بازگشت

جوده وسخاؤه


لقد تجلّي الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي في الإمام فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف، فقد فزع إليه البائسون والمحرومون لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد أجمع المؤرخون أنه أنفق(عليه السلام) جميع ما عنده عليهم كل ذلك في سبيل الله لم يبتغ من أحد جزاءاً أو شكورا، وكان(عليه السلام) في صِلاته يتطلب الكتمان وعدم الذيوع لئلا يشاهد علي الآخذ ذلة الحاجة، وكان يلتمس في ذلك وجه الله ورضاه، ولهذا كان يخرج في غلس الليل البهيم فيصل الطبقة الضعيفة ببرّه وإحسانه وهي لا تعلم من أيّ جهة تصلها تلك المبرة، وكان يوصلهم بصراره التي تتراوح ما بين المائتي دينار الي الاربعمائة دينار [1] وكان يضرب المثل بتلك الصرار فكان أهله يقولون:

«عجباً لمن جاءته صرار موسي وهو يشتكي القلة والفقر!!» [2] .



[ صفحه 33]



وبلغ من عطفه المستفيض أنه إذا بلغه عن شخص يؤذيه ويسيء إليه بعث له بصرّة فيها ألف دينار [3] وقد قامت هباته السرية وصلاته الخفية بإعاشة فقراء يثرب، فكانوا جميعاً يرتعون بنعمته ويعيشون من عطاياه.

وحدّث عيسي بن محمّد القرطي قال: «زرعت بطيخاً وقثاءً وقرعا [4] في موضع بالجوانيّة [5] علي بئر يقال لها اُم عضام.

فلمّا استوي الزرع بغتني الجراد، فأتي علي الزرع كلّه، وكنت قد غرمت عليه مع ثمن جملين مائة وعشرين ديناراً. فبينما أنا جالس إذ طلع عليّ الإمام موسي بن جعفر(عليه السلام) فسلّم ثم قال لي: كيف حالك؟

فقلت: أصبحت كالصريم بغتني الجراد فأكل كل زرعي.

فقال: كم غرمت فيه؟

فقلت: مائة وعشرين ديناراً مع ثمن الجملين.

فالتفت (عليه السلام) لعرفة وقال له: زن لابن المغيث مائة وخمسين ديناراً. ثم قال لعيسي: فربحك ثلاثون ديناراً مع الجملين» [6] .


پاورقي

[1] تأريخ بغداد: 13 / 28.

[2] عمدة الطالب: 185.

[3] تاريخ بغداد: 13 / 27.

[4] القرع: نوع من اليقطين، الواحدة قرعة.

[5] منطقة قرب المدينة.

[6] تاريخ بغداد: 13 / 29، وكشف الغمة: 2 / 217.