتيني ويدخل عليّ فيقول



[ صفحه 99]



يصدّقه الناس واذا لم يدخل عليّ، لم يقبل قوله إذا قال» [3] .

وزاد في رواية ابراهيم بن المفضّل بن قيس: «فاذا علم الناس أن لا اُكلّمه لم يقبلوا منه وأمسك عن ذكري فكان خيراً له» [4] .

الموقف الثالث: هو موقف الإمام الكاظم(عليه السلام) من ثورة الحسين بن علي ابن الحسن ـ صاحب ثورة فخ ـ بن الحسن المثني ابن الحسن المجتبي(عليه السلام).

إن الإمام الكاظم (عليه السلام) بالرغم من امتداد شيعة أبيه في أرجاء العالم الإسلامي لم يعمل في هذه المرحلة بصيغة المواجهة المسلّحة طيلة أيام حياته، حتي أعلن عن موقفه هذا من حكومة المهدي عندما حبسه المهدي ورأي الإمام علياً(عليه السلام) في عالم الرؤيا وقصّ رؤياه علي الإمام(عليه السلام) وقرر إطلاق سراحه، قال له: أفتؤمنني أن تخرج عليّ أو علي أحد من ولدي؟ فقال الإمام(عليه السلام): «والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني» [5] .

وهذا الموقف للإمام (عليه السلام) بقي كما هو مع حكومة موسي الهادي لأسباب موضوعية سبقت الاشارة الي بعضها إلاّ أن الإمام (عليه السلام) مارس دور الاسناد والتأييد لثورة الحسين ـ صاحب فخ ـ من أجل تحريك

ضمير الاُمة والارادة الإسلامية ضد التنازل المطلق عن شخصيتها وكرامتها للحكام المنحرفين.

ولمّا عزم الحسين علي الثورة قال له الإمام (عليه السلام): «إنّك مقتول فأحدّ الضراب فإنّ القوم فسّاق يظهرون إيماناً ويضمرون نفاقاً وشركاً فإنّا لله وإنّا إليه راجعون



[ صفحه 100]



وعند الله أحتسبكم من عُصبة» [6] .

ولمّا سمع الإمام الكاظم بمقتل الحسين رضي الله عنه بكاه وأبّنه بهذه الكلمات: «إنّا لله وإنا إليه راجعون، مضي والله مسلماً صالحاً، صوّاماً قوّاماً، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله» [7] .


پاورقي

[1] الإسراء (17): 26.

[2] اُصول الكافي: 1 / 543 ح2، بحار الأنوار: 48 / 156. ونقل السبط في تذكرة الخواص: 314 عن ربيع الأبرار للزمخشري: أن ذلك لم يكن من المهدي بل من هارون كان يقول لموسي الكاظم: خذ فدكاً، وهو يمتنع ويقول: إنّ حددتها لم تردها، فلمّا ألحّ عليه قال: ما أخذها إلاّ بحدودها، قال: وما حدودها؟ فقال... فعند ذلك استلفي أمره وعزم علي قتله.

[3] بحار الأنوار: 48 / 160 عن بصائر الدرجات: 64 ب 10 ح 5.

[4] بحار الأنوار: 48 / 159 عن قرب الاسناد: 232 ح 1174.

[5] تاريخ بغداد، وعنه في تذكرة الخواص: 311 ومطالب السؤول لابن طلحة الشافعي: 83 وعن الجنابذي في كشف الغمة: 3 / 2 ـ 3 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 148 ح 22.

[6] اُصول الكافي: 1 / 366 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 161، ح 6.

[7] بحار الأنوار: 48 / 165 عن مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني.