بازگشت

مبادرة سليمان


كان سليمان بن أبي جعفر المنصور رجلا محنّكاً وذا عقل متزن. وقد رأي أنّ الاعمال التي قام بها هارون ما هي إلاّ لطخة سوداء في جبين العباسيين; فإنّ هارون لم يكتف باغتيال الإمام ودسّ السمّ إليه بل ارتكب جملة من الأعمال الوحشية التي تدل علي أنه لا عهد له بالشرف والنبل والمعروف والإنسانية من هنا بادر سليمان ـ حين سمع نبأ اخراج جنازة الإمام الي الجسر والنداء الفظيع علي جثمانه الطاهر ـ وحاول أن يتلافي الموقف بالتي هي أحسن.

إنّ قصر سليمان كان مطلاًّ علي نهر دجلة وحين سمع النداء والضوضاء ورأي بغداد قد اضطربت، قال لولده وغلمانه: ما هذا؟

قالوا: السندي بن شاهك ينادي علي موسي بن جعفر، وأخبروه بذلك



[ صفحه 181]



النداء الفظيع.

فصاح بولده قائلا: انزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فان مانعوكم فأضربوهم، وخرقوا ما عليهم من سواد ـ وهو لباس الشرطة والجيش ـ.

وانطلق أبناء سليمان وغلمانه الي الشرطة فأخذوا جثمان الإمام منهم، ولم تبد الشرطة معهم أية معارضة، فسليمان عم الخليفة وأهم شخصية لامعة في الاُسرة العبّاسية وأمره مطاع عند الجميع، وحمل الغلمان نعش الإمام(عليه السلام) فجاءوا به الي سليمان فأمر في الوقت أن ينادي في شوارع بغداد:

ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب بن الطيب موسي بن جعفر فليحضر [1] .

وأكبر الظن أن سليمان خاف من انتفاضة شعبية أو تمرّد عسكري لأن الشيعة لم تكن قلة في ذلك العصر فقد اعتنق التشيع خلق كثير من رجال الدولة وقادة الجيش وكبار الموظفين والكتّاب لذا تدارك سليمان الموقف وقام بهذه المهمّة وأنقذ حكومة هارون من الاضطراب والثورة [2] .

وخرج الناس علي اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان الإمام وخرجت الشيعة فعبّرت عن حزنها وأساها بعد هذا التشييع الكبير.


پاورقي

[1] كمال الدين: 38، عيون الاخبار: 1 / 99 / ح 5، وعنهما في بحار الأنوار: 48 / 227 / ح29.

[2] حياة الإمام موسي بن جعفر: 2 / 526.