بازگشت

اعتقال الإمام الكاظم


لقد عرفنا عداء المهدي للعلويين بشكل عام بل لمن يتولاّهم، وما كان اخراجهم من السجون إلاّ لأنه أحسّ بأن حكومته لا تدوم لو استمرّ علي سيرة أبيه المنصور في التضييق عليهم، وقد أعرب عن سياسته بقوله:

اني أري التأديب بالصفح أبلغ منه بالعقوبة، والسلامة مع العفو أكثر منها مع العاجلة، والقلوب لا تبقي لوال لا يعطف اذا استعطف ولا يعفو إذا قدر، ولا يغفر إذا ظفر، ولا يرحم اذا استرحم، من قلّت رحمته واشتدّت سطوته وجب مقته وكثر مبغضوه [1] .

ولكن مع كل هذا نجد المهديّ ينكّل بوزيره المحبوب عنده (يعقوب بن داود) لأنه كان ذا ميل للعلويين، وبعد أن اختبره قال له: قد حلّ لي دمك ولو آثرت اراقته لأرقته ثم أمر بسجنه مؤبداً وصادر جميع أمواله [2] .

ومن هنا نستطيع أن نكتشف أن سبب أمر المهدي العباسي باعتقال الإمام موسي إنّما كان شيوع ذكر الإمام(عليه السلام) وانتشار اسمه وعلمه في الآفاق مما جعله يتصوّر أن بقاء ملكه لا يتمّ إلاّ باعتقاله.

وقد عرفت أن المهدي اضطرّ الي اطلاق سراح الإمام(عليه السلام) بعد أن رأي في المنام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) متأثّراً حزيناً مخاطباً إياه:



[ صفحه 112]



«يامحمد! (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)» ففزع المهدي من نومه.. وأمر باحضار الإمام وقصّ عليه رؤياه وطلب منه أن لا يخرج عليه أو علي أحد من ولده. ثم أعطاه ثلاثة آلاف دينار وردّه الي المدينة [3] .

ومات المهدي لثمان بقين من المحرم سنة (169 هـ) وهو ابن ثمان وأربعين سنة بعد أن خرج الي الصيد ودخل خربة أصاب بابها عمود ظهره أو أن بعض جواريه كانت قد دسّت له السم لانها كانت تغار من جارية كان يهواها ويخلص لها [4] .

وهكذا انتهت حياته بعد أن كان قد أخذ البيعة لابنه موسي وهارون بالخلافة من بعده.


پاورقي

[1] تاريخ اليعقوبي: 2 / 399 ـ 400.

[2] حياة الإمام موسي بن جعفر: 1 / 447 ـ 449 وفي تاريخ اليعقوبي: 2 / 401: وكان يعقوب جميل المذهب ميمون النقيبة، محبّاً للخير، كثير الفضل، حسن الهدي، ثم سخط عليه فعزله وحبسه، فلم يزل محبوساً حتي مات المهدي. وفي مروج الذهب: 3 / 312: ثم اختصّ به يعقوب بن داود السلمي فكان يصل إليه في كل وقت دون كل الناس.. ثمّ اتّهمه بشيء من أمر الطالبيين.. فبقي في حسبه إلي أيام الرشيد فأطلقه، ثم نقل فيه أقوالاً اُخري.

[3] تأريخ بغداد: 14 / 30 ـ 31، والمناقب: 4 / 325.

[4] تأريخ اليعقوبي: 2 / 401 وحياة الإمام موسي بن جعفر: 1 / 454.