بازگشت

موقف الرشيد من الإمام الكاظم


كان الرشيد شديد الحساسية والحقد علي الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) بالنسبة الي الخلفاء العبّاسيين الذين سبقوه، من هنا بدأ بمحاصرة الإمام ومراقبته بغية شل حركته ونشاطه، بطرق وأساليب متعددة وملتوية ومتطوّرة تمثّلت في الاستدعاءات المتعدّدة للبلاط ثم الاعتقالات المتكرّرة، ومحاولات الاغتيال بتصفية أتباع الإمام(عليه السلام) وشيعته، وزجّ البعض في السجون بعد بثّه للجواسيس بشكل مكثّف ورصد ومُتابعة كل حركة تصدر من الإمام وأصحابه وإكرام الوشاة وتشجيعهم فيما إذا جاءوا بمعلومة سرّية عن الإمام حتي انه كانت تقدم رؤوس العلويين كهدايا للرشيد باعتبارها من الاُمور الثمينة عنده.

واستخدم الرشيد سياسته هذه مع الإمام علي المدي البعيد وأراد فيها تطويق الإمام(عليه السلام) وعزله بشكل تام وقطع كل أواصر الارتباط مع الاُمة.

واتّسمت سياسة الرشيد العدوانية مع الإمام بأنها كانت منذ بويع للخلافة تراوحت بين السجن والاتّهام السياسي مرّة والاكرام والتعظيم نفاقاً مرة اُخري.

وسوف نستعرض مجموعة النصوص التي وردت في هذا الصدد لنقف علي مجموعة الأساليب الصريحة والملتوية والمتطوّرة التي سلكها هذا الطاغية لتصفية حركة أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم.

الطائفة الاولي:

تتضمّن أساليب الرشيد مع الإمام والتي تدور بين اكرام الإمام مرة



[ صفحه 127]



والتخطيط لقتله مرّة اخري، والاعتراف بكونه الإمام المفترض الطاعة مرّة ثالثة.

1 ـ جاء عن الفضل أنه قال: «كنت أحجب الرشيد، فأقبل عليّ يوماً غضباناً، وبيده سيف يقلّبه. فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول الله(صلي الله عليه وآله) لئن لم تأتني بابن عمي لآخذن الذي فيه عيناك.

فقلت: بمن أجيئك؟ فقال: بهذا الحجازي. قلت: وأيّ الحجازيين؟ قال: موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

قال الفضل: فخفت من الله عزّ وجلّ إن جئت به إليه، ثم فكرت في النقمة، فقلت له: أفعل. فقال: ائتني بسوطَين وحصارَين [1] وجلاّدين.

قال: فأتيته بذلك ومضيت الي منزل أبي ابراهيم موسي بن جعفر(عليه السلام) فأتيت الي خربة فيها كوخ [2] من جرائد النخل فإذا أنا بغلام أسود.

فقلت له: استأذن لي علي مولاك يرحمك الله. فقال لي: لج [3] ليس له حاجب ولا بوّاب. فولجت إليه، فإذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده.

فقلت له: السلام عليك ياابن رسول الله، أجب الرشيد.

فقال: ما للرشيد ومالي؟ أما تشغله نعمته عنّي؟ ثم قام مسرعاً، وهو يقول: لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله(صلي الله عليه وآله): إنّ طاعة السلطان للتقية واجبة [4] إذن ما جئت.



[ صفحه 128]



فقلت له: استعد للعقوبة يا أبا ابراهيم رحمك الله، فقال(عليه السلام): أليس معي من يملك الدنيا والآخرة، ولن يقدر اليوم علي سوء لي ان شاء الله.

قال الفضل بن الربيع: فرأيته وقد أدار يده يلوح بها علي رأسه ثلاث مرات.

فدخلت علي الرشيد، فإذا هو كأنه امرأة ثكلي قائم حيران فلمّا رآني قال لي: يا فضل. فقلت: لبيك. فقال: جئتني بابن عمّي؟ قلت: نعم. قال: لا تكون أزعجته؟ فقلت: لا. قال: لا تكون أعلمته أني عليه غضبان؟ فإني قد هيّجت علي نفسي ما لم أرده، أئذن له بالدخول. فأذنت له.

فلمّا رآه وثب اليه قائماً وعانقه وقال له: مرحباً بابن عمي وأخي ووارث نعمتي، ثم أجلسه علي مِخَدّة وقال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال(عليه السلام): سعة ملكك وحبّك للدنيا.

فقال: ائتوني بحقة الغالية [5] فاُتي بها فغلفه بيده، ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير.

قال الفضل: فتبعته(عليه السلام) فقلت له: ما الذي قلت حتي كُفيت أمر الرشيد؟

فقال: دعاء جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان إذا دعا به، ما برز الي عسكر إلاّ هزمه ولا الي فارس إلاّ قهره، وهو دعاء كفاية البلاء. قلت: وما هو؟ قال: قل:

اللهم بك أساور، وبك أُحاول (وبك أحاور)، وبك أصول، وبك انتصر، وبك أموت، وبك أحيا، أسلمت نفسي اليك، وفوّضت أمري اليك، لا حول ولا قوّة إلاّ



[ صفحه 129]



بالله العلي العظيم.

اللهم انك خلقتني ورزقتني وسترتني، وعن العباد بلطف ما خوّلتني أغنيتني، وإذا هويت رددتني، وإذا عثرت قوّمتني، وإذا مرضت شفيتني، وإذا دعوت اجبتني يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني» [6] .

2 ـ يصوّر لنا عبدالله المأمون بن الرشيد ذلك المستوي من الفهم الذي يمتلكه الرشيد ازاء الإمام. والذي اعترف به من خلال الاكرام والاجلال الذي قام به الرشيد للإمام الكاظم(عليه السلام) والذي يستبطن مدي الحقد والبغض، ويكشف هذا المشهد ثقل الإمام الشعبي الذي دفع بالرشيد الي أن يفتعل هذا المشهد من أجل اضلال الجماهير.

قال المأمون: لقد حججت معه (الرشيد) سنة فلما صار الي المدينة تقدم الي حجابه وقال: لايدخلنّ عليّ رجل من أهل المدينة ومكة من أبناء المهاجرين والانصار وبني هاشم وسائر بطون قريش إلاّ نسب نفسه، فكان الرجل اذا أراد أن يدخل عليه يقول: أنا فلان ابن فلان حتي ينتهي الي جدّه من هاشم أو قريش وغيرهما فيدخل ويصله الرشيد بخمسة آلاف وما دونها الي مائتي دينار علي قدر شرفه وهجرة آبائه.

فبينما أنا ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن الربيع فقال: يا أمير المؤمنين علي الباب رجل زعم انه موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام) فأقبل علينا ونحن قيام علي رأسه والأمين والمؤتمن وسائر القوّاد، وقال احفظوا علي أنفسكم.



[ صفحه 130]



ثم قال لآذنه ائذن له ولا ينزل إلاّ علي بساطي، فأنا كذلك إذ دخل شيخ قد انهكته العبادة كأنه شن بال قد كلم السجود وجهه وأنفه، فلما رأي الرشيد رمي بنفسه عن حمار كان يركبه فصاح الرشيد: لا والله إلاّ علي بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظرنا إليه بأجمعنا بالاجلال والاعظام، فما زال يسير علي حماره حتي سار الي البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به.

فنزل وقام اليه الرشيد واستقبله الي آخر البساط وقبّل وجهه ورأسه وأخذ بيده حتي جرّه في صدر المجلس وأجلسه معه وجعل يحدّثه ويقبل عليه ويسأله عن أحواله.

ولمّا قام الرشيد لقيامه وودّعه، ثم أقبل عليّ وعلي الأمين والمؤتمن، وقال: يا عبدالله ويا محمد ويا ابراهيم: سيروا بين يدي عمّكم وسيدّكم وخذوا بركابه وسوّوا عليه ثيابه [7] .

3 ـ قال المأمون: فلمّا خلا المجلس قلت: يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي عظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟!

قال: هذا إمام الناس، وحجة الله علي خلقه، وخليفته علي عباده.

فقلت: يا أمير المؤمنين أوليست هذه الصفات كلّها لك وفيك؟!

فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسي بن جعفر إمام حق.

والله يا بنيّ انه لأحقّ بمقام رسول الله (صلي الله عليه وآله) مني ومن الخلق جميعاً، والله لو



[ صفحه 131]



نازعتني هذا الأمر لاخذت الذي فيه عيناك فإن الملك عقيم [8] .

ونلاحظ أن هذا التصريح من الرشيد والاعتراف بحقانية امامة الكاظم(عليه السلام) كان أمراً سرياً.

4 ـ قال المأمون: فلما أراد الرشيد الرحيل من المدينة الي مكة أمر بصرّة فيها مائتا دينار، ثم أقبل علي الفضل بن الربيع فقال له: اذهب بهذه الي موسي ابن جعفر(عليه السلام) وقل له: يقول لك أمير المؤمنين نحن في ضيق وسيأتيك برّنا بعد هذا الوقت.

فقمت في صدره فقلت: يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، وبني هاشم، ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة الآف دينار الي ما دونها وتعطي موسي بن جعفر ـ وقد أعطيته مائتي دينار ـ أخسّ عطية أعطيتها أحداً من الناس؟!

فقال: اسكت لا أمّ لك، فإني لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة الف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم [9] .

الطائفة الثانية:

نختار في هذه الطائفة ما يصوّر لنا أساليب الرشيد مع الإمام والتي يبتغي من ورائها احراج الإمام مرّة والاستهانة به مرّة أُخري لعله يعجزه أمام الناس



[ صفحه 132]



ويثبت لهم فشله وعدم جدارته.

ولنري موقف الإمام(عليه السلام) ازاء هذه الاحراجات والاستهانات وكيف تخلّص منها منتصراً.

1 ـ من أساليب الرشيد مع الإمام (عليه السلام) التي كان يهدف منها تخويف الإمام (عليه السلام) واستضعافه، هو اتهامه بأعمال سياسية محظورة بنظر الخلافة، مثل جبابة الخراج.

وعن هذا الإتّهام يحدّثنا الإمام موسي(عليه السلام) نفسه حيث يقول: «لمّا اُدخلت علي الرشيد سلّمت عليه فردّ عليّ السلام ثم قال: يا موسي بن جعفر خليفتين يُجبي اليهما الخراج؟!»

فقلت: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا، فقد علمت أنه قد كُذب علينا منذ قبض رسول الله(صلي الله عليه وآله) بما عِلمُ ذلك عندك، فإن رأيت بقرابتك من رسول الله(صلي الله عليه وآله) أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي، عن آبائه، عن جدي رسول الله(صلي الله عليه وآله)؟! فقال: قد أذنت لك فقلت: أخبرني أبي عن آبائه عن جدي رسول الله(صلي الله عليه وآله) أنه قال: إنّ الرحم إذا مسّت الرحم تحرّكت واضطربت.

ثم سأله الرشيد عن أفضلية أهل البيت (اولاد علي) علي بني العباس فأجابه الإمام(عليه السلام) عن الأدلة علي هذا التفضيل بعد أن أخذ منه الأمان. ثم أطلق سراحه» [10] .

وإليك نصّ ما دار بين الإمام(عليه السلام) وبين الرشيد كما رواه الصدوق:

قال الرشيد للإمام(عليه السلام):



[ صفحه 133]



«أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين، لم أسأل عنها أحداً فإن أنت أجبتني عنها خلّيت عنك، ولم أقبل قول أحد فيك، وقد بلغني أنّك لم تكذب قطّ فاصدقني عمّا أسألك ممّا في قلبي.

فقلت: ما كان علمه عندي فإنّي مُخبرك به ان أنت آمنتني؟ قال: لك الأمان ان صدقتني وتركت التقيّة التي تعرفون بها معشر بني فاطمة.

فقلت ليسأل أمير المؤمنين عمّا شاء؟ قال: أخبرني لم فضّلتم علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد، أنّا بنو العبّاس وأنتم ولد أبي طالب، وهما عمّا رسول الله(صلي الله عليه وآله) وقرابتهما منه سواء؟

فقلت: نحن أقرب. قال: وكيف ذلك؟

قلت: لأن عبدالله وأبا طالب لأب وأمّ وأبوكم العبّاس ليس هو من أم عبدالله، ولا من أمّ أبي طالب قال: فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبي(صلي الله عليه وآله)؟ والعمّ يحجب ابن العمّ، وقبض رسول الله(صلي الله عليه وآله) وقد توفي أبو طالب قبله، والعبّاس عمه حيّ؟

فقلت له: ان رأي أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة ويسألني عن كلّ باب سواه يريده فقال: لا أو تجيب.

فقلت: فآمنّي؟ قال: قد آمنتك قبل الكلام.

فقلت: إنّ في قول علي بن أبي طالب(عليه السلام) اذن ليس مع ولد الصّلب ذكراً كان أو اُنثي لأحد سهم إلاّ للأبوين والزوج والزوجة، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث، ولم ينطق به الكتاب، إلاّ أنّ تيماً وعدياً وبني أمية قالوا: العم والد رأياً منهم بلا حقيقة، ولا أثر عن النبي(صلي الله عليه وآله).

ومن قال بقول علي(عليه السلام) من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا نوح بن درّاج يقول في هذه المسألة بقول علي(عليه السلام) وقد حكم به، وقد ولاّه أمير المؤمنين المصرين



[ صفحه 134]



الكوفة والبصرة، وقد قضي به فأنهي الي أمير المؤمنين فأمر باحضاره واحضار من يقول بخلاف قوله منهم سفيان الثوري، وابراهيم المدني والفضيل بن عيّاض فشهدوا أنه قول علي(عليه السلام) في هذه المسألة فقال لهم ـ فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز ـ: فلم لا تفتون به وقد قضي به نوح بن درّاج؟ فقالوا جسر نوح وجبنا وقد أمضي أمير المؤمنين قضّيته بقول قدماء العامة عن النبي(صلي الله عليه وآله) أنّه قال: علي أقضاكم، وكذلك قال عمر بن الخطاب علي أقضانا، وهو إسم جامع لأن جميع ما مدح به النبي(صلي الله عليه وآله) أصحابه من القراءة والفرائض والعلم داخل في القضاء. قال: زدني يا موسي.

قلت: المجالس بالأمانات وخاصّة مجلسك؟ فقال: لابأس عليك.

فقلت: إنّ النبي(صلي الله عليه وآله) لم يورّث من لم يُهاجر، ولا أثبت له ولاية حتّي يهاجر فقال: ماحجّتك فيه؟

قلت: قول الله تبارك وتعالي: (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتي يُهاجروا) [11] وإنّ عمّي العبّاس لم يُهاجر، فقال لي: أسألك ياموسي هل أفتيت بذلك أحداً من أعدائنا؟ أم أخبرت أحداً من الفقهاء في هذه المسألة بشيء؟

فقلت: اللهم لا، وما سألني عنها إلاّ أمير المؤمنين. ثم قال: لم جوّزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم الي رسول الله(صلي الله عليه وآله) ويقولون لكم: يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي وانّما يُنسب المرء الي أبيه وفاطمة انّما هي وعاء، والنبي(صلي الله عليه وآله) جدّكم من قبل أمكم؟

فقلت: يا أمير المؤمنين لو أن النبي(صلي الله عليه وآله) نُشر فخطب اليك كريمتك هل كنت تجيبه؟



[ صفحه 135]



فقال: سبحان الله ولم لا أجيبه؟! بل أفتخر علي العرب والعجم وقريش بذلك.

فقلت: لكنّه (صلي الله عليه وآله) لايخطب اليّ ولا أزوجه، فقال: ولم؟

فقلت: لأنه ولدني ولم يلدك، فقال: أحسنت يا موسي. ثم قال: كيف قلتم انّا ذريّة النبي، والنبي(صلي الله عليه وآله) لم يعقب؟ وانّما العقب للذكر لا للانثي، وأنتم ولد الابنة، ولا يكون لها عقب؟

فقلت: اسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلاّ ما أعفيتني عن هذه المسألة.

فقال: لا أوتخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي، وأنت يا موسي يعسوبهم، وإمام زمانهم، كذا اُنهي الي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتي تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، فأنتم تدّعون معشر ولد علي أنّه لا يسقط عنكم منه شيء (ألف ولا واو) إلاّ وتأويله عندكم،واحتججتم بقوله عزّ وجلّ (ما فرّطنا في الكتاب من شيء) [12] وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.

فقلت: تأذن لي في الجواب؟ قال: هات.

فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (ومن ذريته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسي وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيي وعيسي) [13] من أبو عيسي يا أمير المؤمنين؟ فقال: ليس لعيسي أب.

فقلت: انّما ألحقناه بذراري الأنبياء (عليهم السلام) من طريق مريم (عليها السلام)، وكذلك الحقنا بذراري النبي(صلي الله عليه وآله) من قبل أمّنا فاطمة (عليها السلام). أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال: هات.

قلت: قول الله عزّ وجلّ (فمن حاجّك فيه من بعد ما جآءك من العلم فقل تعالوا ندع



[ صفحه 136]



أبناءنا وأبناءكم ونساءناونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين) [14] ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبي (صلي الله عليه وآله) تحت الكساء عند مباهلة النصاري إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم السلام) فكان تأويل قوله عزّ وجلّ أبناءنا: الحسن والحسين، ونساءنا: فاطمة، وأنفسنا: علي بن أبي طالب.

إنّ العلماء قد أجمعوا علي أنّ جبرئيل قال يوم اُحد: يا محمد إنّ هذه لهي المواساة من علي قال: لأنّه منّي وأنا منه فقال جبرئيل: وأنا منكما يا رسول الله ثمّ قال: «لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي»، فكان كما مدح الله عزّ وجلّ به خليله(عليه السلام) إذ يقول: (فتيً يذكرهم يقال له ابراهيم) [15] انّا معشر بني عمك نفتخر بقول جبرئيل انّه منّا. فقال: أحسنت يا موسي ارفع الينا حوائجك.

فقلت له: أوّل حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع الي حرم جدّه(عليه السلام) والي عياله فقال: ننظر ان شاء الله» [16] .

2 ـ اتّهام الإمام بانحرافات فكرية لكسر هيبة الإمام(عليه السلام) وتبرير اضطهاده.

قال هارون للإمام الكاظم(عليه السلام): «بقي مسألة تخبرني بها ولا تضجر.

فقال له الإمام(عليه السلام) سل. فقال: خبّروني أنكم تقولون أن جميع المسلمين عبيدنا، وجوارينا، وأنّكم تقولون: من يكون لنا عليه حق ولا يوصله الينا فليس بمسلم.



[ صفحه 137]



فقال له موسي(عليه السلام): كذب الذين زعموا اننّا نقول ذلك، واذا كان الأمر كذلك فكيف يصح البيع والشراء عليهم ونحن نشتري عبيداً وجواري ونقعد معهم ونأكل معهم ونشتري المملوك ونقول له: يا بنيّ، وللجارية:يا بنتي ونقعدهم يأكلون معنا تقرّباً الي الله سبحانه فلو انهم عبيدنا وجوارينا ما صح البيع والشراء...» [17] .

3 ـ هناك محاولة اُخري لإحراج الإمام(عليه السلام) والاستهانة به وكانت في مجلس هارون الرشيد حينما حضره حكيم هندي، ويبدو أن الرشيد قد قصد حضور هذا الحكيم الهندي مع الإمام وخطط لادانة الإمام عمليّاً. كما يبدو ذلك من خلال تعليقة الرشيد بعد استسلام الحكيم الهندي لعلم الإمام(عليه السلام).

«حضر مجلس الرشيد هنديّ حكيم، فدخل الإمام الكاظم(عليه السلام) فرفع الرشيد مقامه، فحسده الهندي وقال: اغتنيت بعلمك عن غيرك، فكنت كما قال تعالي: (كلاّ إنَّ الإنسان ليطغي أن رآه استغني) [18] .

فقال(عليه السلام) أخبرني، الصور الصدفية إذا تكاملت فيها الحرارة الكلية، وتواترت عليها الحركات الطبيعية، واستحكمت فيها القوي العنصرية، صارت اخصاصاً عقلية، أم أشباحاً وهميّة؟

فبهت الهندي وقبّل رأس الإمام(عليه السلام) وقال: كلّمتني بكلام لاهوت، من جسم ناسوت.

فقال الرشيد: كلما أردنا ان نضع أهل هذا البيت أبي الله إلاّ أن يرفعه.

فقال(عليه السلام): (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره



[ صفحه 138]



الكافرون)» [19] [20] .

4 ـ يُبرز لنا هذاالمشهد احدي محاولات الاغتيال التي كان قد أعدّها الرشيد للإمام موسي(عليه السلام) وفشلها بالتسديد الإلهي.

لمّا همّ هارون الرشيد بقتل الإمام موسي بن جعفر(عليه السلام) دعا الفضل بن الربيع وقال له: قد وقعت لي اليك حاجة أسألك أن تقضيها ولك مائة ألف درهم.

قال: فخرّ الفضل عند ذلك ساجداً وقال، أمرٌ أم مسألة؟ قال: بل مسألة.

ثم قال: أمرت بأن تحمل الي دارك في هذه الساعة مائة ألف درهم، وأسألك أن تصير الي دار موسي بن جعفر وتأتيني برأسه.

قال الفضل: فذهبت الي ذلك البيت فرأيت فيه موسي بن جعفر وهو قائم يصلي، فجلست حتي قضي صلاته، وأقبل(عليه السلام) اليّ وتبسّم وقال: «عرفت لماذا حضرت، أمهلني حتي اُصلي ركعتين».

قال: فأمهلته فقام وتوضأ فأسبغ الوضوء، وصلّي ركعتين وأتمّ الصلاة بحسن ركوعها وسجودها، وقرأ خلف صلاته بهذا الحرز فاندرس وساخ في مكانه، فلا أدري أأرض ابتلعته؟ أم السماء اختطفته؟

فذهبت الي هارون وقصصت عليه القصة. قال: فبكي هارون، ثم قال: قد أجاره الله مني [21] .



[ صفحه 139]




پاورقي

[1] آلة العصر والكبس.

[2] بيت من قصب.

[3] ولج البيت دخل فيه.

[4] روي الصدوق في أماليه: 277 / ح 2 باسناده عن أنس قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «طاعة السلطان واجبة، ومن ترك طاعة السلطان فقد ترك طاعة الله، ودخل في نهيه،ان الله عزوجل يقول: (ولا تلقوا بأيديكم الي التهلكة). البقرة (2): 195».

[5] الغالية: جمعها غوال: اخلاط من الطيب وتغلّي: تطيّب بالغالية.

[6] عيون أخبار الرضا: 1 / 76، ح 5 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 215، ح16.

[7] عيون أخبار الرضا: 1 / 88، ح 1، بحار الأنوار: 48 / 129، ح 4، وحلية الأبرار: 2 / 169، ومدينة المعاجز: 449 ح74، ومستدرك الوسائل: 2 / 52. إثبات الهداة: 5 / 511، ح29.

[8] عيون أخبار الرضا: 1 / 88 / ح11، وبحار الأنوار: 48 / 129 / ح 4، ومدينة المعاجز: 499 / ح74، وحلية الأبرار: 2 / 269، واثبات الهداة: 5 / 511 / ح29، ومستدرك الوسائل: 2 / 52، ح5.

[9] عيون أخبار الرضا: 1 / 88 ح 11، البحار: 48 / 129 ح 4.

[10] عيون أخبار الرضا: 1 / 81، ح9 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 125.

[11] الانفال (8): 72.

[12] الانعام (6): 38.

[13] الأنعام (6): 84 ـ 85.

[14] آل عمران (3): 61.

[15] الأنبياء (21): 60.

[16] عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1 / 81.

[17] بحار الأنوار: 48 / 146.

[18] العلق (96): 6 ـ 7.

[19] الصف: (61): 8.

[20] عوالم العلوم: الإمام موسي بن جعفر: 1 / 314، عن الصراط المستقيم: 2 / 194.

[21] بحار الأنوار: 94 / 332 عن مهج الدعوات: 30 ـ 33، وعوالم العلوم (الإمام موسي بن جعفر): 284.