بازگشت

فيما جري علي موسي بن جعفر من الرشيد


قبض الرشيد علي موسي بن جعفر عليهماالسلام سنة تسع و سبعين و مائة في سفره الي مكة المعظمة، و هو عند رأس النبي صلي الله عليه و آله و سلم قائما يصلي، فقطع عليه صلاته و حمل و هو يبكي و يقول: اليك أشكو يا رسول الله ما القي.

و أقبل الناس من كل جانب يبكون و يضجون [1] ، فلما حمل الي بين يدي الرشيد سلم علي الرشيد فلم يرد عليه السلام و شتمه و جفاه و قيده، فلما جن عليه الليل أمر بقبتين [2] فهيئا له، فحمل موسي بن جعفر عليهماالسلام الي احداهما في خفاء، و دفعه الي حسان السروي و أمره أن [3] يسير به في قبته [4] الي البصرة فيسلمه الي عيسي ابن جعفر بن أبي جعفر - و هو أميرها -، و وجه قبة اخري علانية نهارا الي الكوفة معها جماعة ليعمي علي الناس أمر موسي بن جعفر عليهماالسلام.

فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم، فدفعه الي عيسي بن جعفر بن أبي جعفر نهارا علانية حتي عرف ذلك و شاع أمره [5] ، فحبسه عيسي في بيت من بيوت المحبس الذي كان يحبس [6] فيه، و أقفل عليه، و شغله عنه العيد [7] ، فكان لا يفتح عنه الباب الا في حالتين: حال [8] يخرج فيها الي الطهور، و حال [9] يدخل اليه [10] فيها الطعام.

قال نصراني من كتاب عيسي: لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش و المناكير ما أعلم و لا أشك أنه لم يخطر بباله [11] .

و روي أنه حبسه عنده سنة، ثم كتب الي الرشيد: أن خذه مني، و سلمه الي من شئت و الا خليت سبيله، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة فما أقدر علي ذلك،



[ صفحه 194]



حتي أني لأتسمع عليه اذا دعا لعله يدعو علي أو عليك فما أسمعه يدعو الا لنفسه يسأل الرحمة و المغفرة، فوجه من تسلمه منه. و حمل سرا الي بغداد [12] .

و روي أنه لما حمل الي بغداد، كان ذلك في رجب يوم المبعث سنة تسع و سبعين و مائة [13] .

قال الراوي: و لما حمل الي بغداد حبسه الرشيد عند الفضل بن الربيع، فبقي عنده مدة طويلة، و أراده الرشيد علي شي ء من أمره فأبي، فكتب بتسليمه عليه السلام الي الفضل بن يحيي فتسلمه منه، و أراد ذلك منه فلم يفعل، و بلغه أنه عنده في رفاهية وسعة، و هو حينئذ بالرقة، فكتب الي العباس بن محمد، و السندي بن شاهك في ذلك علي يد مسرور الخادم، فدعا العباس بسياط و عقابين و أمر بالفضل فجرد و ضربه السندي بين يديه مائة سوط، و كتب مسرور بالخبر الي الرشيد، فأمر بتسليم موسي عليه السلام الي السندي بن شاهك، فلم يزل سلام الله عليه ينقل من سجن الي سجن حتي نقل الي حبس السندي بن شاهك الملعون [14] .

و في الدر النظيم، قال: قال السندي بن شاهك: وافي خادم من قبل الرشيد الي أبي الحسن عليه السلام و هو محبوس عندي، فدخلت معه، و قد كان قال له: تعرف خبره، فوقف الخادم، فقال: ما لك، فقال: بعثني الخليفة لأعرف خبرك، قال: فقال: قل له يا هارون، ما من يوم ضراء انقضي عني الا انقضي عنك من السراء مثله، حتي نجتمع أنا و أنت في دار يخسر فيها المبطلون.

قال الفضل بن الربيع عن أبيه، قال: بعثني هارون الي أبي الحسن عليه السلام برسالة و هو في حبس السندي بن شاهك، فدخلت عليه و هو يصلي فهبته أن أجلس، فوقفت متكئا علي سيفي، فكان عليه السلام اذا صلي ركعتين و سلم واصل بركعتين



[ صفحه 195]



اخراوتين، فلما طال وقوفي وخفت أن يسأل عني هارون وحانت منه تسليمة فشرعت في الكلام فامسك، و قد كان قال لي هارون: لا تقل [15] بعثني أميرالمؤمنين اليك، ولكن قل: بعثني أخوك، و هو يقرئك السلام و يقول لك: انه بلغني عنك أشياء أقلقتني فأقدمتك الي، و فحصت عن ذلك فوجدتك نقي الجيب، بريئا من العيب، مكذوبا عليك فيما رميت به، ففكرت بين اصرافك الي منزلك و مقامك ببابي، فوجدت مقامك ببابي أبرأ لصدري، و أكذب لقول المسرعين فيك، و لكل انسان غذاء قد اغتذاه و ألفت عليه طبيعته، و لعلك اغتذيت بالمدينة اغذية لاتجد من يصنعها لك ها هنا، و قد أمرت الفضل أن يقيم لك من ذلك ما شئت، فمره بما أحببت و انبسط فيما تريده، قال: فجعل عليه السلام الجواب في كلمتين من غير أن يلتفت الي، فقال: لا حاضر مالي فينفعني، و لم أخلق سؤولا الله أكبر.

و دخل في الصلاة، قال: فرجعت الي هارون فأخبرته، فقال لي: فما تري في أمره؟ فقلت: يا سيدي لو خططت في الأرض خطة فدخل فيها، ثم قال: لا أخرج منها ما خرج منها، قال: هو كما قلت ولكن مقامه عندي أحب الي.

و روي غيره، قال: قال هارون: اياك أن تخبر بهذا أحدا، قال: أخبرت به أحدا حتي مات هارون [16] .

و روي الشيخ عن محمد بن غياث في خبر، قال: قال هارون ليحيي بن خالد: انطلق اليه عليه السلام، و اطلق عنه الحديد و ابلغه عني السلام، و قل له يقول لك ابن عمك: أنه قد سبق مني فيك يمين اني لا اخليك حتي تقرلي بالاساءة و تسألني العفو عما سلف منك، و ليس عليك في اقرارك عار و لا في مسألتك اياي منقصة، و هذا يحيي ابن خالد هو ثقتي و وزيري و صاحب أمري، فسله بقدر ما اخرج من يميني و انصرف راشدا، قال محمد بن غياث: فأخبرني موسي بن يحيي بن خالد أن أبا



[ صفحه 196]



ابراهيم عليه السلام، قال ليحيي: يا أباعلي أنا ميت و انما بقي من أجلي اسبوع.. [17] الخ.

قال الراوي: و جلس الرشيد مجلسا حافلا، و قال: أيها الناس ان الفضل بن يحيي قد عصاني و خالف طاعتي، و رأيت أن ألعنه فالعنوه، فلعنه الناس من كل ناحية حتي أرتج البيت و الدار بلعنه.

و بلغ يحيي بن خالد فركب الي الرشيد و دخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتي جاءه من خلفه و هو لا يشعر، ثم قال [له] [18] : التفت الي يا اميرالمؤمنين، فاصغي اليه فزعا، فقال له: ان الفضل حدث و أنا اكفيك ما تريد: فانطلق وجهه و سر، و أقبل علي الناس، فقال: ان الفضل كان عصاني في شي ء فلعنته و قد تاب و أناب الي طاعتي فتولوه، فقالوا [له] [19] : نحن أولياء من واليت و أعداء من عاديت، و قد توليناه، ثم خرج يحيي بن خالد بنفسه علي البريد حتي أتي بغداد فماج الناس و أرجفوا بكل شي ء، فأظهر أنه ورد لتعديل السواد و النظر في أمر العمال و تشاغل ببعض ذلك، و دعا السندي فأمره فيه بأمره فامتثله [20] .

و روي أنه بعث يحيي بن خالد الي موسي بن جعفر عليهماالسلام بالرطب و الريحان المسمومين [21] .

و في رواية أنه سمه في ثلاثين رطبة [22] .

قال الراوي: ثم ان السندي بن شاهك أحضر القضاة و العدول و ذلك قبل وفاة موسي عليه السلام بأيام و أخرجه اليهم، و قال: ان الناس يقولون: ان أباالحسن موسي في ضنك و ضر و هاهو ذا لا علة به و لا مرض و لا ضر.



[ صفحه 197]



فالتفت عليه السلام، فقال لهم: اشهدوا علي أني مقتول بالسم منذ ثلاثة أيام، اشهدوا أني صحيح الظاهر لكني مسموم، و سأحمر في آخر هذا اليوم حمرة شديدة منكرة، و أصفر غدا صفرة شديدة، و أبيض بعد غد، و أمضي الي رحمة الله و رضوانه [23] .

و روي الصدوق عن الحسن بن محمد بن بشار، قال: حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ممن كان يقبل قوله، قال: قال لي: قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في نسكه و فضله، قال: قلت: من و كيف رأيتة؟ قال: جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب الي الخير، فادخلنا علي [24] موسي بن جعفر عليهماالسلام، فقال لنا السندي: يا هؤلاء انظروا الي هذا الرجل هل حدث به حدث، فان الناس يزعمون أنه قد فعل مكروه به و يكثرون في ذلك، و هذا منزله و فرشه موسع عليه غير مضيق، و لم يرد به أميرالمؤمنين سوءا و انما ينتظره أن يقدم فيناظره أميرالمؤمنين، و ها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع أمره، فاسألوه، قال: و نحن ليس لنا هم الا النظر الي الرجل و الي فضله و سمته.

فقال عليه السلام: أما ما ذكر من التوسعة و ما أشبه ذلك فهو علي ما ذكر غير اني اخبركم أيها النفر اني قد سقيت السم في تسع تمرات، و اني أحتضر [25] غدا، و بعد غد أموت، قال: فنظرت الي السندي بن شاهك يرتعد و يضطرب مثل السعفة، قال الحسن: و كان هذا الشيخ من خيار العامة، شيخ صدوق مقبول القول ثقة جدا عند الناس [26] .

و روي أنه لما كان من الغد جاء به [27] الطبيب، فقال له: ما حالك، فتغافل عنه، فلما أكثر عليه عرض عليه خضرة في بطن راحته، و كان السم الذي سم به قد



[ صفحه 198]



اجتمع في ذلك الموضع، ثم قال له: هذه علتي، فانصرف الطبيب اليهم و قال: و الله لهو أعلم بما فعلتم به منكم، ثم توفي عليه السلام [28] .

و روي القطب الراوندي عن محمد بن الفضل الهاشمي، قال: اني أتيت موسي ابن جعفر عليهماالسلام قبل وفاته بيوم واحد، فقال: اني ميت لا محالة، فاذا واريتني في لحدي فلا تقيمن، و توجه الي المدينة بودائعي هذه، و أوصلها الي [ابني] [29] علي ابن موسي عليهماالسلام فهو وصيي و صاحب الأمر بعدي، ففعلت ما أمرني به، و أوصلت الودائع اليه [30] .

قال الشيخ المفيد: و روي أنه لما حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهك أن يحضره مولي له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولي غسله و تكفينه ففعل ذلك، قال السندي: فكنت سألته [31] في الاذن لي أن اكفنه، فأبي و قال: انا أهل بيت، مهور نسائنا و حج صرورتنا، و أكفان موتانا من طاهر أموالنا، و عندي كفن و اريد أن يتولي غسلي و جهازي مولاي فلان فتولي ذلك منه [32] .


پاورقي

[1] في المصدر: «يصيحون».

[2] في المصدر: «ببيتين».

[3] في المصدر: «بأن».

[4] في المصدر: «قبة».

[5] في المصدر: «خبره».

[6] في المصدر: «يجلس».

[7] في المصدر: «العبد».

[8] في المصدر: «حالة».

[9] في المصدر: «حالة».

[10] «اليه» لم ترد في المصدر.

[11] عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 85 ح 10.

[12] كتاب الغيبة للطوسي: ص 22، و عنه بحار الأنوار: ج 48 ص 233 قطعة من ح 38.

[13] بحارالأنوار: ج 48 ص 207 ح 5.

[14] كتاب الغيبة للطوسي: ص 22، و عنه البحار: ج 48 ص 233 قطعة من ح 38.

[15] في المصدر: «لاتقول».

[16] الدر النظيم: الباب التاسع، فصل في ذكر بعض أخبار موسي عليه السلام «مخطوطة».

[17] كتاب الغيبة للطوسي: ص 20 و عنه البحار: ج 48 ص 230 ح 37.

[18] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و أثبتناه من المصدر.

[19] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و أثبتناه من المصدر.

[20] كتاب الغيبة للطوسي: ص 23، و روضة الواعظين: ص 220، و البحار: ج 48 ص 233 ضمن حديث 38.

[21] بصائر الدرجات: ج 9 الباب التاسع ص 483 ح 12.

[22] اختيار معرفة الرجال: ص 604 ذيل ح 1123، و عنه البحار: ج 48 ص 242 ح 50.

[23] بحارالأنوار: ج 48 ص 247 ضمن ح 56، نقلا عن عيون المعجزات.

[24] في المصدر: «الي».

[25] في المصدر: «أحضر».

[26] الأمالي للصدوق: المجلس التاسع و العشرون ص 128 ح 20.

[27] في المصدر: «جاءه» بدل «جاء به».

[28] عيون أخبار الرضا: باب 8 ص 108 ذيل ح 10.

[29] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و أثبتناه من المصدر.

[30] الخرائج و الجرائح: ج 1 ص 341 ضمن ح 6.

[31] في المصدر: «اسأله».

[32] الارشاد للمفيد: ص 302.