بازگشت

حلمه


وكان الحلم من أبرز صفات الإمام موسي(عليه السلام) فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ، وكان يعفو عمن أساء إليه، ويصفح عمن اعتدي عليه، ولم يكتف بذلك وانماكان يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والانانية من نفوسهم، وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من حلمه



[ صفحه 34]



فقد رووا: «أن شخصاً من احفاد عمر بن الخطاب كان يسيء للامام، ويكيل السب والشتم لجده أمير المؤمنين(عليه السلام) فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم (عليه السلام) عن ذلك ورأي أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل: أنه يزرع في بعض نواحي المدينة، فركب(عليه السلام) بغلته ومضي إليه متنكراً، فوجده في مزرعته فأقبل نحوه، فصاح به: لا تطأ زرعنا واستمر الإمام حتي وصل إليه، ولمّا انتهي إليه جلس الي جنبه وأخذ يلاطفه ويحدّثه بأطيب الحديث، وقال له بلطف ولين:

ـ كم غرمت في زرعك هذا؟

- مائة دينار.

- كم ترجو أن تصيب منه؟.

- أنا لا أعلم الغيب!!

- انما قلت لك: كم ترجو أن يجيئك منه؟

- أرجو أن يجيئني منه مئتا دينار.

فأعطاه (عليه السلام) ثلاثمائة دينار، وقال: هذه لك وزرعك علي حاله فتغير العمري، وخجل من نفسه علي ما فرط من قبل في حق الامام، وتركه (عليه السلام) ومضي الي الجامع النبوي، فوجد العمري قد سبقه، فلما رأي الإمام مقبلاً قام إليه تكريماً وانطلق يهتف:

(الله أعلم حيث يجعل رسالته) في من يشاء».

فبادر إليه اصحابه منكرين عليه هذا الانقلاب، فأخذ يخاصمهم، ويتلو عليهم مناقب الإمام ومآثره، ويدعو له، فالتفت(عليه السلام) إلي أصحابه قائلا:

أيّما كان خيراً؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟» [1] .



[ صفحه 35]



ومن آيات حلمه(عليه السلام) أنه اجتاز علي جماعة من حسّاده وأعدائه، وكان فيهم ابن هياج فأمر بعض اتباعه أن يتعلق بلجام بغلة الإمام ويدّعيها فمضي الرجل الي الإمام وتعلق بزمام بغلته فادعاها له فعرف الإمام غايته فنزل عن بغلته وأعطاها له [2] لقد أقام(عليه السلام) بذلك أسمي مثل للانسانية الفذّة والحلم الرفيع.

وكان(عليه السلام) يوصي أبناءه بالتحلّي بهذه الصفة الرفيعة ويأمرهم بالصفح عمن أساء إليهم فقد جمعهم وأوصاهم بذلك فقال:

«يا بُنيّ: إني أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها، إذا أتاكم آت فأسمع أحدكم في الاذن اليمني مكروهاً ثم تحوّل الي اليسري فاعتذر لكم، وقال: إني لم أقل شيئاً فاقبلوا عذره» [3] .


پاورقي

[1] تأريخ بغداد: 13 / 28 ـ 29، والارشاد: 2 / 233 وعنه في اعلام الوري: 2 / 26، 27، وكشف الغمة: 3 / 18، 19 واختصر في مناقب آل أبي طالب: 4 / 344.

[2] بحار الأنوار: 48 / 148 عن فروع الكافي: 8 / 86.

[3] كشف الغمة: 3 / 8 عن الجنابذي، والفصول المهمة لابن الصباغ: 235.