بازگشت

في عبادته و فقهه و كرمه


كان أبوالحسن موسي عليه السلام أعبد أهل زمانه و أفقههم و أسخاهم كفا و أكرمهم نفسا [1] .

و روي أنه كان يصلي نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتي تطلع الشمس، ويخر لله ساجدا، فلا يرفع رأسه من السجود [2] و التحميد حتي يقرب زوال الشمس، و كان يدعوا كثيرا فيقول: «اللهم اني أسألك الراحة عندالموت، و العفو عند الحساب»، و يكرر ذلك [3] .

و كان من دعائه عليه السلام: «عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو [و التجاوز] [4] .



[ صفحه 188]



من عندك»، و كان يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع [5] .

و كان أوصل الناس لأهل و رحمه، و كان يتفقد [6] فقراء المدينة في الليل؛ فيحمل اليهم الزنبيل فيه العين و الورق و الادقة و التمور، فيوصل اليهم ذلك و لا يعلمون من أي جهة هو [7] .

و كان عليه السلام كريما بهيا و عتق ألف مملوك [8] .

و روي انه قد حضره فقير مؤمن يسأله سد فاقته فضحك عليه السلام في وجهه، قال: اسألك مسألة، فان أصبتها أعطيتك عشرة أضعاف ما طلبت [و ان لم تصبها أعطيتك ما طلبت] [9] - و كان قد طلب منه مائة درهم يجعلها في بضاعة يتعيش بها -، فقال الرجل: سل فقال موسي عليه السلام: لو جعل اليك التمني لنفسك في الدنيا ماذا كنت تتمني؟ قال: كنت أتمني أن ارزق التقية في ديني، و قضاء حقوق اخواني، قال عليه السلام: و ما لك [10] لم تسأل الولاية لنا أهل البيت؟ قال: ذلك [11] قد اعطيته و هذا لم اعطه، فأنا أشكر علي ما اعطيت، و اسأل ربي عزوجل ما منعت، فقال: احسنت، أعطوه ألفي درهم، و قال: اصرفها في كذا - يعني في العفص - فانه متاع يابس... [12] .

و قد روي الناس عنه فأكثروا، و كان أفقه أهل زمانه و أحفظهم لكتاب الله



[ صفحه 189]



عزوجل و أحسنهم صوتا بالقرآن، و كان اذا قرأه [13] يحزن و يبكي السامعون بتلاوته، و كان الناس بالمدينة يسمونه زين المجتهدين [14] ، و سمي الكاظم لما كظمه من الغيظ، و صبر عليه من فعل الظالمين [به] [15] ، حتي مضي قتيلا في حبسهم و وثاقهم [16] .

و كان يقول: اني أستغفر الله في كل يوم خمسة آلاف مرة [17] .

و روي الصدوق: انه كانت لأبي الحسن موسي بن جعفر عليهماالسلام بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض [18] الشمس الي وقت الزوال، قال [19] : فكان هارون ربما صعد سطحا يشرف منه علي الحبس الذي حبس فيه أباالحسن عليه السلام، فكان يري أباالحسن عليه السلام ساجدا، فقال للربيع: [يا ربيع] [20] ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟! قال: يا أميرالمؤمنين ما ذاك بثوب و انما هو موسي بن جعفر له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي وقت الزوال، قال الربيع: فقال لي هارون: أما أن هذا من رهبان بني هاشم، قلت: فما لك فقد ضيقت عليه في الحبس؟! قال: هيهات لابد من ذلك [21] .

و عن أبيه عن علي بن ابراهيم عن اليقطيني عن أحمد بن عبدالله الغروي [22] عن أبيه، قال: دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح، فقال لي: أدن مني فدنوت حتي حاذيته، ثم قال لي: اشرف الي البيت في الدار فأشرفت، فقال:



[ صفحه 190]



ما تري في البيت؟ قلت [23] : ثوبا مطروحا، فقال: انظر حسنا فتأملت و نظرت فتيقنت، فقلت: رجل ساجد، فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا، قال: هذا مولاك، قلت: و من مولاي؟ فقال: تتجاهل علي؟ فقلت: ما أتجاهل ولكني لا أعرف لي مولي، فقال: هذا أبوالحسن موسي بن جعفر عليهماالسلام اني أتفقده في [24] الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات الا علي الحال التي اخبرك بها، انه يصلي الفجر فيقف ساعة في دبر صلاته الي أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس، و قد و كل من يترصد له الزوال، فلست أدري متي يقول الغلام، قد زالت الشمس؛ اذ يثب فيبتدي ء بالصلاة من غير أن يجدد وضوءا.

فأعلم أنه لم ينم في سجوده و لا أغفي فلا يزال كذلك الي أن يفرغ من صلاة العصر، فاذا صلي العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا الي أن تغيب الشمس، فاذا غابت الشمس و ثب من سجدته فصلي المغرب من غير أن يحدث حدثا، و لا يزال في صلاته و تعقيبه الي أن يصلي العتمة، فاذا صلي العتمة أفطر علي شوي يؤتي به، ثم يجدد الوضوء، ثم يسجد، ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيجدد الوضوء، ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر، فلست أدري متي يقول الغلام: ان الفجر قد طلع؟! اذ قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه منذ حول الي [25] .

و روي عن الخطيب البغدادي - و هو من أعاظم أهل السنة و ثقات المؤرخين و قدمائهم - انه قال: كان موسي عليه السلام يدعي العبد الصالح من شدة [26] عبادته و اجتهاده [27] .

روي أنه دخل مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم فسجد سجدة في أول الليل، فسمع



[ صفحه 191]



و هو يقول [في سجوده] [28] : «عظم الذنب من عبدك [29] فليحسن العفو من [30] عندك، يا أهل التقوي، و يا أهل المغفرة» فجعل يرددها حتي أصبح [31] .

قلت: و في حديث طويل عن المأمون يصف فيه موسي بن جعفر عليهماالسلام، و يذكر وروده علي أبيه الرشيد بالمدينة، يقول: اذ دخل شيخ مسخد [32] قد انهكته العبادة كأنه شن بال قد كلم [33] السجود وجهه و أنفه [34] .

و بالجملة كان عليه السلام حليف السجدة الطويلة و الدموع الغزيرة [35] .

و كان له غلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة سجوده [36] :



طالت لطول سجود منه ثفنته

فقرحت جبهة منه و عرنينا



رأي فراغته في السجن منيته

و نعمة شكر الباري بها حينا



و حكي انه توفي صلوات الله عليه في حال السجود لله تعالي.

أقول: و لقد اقتدي به عليه السلام في ذلك جماعة ممن لقيه ورآه، منهم: محمد بن أبي عمير الثقة [37] الجليل الأواه.



[ صفحه 192]



روي عن الفضل بن شاذان، قال: دخلت العراق فرأيت أحدا يعاتب صاحبه، و يقول له: أنت رجل عليك عيال و تحتاج أن تكتسب عليهم و ما آمن من أن تذهب عيناك لطول سجودك، فلما أكثر عليه قال: أكثرت علي، ويحك لو ذهبت عين أحد من السجود لذهبت عين ابن أبي عمير، ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما رفع رأسه الا [عند] [38] زوال الشمس [39] .

و قال الفضل: أخذ يوما شيخي بيدي و ذهب بي الي ابن أبي عمير، فصعدنا اليه في غرفة و حوله مشائخ له [40] يعظمونه و يبجلونه، فقلت لأبي: من هذا؟ قال: هذا ابن أبي عمير، قلت: الرجل الصالح العابد؟ قال: نعم [41] .

و روي أن هارون الرشيد أنفذ الي موسي بن جعفر عليهماالسلام جارية حصيفة [42] لها جمال و وضاءة لتخدمه في السجن، و أنفذ الخادم اليه ليستفحص [43] عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها تقول: قدوس قدوس [44] سبحانك سبحانك، فأتي بها و هي ترعد شاخصة الي [45] السماء بصرها، و أقبلت في الصلاة، فاذا قيل لها في ذلك، قالت: هكذا رأيت العبد الصالح، فما زالت كذلك حتي ماتت [46] .



[ صفحه 193]




پاورقي

[1] الارشاد للمفيد: ص 296، و كشف الغمة: ج 2 ص 228.

[2] في المصدر: «الدعاء».

[3] الارشاد للمفيد: ص 296، و كشف الغمة: ج 2 ص 228، و المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 318.

[4] وردت في المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 318.

[5] كشف الغمة: ج 2 ص 228، و الارشاد للمفيد: ص 296، و المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 318، و فيه «قبح الذنب» بدل «عظم الذنب»، و عنه البحار: ج 48 ص 108 ضمن ح 9.

[6] في الخطية «يفتقد» و ما أثبتناه هو الصحيح.

[7] الارشاد للمفيد: ص 296، و كشف الغمة: ج 2 ص 228، و المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 318، و عنه البحار: ج 48 ص 108 ضمن ح 9.

[8] الدر النظيم: الباب التاسع فصل في ذكر بعض أخبار موسي عليه السلام «مخطوطة».

[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و أثبتناه من المصدر.

[10] في المصدر: «فما بالك».

[11] في المصدر: «ذاك».

[12] تفسير الامام الحسن العسكري عليه السلام: ص 322 ح 169.

[13] في المصدر: «قرأ».

[14] في المصدر: «المتهجدين».

[15] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و أثبتناه من المصدر.

[16] كشف الغمة: ج 2 ص 230، و الارشاد للمفيد: ص 298.

[17] كتاب الزهد لأبي محمد الحسين بن سعيد الكوفي: ص 74 ح 199.

[18] في المصدر: «انقضاض».

[19] «قال» لم ترد في المصدر.

[20] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و أثبتناه من المصدر.

[21] عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 95 ح 14.

[22] كذا في بعض النسخ كما في الأصل، و في بعضها «الفروي».

[23] في بعض المصادر «فقلت».

[24] «في» غير موجودة في المصدر.

[25] أمالي الصدوق: ص 126 ح 18، و عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 106 ح 10، و عنهما البحار: ج 48 ص 210 ح 9.

[26] «شدة» غير موجودة في المصدر.

[27] تاريخ بغداد: ج 13 ص 27.

[28] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.

[29] في المصدر: «عندي».

[30] «من» لم ترد في المصدر.

[31] تاريخ بغداد: ج 13 ص 27.

[32] رجل مسخد: اذا كان ثقيلا من مرض أو غيره (انظر تهذيب اللغة: مادة «سخد» ج 7 ص 160).

[33] الكلم: الجرح (انظر العين: مادة «كلم» ج 5 ص 378.

[34] عيون أخبار الرضا: ج 1 باب 7 ص 88 قطعة من ح 11.

[35] ورد في زيارته الشريفة في مفاتيح الجنان: ص 479، و مصباح الزائر: ص 288.

[36] عيون أخبار الرضا: ج 1 باب 7 ص 76 قطعة من ح 5.

[37] هو: محمد بن زياد بن عيسي، أبوأحمد الأزدي، بغدادي الأصل و المقام، من أوثق الناس عند الخاصة و العامة و أنسكهم و أورعهم و أعبدهم، و أدرك الأئمة: الكاظم و الرضا و الجواد عليهم السلام، توفي سنة 217 ه- (انظر الكني و الألقاب ج 1 ص 199، و بهجة الآمال: ج 6 ص 227).

[38] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و أثبتناه من المصدر.

[39] الكني و الألقاب: ج 2 ص 200.

[40] «له» لم ترد في المصدر.

[41] الكني و الألقاب: ج 1 ص 200.

[42] الحصيفة: ذات الرأي المحكم العقل (انظر لسان العرب مادة: «حصف» ج 3 ص 206).

[43] في المصدر: «ليتفحص».

[44] «قدوس الثانية» لم ترد في المصدر.

[45] في المصدر: «نحو» بدل «الي».

[46] المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 297، نقلا عن كتاب الأنوار.