بازگشت

المجال التربوي


إنّ وصايا الإمام الكاظم(عليه السلام) وتوجيهاته لشيعته تلاحظ حاجة الواقع الموجود لاكمال بناء هذه الجماعة الصالحة باتّجاه الاهداف النهائية التي رسمها أهل البيت(عليهم السلام) لها.

ومن هنا نجد الإمام(عليه السلام) يتابع شيعته ويشرف علي تكامل بناء هذه الجماعة وأفرادها فيقوم بتطبيق ما يدعو اليه عملياً لتشكل خطواته نموذجاً ومناراً يهتدي به أبناء مدرسته.ولهذا المجال يمكن أن نستشهد بعدّة أمثلة:

المثال الأول: «موقفه(عليه السلام) من علي بن يقطين عندما أراد أحد المؤمنين أن يدخل علي علي بن يقطين ولم يأذن له لنلاحظ تعبير الإمام (بأخيك) ليؤكد



[ صفحه 147]



أن وجودك يا علي في هذا المنصب هو لخدمة هؤلاء لا لشيء ومن هنا أذن له الإمام بالبقاء بل أمره بالبقاء عندما أراد أن يعتزل من هذا الموقع.

عن محمد بن علي الصوفي قال: استأذن ابراهيم الجمّال ـ رضي الله عنه ـ علي أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه.

فحجّ علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة علي مولانا موسي ابن جعفر(عليه السلام) فحجبه.

فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين: يا سيدي ما ذنبي؟ فقال(عليه السلام): حجبتك لأنك حجبت أخاك ابراهيم الجمّال وقد أبي الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك ابراهيم الجمّال.

فقلت: سيدي ومولاي من لي بابراهيم الجمّال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟

فقال (عليه السلام): اذا كان الليل فامض الي البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك واركب نجيباً هناك مسرّجاً.

قال: فوافي البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه علي باب ابراهيم الجمّال بالكوفة.

فقرع الباب وقال: أنا علي بن يقطين

فقال ابراهيم الجمّال من داخل الدار: وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟!

فقال علي بن يقطين: يا هذا إنّ أمري عظيم وآلي عليه أن يأذن له، فلمّا دخل قال: يا ابراهيم إنّ المولي(عليه السلام) أبي أن يقبلني أو تغفر لي، فقال: يغفر الله لك.



[ صفحه 148]



فآلي علي بن يقطين علي ابراهيم الجمّال أن يطأ خدّه فامتنع ابراهيم من ذلك فآلي عليه ثانياً ففعل.

فلم يزل ابراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول: اللّهم اشهد، ثم انصرف وركب النجيب، وأناخه في ليلته بباب المولي موسي بن جعفر(عليه السلام) بالمدينة فأذن له ودخل عليه فقبله» [1] .

المثال الثاني: حرص الإمام موسي(عليه السلام) علي قضاء حوائج المؤمنين واهتم بها وهو في أحلك الظروف وأشدّها قساوة، فقد حثّ الشيعة علي التمسك بهذا المبدأ الأخلاقي، بل أمر بعض الخواص بالبقاء في جهاز السلطة الظالمة لأجل قضاء حوائج المؤمنين.

من هنا ندرك مستوي اهتمامه ومدي سعيه لتحقيق هذا المبدأ في فكر وسلوك أبناء الجماعة الصالحة.

عن محمد بن سالم قال: «لمّا حمل سيدي موسي بن جعفر(عليه السلام) الي هارون جاء إليه هشام بن ابراهيم العباسي، فقال له: يا سيدي قد كُتب لي صك الي الفضل بن يونس تسأله أن يروح أمري.

قال: فركب إليه أبو الحسن(عليه السلام) فدخل عليه حاجبه فقال: يا سيدي! أبو الحسن موسي بالباب فقال: فإن كنت صادقاً فأنت حرّ ولك كذا وكذا!

فخرج الفضل بن يونس حافياً يعدو حتي خرج إليه: فوقع علي قدميه يُقبّلهما ثم سأله أن يدخل، فدخل فقال له: اقض حاجة هشام بن ابراهيم»، فقضاها [2] .



[ صفحه 149]



المثال الثالث: تسديد الإمام(عليه السلام) لمهمة علي بن يقطين ودعمه له:

روي عن علي بن يقطين: «أنه كتب الي موسي بن جعفر(عليه السلام): اُختلف في المسح علي الرجلين، فإن رأيت أن تكتب ما يكون عملي عليه فعلت.

فكتب أبو الحسن(عليه السلام): الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثاً وتستنشق ثلاثاً،وتغسل وجهك ثلاثاً، وتخلّل شعر لحيتك ثلاثاً، وتغسل يديك ثلاثاً، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنها وتغسل رجليك ثلاثاً، ولا تخالف ذلك الي غيره، فامتثل أمره وعمل عليه.

فقال الرشيد: أحبّ أن أستبرئ أمر علي بن يقطين، فإنهم يقولون انه رافضي، والرافضة يخففون في الوضوء. فناطه بشيء من الشغل في الدار، حتي دخل وقت الصلاة، ووقف الرشيد وراء حائط الحجرة بحيث يري علي بن يقطين ولا يراه هو، وقد بعث اليه بالماء للوضوء فتوضّأ كما أمره موسي(عليه السلام).

فقام الرشيد وقال: كذب من زعم أنك رافضي.

فورد علي علي بن يقطين كتاب موسي بن جعفر(عليه السلام) توضأ من الآن كما أمر الله: اغسل وجهك مرّة فريضة، والآخري اسباغاً، فاغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح مقدّم رأسك، وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما يخاف عليك» [3] .

وعن ابن سنان «أنّ الرشيد حمل في بعض الأيام الي علي بن يقطين ثياباً أكرمه بها وكان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب.

فأنفذ علي بن يقطين جل تلك الثياب الي أبي الحسن موسي



[ صفحه 150]



ابن جعفر(عليه السلام) وانفذ في جملتها تلك الدراعة، وأضاف اليها مالا كان أعدّه له علي رسم له فيما يحمله اليه من خمس ماله.

فلمّا وصل ذلك الي أبي الحسن قبل المال والثياب، وردّ الدراعة علي يد الرسول الي علي بن يقطين وكتب اليه: ان احتفظ بها، ولا تخرجها عن يدك، فسيكون لك بها شأن، تحتاج اليها معه، فارتاب علي بن يقطين بردّها عليه، ولم يدر ما سبب ذلك، فاحتفظ بالدراعة.

فلمّا كان بعد أيّام تغيّر علي بن يقطين علي غلام كان يختص به فصرفه عن خدمته، وكان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين الي أبي الحسن(عليه السلام) ويقف علي ما يحمله اليه في كل وقت من مال وثياب وألطاف وغير ذلك.

فسعي به الي الرشيد فقال: انه يقول بإمامة موسي بن جعفر، ويحمل خمس ماله في كل سنة وقد حمل اليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين فيوقت كذا وكذا.

فاستشاط الرشيد لذلك، وغضب غضباً شديداً، وقال لاكشفنّ عن هذه الحال فإن كان الأمر كما يقول أزهقت نفسه.

وأنفذ في الوقت باحضار علي بن يقطين فلمّا مثل بين يديه، قال له: ما فعلت بالدراعة التي كسوتك بها؟

قال: هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم، فيه طيب، وقد احتفظت بها، وقلّما أصبحت الاّ وفتحت السفط، فنظرت اليها تبركاً بها، وقبّلتها ورددتها الي موضعها وكلما أمسيت صنعت مثل ذلك.

فقال: أحضرها الساعة قال: نعم يا أمير المؤمنين، واستدعي بعض خدمه، وقال له: إمض الي البيت الفلاني من الدار، فخذ مفتاحه من خزانتي فافتحه وافتح الصندوق الفلاني، وجئني بالسفط الذي فيه بختمه.



[ صفحه 151]



فلم يلبث الغلام أن جاءه بالسفط مختوماً فوضع بين يدي الرشيد فأمر بكسر ختمه وفتحه.

فلمّا فتح نظر الي الدراعة فيه بحالها، مطوية مدفونة في الطيب.

فسكن الرشيد من غضبه ثم قال لعلي بن يقطين: اُرددها الي مكانها فلن أُصدق عليك بعدها ساعياً.

وأمر أن يتبع بجائزة سنية، وتقدم بضرب الساعي ألف سوط، فضرب نحواً من خمسمائة فمات في ذلك» [4] .


پاورقي

[1] بحار الأنوار: 48 / 85، ح 105 عن عيون المعجزات: 90.

[2] اختيار معرفة الرجال: 500 ح 957 وكان الفضل من الشيعة فطلبتهم السلطة فاختفي وكتب كتاباً علي مذهب الراوندية العبّاسية باثبات الإمامة للعباس فدسّه الي السلطان فآمنه واستعمله. بحار الأنوار: 48 / 109.

[3] الإرشاد: 2 / 227 ـ 229 وعنه في إعلام الوري: 2 / 21، 22 وكشف الغمة: 3 / 15 ـ 17 وفي الخرائج والجرائح: 1 / 335 ح 26 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 136 ح 11.

[4] الإرشاد: 2 / 225 ـ 227 وعنه في إعلام الوري: 2 / 19 ـ 20 وكشف الغمة: 3 / 14 ـ 15 وفي الخرائج والجرائح: 1 / 334 ح 25. عن الإرشاد في بحار الأنوار: 48 / 138، ح12.