بازگشت

ذكر الامام السابع أبي الحسن موسي الكاظم


قال كمال الدين أثابه الله: هو الامام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكثير التهجد، الجاد في الاجتهاد، و المشهود له بالكرامات، المشهور بالعبادة، المواظب علي الطاعات، يبيت الليل ساجدا و قائما، و يقطع النهار متصدقا و صائما، و لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما، كان يجازي المسي ء باحسانه اليه، و يقابل الجاني عليه بعفوه عنه، ولكثرة عباداته كان يسمي بالعبد الصالح، و يعرف في العراق بباب الحوائج الي الله لنجح المتوسلين الي الله تعالي به، كراماته تحار منها العقول، و تقضي بأن له عند الله قدم صدق و لا يزول.

أما ولادته فبالأبواء [1] سنة ثمان و عشرين و مائة من الهجرة، و قيل: تسع و عشرين و مائة.

و أما نسبه أبا و أما؛ و أما أبوه جعفر الصادق بن محمد الباقر، و قد تقدم القول فيه، و أمه أم ولد تسمي حميدة البربرية، و قيل غير ذلك.

و أما اسمه فموسي، و كنيته أبوالحسن، و قيل: أبواسماعيل، و كان له ألقاب متعددة: الكاظم و هو أشهرها، و الصابر، و الصالح، و الأمين.

و أما مناقبه فكثيرة، و لو لم تكن منها الا العناية الالهية لكفاه ذلك منقبة، و لقد نقل عن الفضل بن الربيع أنه أخبر عن أبيه أن المهدي لما حبس موسي بن جعفر ففي بعض الليالي رأي المهدي في منامه علي بن أبي طالب عليه السلام و هو يقول له: يا محمد (فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم) قال الربيع: فأرسل الي ليلا فراعني و خفت من ذلك، و جئت اليه و اذا هو يقرأ هذه الآية - و كان أحسن الناس صوتا - فقال: علي الآن بموسي بن جعفر، فجئته به فعانقه و أجلسه الي جانبه و قال: يا أباالحسن رأيت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في النوم فقرأ علي كذا فتؤمني أن تخرج علي أو علي أحد من ولدي؟ فقال: و الله لا فعلت ذلك و لا هو من



[ صفحه 744]



شأني، قال: صدقت، يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار و رده الي أهله الي المدينة، قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا فما أصبح الا و هو في الطريق خوف العوائق.

و رواه الجنابذي و ذكر أنه وصله بعشرة آلاف دينار.

و قال خشنام بن حاتم الأصم قال: قال لي أبي حاتم قال: قال لي شقيق البلخي رضي الله عنهم: خرجت حاجا في سنة تسع و أربعين و مائة، فنزلنا القادسية، فبينا أنا أنظر الي الناس في زينتهم و كثرتهم، فنظرت الي فتي حسن الوجه شديد السمرة ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، و قد جلس منفردا، فقلت في نفسي: هذا الفتي من الصوفية يريد أن يكون كلا علي الناس في طريقهم، و الله لامضين اليه و لأوبخنه، فدنوت منه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق (اجتنبوا كثيرا من الظن أن بعض الظن اثم)، ثم تركني و مضي، فقلت في نفسي: ان هذا الأمر عظيم قد تكلم بما في نفسي و نطق باسمي، و ما هذا الا عبد صالح، لألحقنه و لأسنألنه أن يحالني، فأسرعت في أثره فلم ألحقه و غاب عن عيني.

فلما نزلنا واقصة و اذا به يصلي و أعضاؤه تضطرب و دموعه تجري، فقلت: هذا صاحبي أمضي اليه و أستحله، فصبرت حتي جلس و أقبلت نحوه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اتل (و اني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدي) ثم تركني و مضي، فقلت: ان هذا الفتي لمن الأبدال، لقد تكلم علي سري مرتين.

فلما نزلنا زبالة اذا بالفتي قائم علي البئر و بيده ركوة يريد أن يستقي ماء، فسقطت الركوة من يده في البئر و أنا أنظر اليه، فرأيته و قد رمق السماء و سمعته يقول:



أنت ربي اذا ظمئت الي الماء

و قوتي اذا أردت الطعاما



اللهم سيدي مالي غيرها فلا تعدمنيها، قال شقيق: فوالله لقد رأيت البئر و قد ارتفع ماؤها فمد يده و أخذ الركوة و ملؤها ماء، فتوضأ و صلي أربع ركعات، ثم مال الي كثيب رمل فجعل يقبض بيده و يطرحه في الركوة و يحركه و يشرب، فأقبلت اليه و سلمت عليه فرد علي السلام، فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم الله عليك، فقال: يا شقيق لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة و باطنة، فأحسن ظنك بربك ثم ناولني الركوة، فشربت منها فاذا هو سويق و سكر، فوالله ما شربت قط ألذ منه و لا أطيب ريحا، فشبعت و رويت و بقيت أياما لا أشتهي طعاما و لا شرابا، ثم اني لم أره حتي دخلنا مكة، فرأيته ليلة الي جنب قبة الشراب في نفس الليلة قائما يصلي بخشوع و أنين و بكاء، فلم



[ صفحه 745]



يزل كذلك حتي ذهب الليل، فلما رأي الفجر جلس في مصلاه يسبح ثم قام فصلي الغداة و طاف بالبيت أسبوعا فخرج فتبعته و اذا له غاشية [2] و موال و هو علي خلاف ما رأيته في الطريق، و دار به الناس من حوله يسلمون عليه، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتي؟ فقال: هذا موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام، فقلت قد عجبت أن تكون هذه العجائب الا لمثل هذا السيد.

و لقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة اقتصرت علي ذكر بعضها، فقال:



سل شقيق البلخي عنه و ما

عاين منه و ما الذي أبصر



قال لما حججت عاينت شخصا

شاحب اللون ناحل الجسم أسمر [3] .



سايرا وحده و ليس له

زاد فما زلت دائما أتفكر



و توهمت أنه يسأل الناس

و لم أدر أنه الحج الأكبر



ثم عاينته و نحن نزول

دون فيد علي الكثيب الأحمر [4] .



يضع الرمل في الاناء و يشربه

فناديته و عقلي محير



اسقني شربة فناولني

منه فعاينته سويقا و سكر



فسألت الحجيج من يك هذا؟

قيل هذا الامام موسي بن جعفر



فهذه الكرامات العالية المقدار الخارقة للعوائد هي علي التحقيق حلية المناقب و زينة المزايا، و غرر الصفات، و لا يؤتاها الا من أفاضت عليه العناية الربانية أنوار التأييد، و مرت له أخلاق التوفيق، و أزلفته من مقام التقديس و التطهير (و ما يلقاها الا الذين صبروا و ما يلقاها الا ذو حظ عظيم).

و لقد قرع سمعي ذكر واقعة عظيمة ذكرها بعض صدور العراق، أثبتت لموسي عليه السلام أشرف منقبته، و شهدت له بعلو مقامه عندالله تعالي، و زلفي منزلته لديه، و ظهرت بها كراماته بعد وفاته، و لا شك أن ظهور الكرامة بعد الموت أكثر منها دلالة حال الحياة، و هي:



[ صفحه 746]



ان من عظماء الخلفاء مجدهم الله تعالي من كان له نائب كبير الشأن في الدنيا من مماليكه الأعيان و كان في ولاية عامة طالت فيها مدته و كان ذا سطوة و جبروت، فلما انتقل الي الله تعالي اقتضت عناية الخليفة له أن تقدم بدفنه في ضريح مجاور لضريح الامام موسي بن جعفر عليهماالسلام بالمشهد المطهر، و كان بالمشهد المطهر نقيب معروف و مشهود له بالصلاح، كثير التودد و الملازمة للضريح و الخدمة له، قائم بوظائفها، فذكر هذا النقيب أنه بعد دفن هذا المتوفي في ذلك القبر بات بالمشهد الشريف، فرأي في منامه أن القبر قد انفتح و النار تشتعل فيه و قد انتشر منه دخان و رائحة قتار [5] ذلك المدفون فيه الي أن ملأت المشهد، و ان الامام موسي عليه السلام واقف فصاح لهذا النقيب باسمه و قال له: تقول للخليفة يا فلان - و سماه باسمه - لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم، و قال كلاما خشنا، فاستيقظ ذلك النقيب و هو يرعد فرقا و خوفا، و لم يلبث أن كتب ورقة و سيرها منهيا فيها صورة الواقعة بتفصيلها، فلما جن الليل جاء الخليفة الي المشهد المطهر بنفسه و استدعي النقيب و دخلوا الي الضريح و أمر بكشف ذلك القبر، و نقل ذلك المدفون الي موضع آخر خارج المشهد، فلما كشفوه و جدوا فيه رماد الحريق، و لم يجدوا للميت أثرا، و في هذه القضية زيادة استغناء عن تعداد بقية مناقبه، و اكتفاء عن بسط القول فيها.

و أما أولاده: فقيل ولد له عشرون ابنا و ثمان عشرة بنتا، و أسماء بنيه عليه السلام: علي الرضا، زيد، ابراهيم، عقيل، هارون، الحسن، الحسين، عبدالله، اسماعيل، عبيدالله، عمر، أحمد، جعفر، يحيي، اسحاق، العباس، حمزة، عبدالرحمان، القاسم، جعفر الأصغر، و يقال موضع عمر محمد.

و أسماء بناته: خديجة، أم فروة، أسماء، علية، فاطمة، فاطمة، أم كلثوم، أم كلثوم، آمنة، زينب، أم عبدالله، زينب الصغري، أم القاسم، حكيمة، أسماء الصغري، محمودة، أمامة، ميمونة، و قيل غير ذلك.

و أما عمره فانه مات لخمس بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة للهجرة، و قد تقدم ذكر ولادته في سنة ثمان و عشرين، و قيل: تسع و عشرين، فيكون عمره علي القول الأول خمسا و خمسين سنة، و علي القول الثاني أربعا و خمسين سنة، و قبره



[ صفحه 747]



بالمشهد المعروف بباب التين من بغداد المحروسة (انتهي كلام كمال الدين).

قلت: القصة التي أوردها عن شقيق البلخي قد أوردها جماعة من أرباب التأليف و المحدثين: ذكرها الشيخ ابن الجوزي رحمه الله في كتابيه اثارة العزم الساكن الي أشرف الأماكن، و كتاب صفة الصفوة، و ذكرها الحافظ عبدالعزيز بن الأخضر الجنابذي، و حكي الي بعض الأصحاب أن القاضي بن خلاد الرامهرمزي ذكرها في كتابه كرامات الأولياء.

و قال الجنابذي: أبوالحسن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أمه أم ولد، ولد له علي الرضا، و زيد، و عقيل، و هارون، و الحسن، و الحسين، و عبدالله، و اسماعيل، و عبيدالله، و عمر، و أحمد، و جعفر، و يحيي، و اسحاق، و العباس، و حمزة، و عبدالرحمان، و القاسم، و جعفر الأصغر، و يقال موضع عمر محمد، و أبوبكر.

و من البنات: خديجة، و أم فروة، و أسماء، و علية، و فاطمة، و فاطمة، و أم كلثوم، و أم كلثوم، و آمنة، و زينب، و أم عبدالله، و زينب الصغري، و أم القاسم، و حكيمة، و أسماء الصغري، و محمودة، و أمامة، و ميمونة، عشرون ذكرا و ثمان عشرة انثي.

و يقال كنيته أبوابراهيم، و اسم أمه حميدة الأندلسية، مولده سنة ثمان و عشرين و مائة، توفي سنة ثلاث و ثمانين و مائة، فيكون عمره خمسا و خمسين سنة.

و روي اسحاق بن جعفر قال: سألت أخي موسي بن جعفر قلت: أصلحك الله أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم، قلت: أيكون جبانا؟ قال: نعم، قلت: أيكون خائنا؟ قال: لا، و لا يكون كذابا، ثم قال: حدثني أبي جعفر بن محمد عن آبائه عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: علي كل خلة يطوي المؤمنين ليس الخيانة و الكذب.

حدث عيسي بن محمد بن مغيث القرطي و بلغ تسعين سنة قال: زرعت بطيخا و قثاءا وقرعا في موضع بالجوانية علي بئر يقال لها: أم عظام، فلما قرب الخير و استوي الزرع بيتني الجراد و أتي علي الزرع كله، و كنت غرمت علي الزرع ثمن جملين و مائة و عشرين دينارا، فبينا أنا جالس اذ طلع موسي بن جعفر بن محمد فسلم



[ صفحه 748]



علي ثم قال: أيش [6] حالك؟ قلت: أصبحت كالصريم بيتني الجراد فأكل زرعي، قال: كم غرمت؟ قلت: مائة و عشرين دينارا مع ثمن الجملين، قال: فقال: يا عرفة ان لأبي الغيث مائة و خمسين دينارا فربحك ثلاثون دينارا و الجملان، فقلت: يا مبارك أدع لي فيها بالبركة، فدخل و دعا و حدثني عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: تمسكوا ببقاء المصائب [7] ثم علقت عليه الجملين و سقيته فجعل الله فيه البركة وزكت فبعت منها بعشرة آلاف.

حدث أحمد بن اسماعيل قال: بعث موسي بن جعفر عليهماالسلام الي الرشيد من الحبس برسالة كانت: أنه لن ينقضي عني يوم من البلاء الا انقضي عنك معه يوم من الرخاء حتي نقضي جميعا الي يوم ليس له انقضاء، يخسر فيه المبطلون.

قال: و ذكر الخطيب قال: ولد موسي بن جعفر بالمدينة في سنة ثمان و عشرين، و قيل: تسع و عشرين و مأة، و أقدمه المهدي بغداد، ثم رده الي المدينة، فأقام بها الي أيام الرشيد، فقدم الرشيد بالمدينة فحمله معه و حبسه ببغداد، الي أن توفي بها لخمس بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مأة.

اسماعيل عن أبيه موسي بن جعفر عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: نظر الولد الي والديه حبا لهما عبادة.

و روي أن موسي بن جعفر أحضر ولده يوما فقال لهم: يا بني اني موصيكم بوصية من حفظها لم يضع معها، ان آتاكم آت فأسمعكم في الاذن اليمني مكروها، ثم تحول الي الاذن اليسري فاعتذر و قال: لم أقل شيئا فأقبلوا عذره.

و عن موسي بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال الحسين: جاء الرجل الي أميرالمؤمنين عليه السلام يسعي بقوم فأمرني أن دعوت له قنبرا، فقال له علي عليه السلام: أخرج الي هذا الساعي فقل له: قد أسمعتنا ماكره الله تعالي فانصرف في غير حفظ الله تعالي (آخر كلام الجنابذي رحمه الله تعالي).



[ صفحه 749]




پاورقي

[1] الأبواء: قرية بين مكة و المدينة بينها و بين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة و عشرون ميلا و به قبر آمنة بنت و هب ام النبي صلي الله عليه و آله و سلم و في وجه تسميته بالأبواء خلاف ذكره الحموي في المعجم فراجع.

[2] الغاشية: السؤال يأتونك و الزوار و الأصدقاء ينتابونك.

[3] شحب لونه: تغير من جوع أو هزال أو سفر. و نحل جسمه: هزل.

[4] فيد: منزل بطريق مكة سمي بفيد بن حام و هو أول من نزل به. و الكثيب: التل من الرمل.

[5] القتار - بالضم -: ريح القدر و الشواء و العظم المحرق.

[6] كأنه مخفف أي شي ء.

[7] قال المجلسي رحمه الله في البحار في بيان الحديث: لعل المراد عدم الجزع عند المصائب و الاعتناء بشأنها فانها غالبا من علامات السعادة، أو المراد: تمسكوا بالله عند بقائها.