بازگشت

قال الراوندي في معجزات موسي بن جعفر


عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال أبي موسي بن جعفر عليهماالسلام لعلي بن أبي حمزة مبتدئا: انك لتلقي رجلا من أهل المغرب يسألك عني، فقل: هو الامام الذي قال لنا أبوعبدالله الصادق عليه السلام، فاذا سألك عن الحلال و الحرام فأجبه، قال: فما علامته؟ قال عليه السلام: رجل طويل جسيم اسمه يعقوب بن يزيد و هو رائد قومه، و ان أراد الدخول الي فأحضره عندي. قال علي بن أبي حمزة: فوالله اني لفي الطواف اذ أقبل رجل جسيم طويل فقال لي: عن موسي بن جعفر عليهماالسلام، قلت: فما اسمك؟ قال: يعقوب بن يزيد، قلت: من أين أنت؟ قال: من المغرب، قلت: من أين عرفتني؟ قال: أتاني آت في منامي فقال لي: ألق علي بن أبي حمزة فسله عن جميع ما تحتاج اليه، فسألت عنك فدللت عليك، فقلت: أقعد في هذا الموضع حتي أفرغ من طوافي و أعود اليك.

فطفت ثم أتيته فكلمته فرأيته رجلا عاقلا فطنا، فالتمس مني الوصول الي موسي بن جعفر عليهماالسلام، فأوصلته، فلما رآه قال: يا يعقوب بن يزيد قدمت أمس و وقع بينك و بين أخيك خصومة في موضع كذا حتي تشاتمتما، و ليس هذا من ديني و لا من دين آبائي، فلا نأمر بهذا أحدا من شيعتنا، فاتق الله فانكما ستفترقان عن قريب بموت، فأما أخوك فيموت في سفرته هذه قبل أن يصل الي أهله، و تندم أنت علي ما كان منك اليه فانكما تقاطعتما و تدابرتما، فقطع الله عليكما أعماركما.

فقال الرجل: يابن رسول الله فأنا متي يكون أجلي؟ قال: كان قد حضر أجلك، فوصلت عمتك بما وصلتها في منزل كذا و كذا، فنسأ الله في أجلك عشرين حجة. قال علي بن أبي حمزة: فلقيت الرجل من قابل بمكة فأخبرني أن أخاه توفي و دفنه في الطريق قبل أن يصل الي أهله.



[ صفحه 774]



و منها أن المفضل بن عمر قال: لما مضي الصادق كانت وصيته الي موسي الكاظم عليهماالسلام، فادعي أخوه عبدالله الامامة و كان أكبر ولد جعفر في وقته ذلك و هو المعروف بالأفطح، فأمر موسي بجمع حطب كثير في وسط داره و أرسل الي أخيه عبدالله يسأله أن يصير اليه، فلما صار اليه و مع موسي جماعة من الامامية، فلما جلس موسي أمر بطرح النار في الحطب فاحترق و لا يعلم الناس السبب فيه حتي صار الحطب كله جمرا، ثم قام موسي و جلس بثيابه في وسط النار و أقبل يحدث الناس ساعة، ثم قام فنفض ثوبه و رجع الي المجلس فقال لأخيه عبدالله: ان كنت تزعم أنك الامام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس، قالوا: فرأينا عبدالله قد تغير لونه و قام يجر رداءه حتي خرج من دار موسي عليه السلام.

و منها ما قال بدر مولي الرضا: ان اسحاق بن عمار دخل علي موسي بن جعفر عليهماالسلام فجلس عنده اذ استأذن عليه رجل خراساني فكلمه بكلام لم يسمع مثله كأنه كلام الطير، قال اسحاق: فأجابه موسي بمثله و بلغته الي أن قضي و طره من مساءلته و خرج من عنده، فقلت: ما سمعت بمثل هذا الكلام، قال: هذا كلام قوم من أهل الصين و ليس كل كلام أهل الصين مثله، ثم قال: أتعجب من كلامي؟ قلت: هو موضع العجب، قال: أخبرك بما هو أعجب منه، ان الامام يعلم منطق الطير و نطق كل ذي روح خلقه الله و ما يخفي علي الامام شي ء.

و منها ما قال علي بن أبي حمزة: أخذ بيدي موسي بن جعفر يوما فخرجنا من المدينة الي الصحراء فاذا نحن برجل مغربي علي الطريق يبكي و بين يديه حمار ميت، و رحله مطروح، فقال له موسي: ما شأنك؟ قال: كنت مع رفقائي نريد الحج فمات حماري هاهنا، و بقيت و مضي أصحابي و قد بقيت متحيرا ليس لي شي ء أحمل عليه، فقال له موسي: لعله لم يمت، قال: أما ترحمني تلهو بي؟ قال: ان عندي رقية جيدة، قال الرجل: ما يكفيني ما أنا فيه حتي تستهزي ء بي، فدنا موسي عليه السلام من الحمار و دعا بشي ء لم أسمعه، و أخذ قضيبا كان مطروحا فنخسه به [1] وصاح عليه، فوثب قائما صحيحا سليما، فقال: يا مغربي تري هاهنا شيئا من الاستهزاء؟ الحق بأصحابك؟ و مضينا و تركناه.



[ صفحه 775]



قال علي بن أبي حمزة: فكنت واقفا يوما علي زمزم و اذا المغربي هناك، فلما راني عدا الي و قبلني فرحا مسرورا، فقلت: ما حال حمارك؟ فقال: هو و الله صحيح سليم و لا أدري من أين من الله به علي فأحيا لي حماري بعد موته، فقلت له: قد بلغت حاجتك فلا تسأل عما لا تبلغ معرفته.

و منها ان اسحاق بن عمار قال: لما حبس هارون أباالحسن عليه السلام دخل عليه أبويوسف و محمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة فقال أحدهما للآخر: نحن علي أحد أمرين: اما أن نساويه و اما أن نشككه [2] ، فجلسا بين يديه فجاء رجل كان موكلا به من قبل السندي، فقال: ان نوبتي قد انقضت و أنا علي الانصراف، فان كانت لك حاجة فأمرني حتي آتيك بها في الوقت التي تلحقني النوبة، فقال: مالي حاجة، فلما خرج قال لأبي يوسف و محمد بن الحسن: ما أعجب هذا يسألني أن أكلفه حاجة ليرجع و هو ميت في هذه الليلة، قال: فغمز أبويوسف محمد بن الحسن فقاما، فقال أحدهما للآخر: انا جئنا لنسأله عن الفرض و السنة و هو الآن جاء بشي ء آخر كأنه من علم الغيب، ثم بعثنا برجل مع الرجل فقالا: اذهب حتي تلازمه و تنظر ما يكون من أمره في هذه الليلة و تأتينا بخبره من الغد.

فمضي الرجل فنام في مسجد عند باب داره، فلما أصبح سمع الواعية و رأي الناس يدخلون داره، فقال: ما هذا؟ قالوا: مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علة، فانصرف اليهما فأخبرهما، فأتيا أباالحسن عليه السلام فقالا: قد علمنا أنك أدركت العلم في الحلال و الحرام، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل أنه يموت في هذه الليلة؟ قال: من الباب الذي كان أخبر بعمله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالب عليه السلام، فلما ورد عليهما هذا بقيا لا يحيران جوابا [3] .

و روي أن هارون الرشيد بعث يوما الي موسي عليه السلام علي يدي ثقة له طبقا من السرقين الذي هو علي هيئة التين و أراد استخفافه، فلما رفع الازار عنه فاذا هو من أحلي التين و أطيبه، فأكل عليه السلام و أطعم الحامل منه، ورد بعضه الي هارون، فلما تناوله



[ صفحه 776]



هارون صار سرقينا في فيه، و كان في يده تينا جنيا.

قلت: عندي في هذا الخبر نظر، فان الرشيد و ان كان يريد قتل أبي الحسن عليه السلام فانه كان يعرف شرفه و لا يصل به الي هذا القدر من الهوان، و ان كان يخاف علي الملك فلا يلزم طلبه اهانته الي هذه الغاية، و موسي عليه السلام لم يكن يقابله بمثل فعله باعادة الطبق اليه، بحيث يجعله في فيه فيعود الي حاله، لاسيما و هو في حبسه، و دينه التقية و هو مسمي بالكاظم و الله أعلم.

و منها ما قال اسحاق بن عمار أيضا، قال: أقبل أبوبصير مع أبي الحسن موسي عليه السلام من المدينة يريد العراق فنزل زبالة، فدعا بعلي بن أبي حمزة البطائني و كان تلميذا لأبي بصير، فجعل يوصيه بحضرة أبي بصير و يقول: يا علي اذا صرنا الي الكوفة تقدم في كذا، فغضب أبوبصير و خرج من عنده، فقال: لا والله ما أري هذا الرجل أنا أصحبه منذ حين ثم يتخطاني بحوائجه الي بعض غلماني، فلما كان من الغد حم أبوبصير بزبالة فدعا بعلي بن أبي حمزة فقال: استغفر الله مما حل في صدري من مولاي، و من سوء ظني به، كان قد علم أني ميت و أني لا ألحق بالكوفة، فاذا أنا مت فافعل بي كذا و تقدم في كذا، فمات أبوبصير بزبالة.

و منها أن اسماعيل بن سالم قال: بعث الي علي بن يقطين و اسماعيل بن أحمد فقالا لي: خذ هذه الدنانير فأت الكوفة فألق فلانا فاستصحبه و اشتريا راحلتين وامضيا بالكتب و ما معكما من مال فادفعاه الي موسي بن جعفر عليهماالسلام، فسرنا حتي اذا كنا ببطن الرملة، و قد اشترينا علفا و وضعناه بين الراحلتين، و جلسنا نأكل فبينما نحن كذلك اذ طلع علينا موسي بن جعفر علي بغلة له أو بغل و خلفه شاكري [4] ، فلما رأيناه و ثبنا له و سلمنا عليه، فقال: هاتا ما معكما فأخرجناه و دفعناه اليه و أخرجنا الكتب و دفعناها اليه، فأخرج كتبا من كمه فقال: هذه جوابات كتبتكم فانصرفوا في حفظ الله تعالي، فقلنا: قد فني زادنا و قد قربنا من المدينة، فلو أذنت لنا فزرنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و تزودنا زادا، فقال: أبقي معكما من زادكما شي ء؟ فقلنا: نعم، قال: ائتوني به، فأخرجناه اليه فقبضه بيده و قال: هذه بلغتكم الي الكوفة امضيا في حفظ الله، فرجعنا و كفانا الزاد الي الكوفة.



[ صفحه 777]



قال ابن الجوزي رحمه الله في صفوة الصفوة: موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن الحسن الهاشمي صلوات الله عليهم كان يدعي العبد الصالح لأجل عبادته و اجتهاده و قيامه بالليل، و كان كريما حليما اذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث اليه بمال.

وحدثني أحمد بن اسماعيل قال: بعث موسي بن جعفر عليهماالسلام الي الرشيد من الحبس برسالة كانت أنه لن يقضي عني يوم من البلاء الا انقضي عنك معه يوم من الرخاء حتي نقضي جميعا الي يوم الي ليس له انقضاء، يخسر فيه المبطلون.

قال المصنف: ولد موسي بن جعفر بالمدينة في سنة ثمان و عشرين، و قيل: تسع و عشرين و مأة، و أقدمه المهدي بغداد ثم رده الي المدينة، فأقام بها الي أيام الرشيد، فقدم الرشيد المدينة فحمله معه و حبسه ببغداد الي أن توفي بها لخمس بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مأة (آخر كلام ابن الجوزي) بعد أن حذفت منه ما نقلته من كتب غيره، كقصة شقيق البلخي رحمه الله و غيرها و الله حسبي و نعم الوكيل.

و قال الآبي في كتابه نثر الدر: موسي بن جعفر ذكر له أن الهادي قد هم به، فقال لأهل بيته: بما تشيرون؟ قالوا: نري أن نتباعد عنه، و أن تغيب شخصك فانه لا يؤمن شره، فتبسم ثم قال:



زعمت سخينة أن ستغلب ربها

و لتغلبن مغالب الغلاب [5] .



ثم رفع يده الي السماء فقال: الهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته [6] ، وداف لي قواتل سمومه، و لم تنم عني عين حراسته، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح [7] ، و عجزي عن ملمات الحوائج، صرفت ذلك عني بحولك و قوتك لا بحولي و قوتي، فألقيته في الحفيرة التي احتفر لي خائفا مما أمله في دنياه، متباعدا مما رجاه في آخرته، فلك الحمد علي قدر استحقاقك، سيدي اللهم فخذه بعزتك، و افلل حده عني بقدرتك، و اجعل له شغلا فيما يليه، و عجزا عمن يناويه، اللهم و أعدني عليه عدوي حاضرة تكون من غيظي شفاءا، و من حقي عليه و فاءا، وصل اللهم دعائي بالاجابة،



[ صفحه 778]



و انظم شكايتي بالتغيير و عرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، و عرفني ما وعدت في اجابة المضطرين، انك ذوالفضل العظيم، و المن الكريم، ثم تفرق القوم، فما اجتمعوا الا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسي الهادي، ففي ذلك يقول بعضهم في وصف دعائه:



و سارية لم تسر في الأرض تبتغي

محلا و لم يقطع بها السير قاطع



و هي أبيات مليحة ما قيل في وصف الدعاء المستجاب أحسن منها.

و سأله الرشيد فقال: لم زعمتم أنكم أقرب الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم منا، فقال عليه السلام: يا أميرالمؤمنين لو أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نشر فخطب اليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله فكنت أفتخر بذلك علي العرب و العجم فقال: لكنه لا يخطب الي و لا أزوجه، لأنه ولدنا و لم يلدكم.

و روي أنه قال: هل كان يجوز له أن يدخل علي حرمك و هن متكشفات؟ فقال: لا، فقال: ولكنه كان يدخل علي حرمي كذلك و كان يجوز له.

و قيل: انه سأله أيضا لم قلتم انا ذرية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و جوزتم أن ينسبوكم اليه؟ فيقولوا: يا بني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أنتم بنو علي و انما ينسب الرجل الي أبيه دون جده، فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين - و زكريا و يحيي و عيسي و الياس) [8] ، و ليس لعيسي أب و انما ألحق بذرية الأنبياء من قبل أمه، و كذلك ألحقنا بذرية النبي صلي الله عليه و آله و سلم من قبل أمنا فاطمة عليهاالسلام، و أزيدك يا أميرالمؤمنين، قال الله تعالي: (فمن حاجك فيه من بعد ما تبين لك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءها و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم) [9] و لم يدع عليه السلام عند مباهلة النصاري غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين و هما الأبناء عليهماالسلام.

و مات في حبس الرشيد، و قيل: سعي به جماعة من أهل بيته منهم محمد بن جعفر بن محمد أخوه، و محمد بن اسماعيل بن جعفر بن أخيه و الله أعلم.

و سمع موسي عليه السلام رجلا يتمني الموت، فقال له: هل بينك و بين الله قرابة



[ صفحه 779]



يحابيك [10] لها؟ قال: لا، قال: فهل لك حسنات قدمتها تزيد علي سيئاتك؟ قال: لا، قال: فأنت اذا تتمني هلاك الأبد!

و قال: من استوي يوماه فهو مغبون، و من كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، و من لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في النقصان، و من كان الي النقصان فالموت خير له من الحياة.

و روي عنه أنه قال: اتخذوا القيان فان لهن فطنا و عقولا ليست لكثير من النساء، و كأنه النجابة في أولادهن [11] .

فائدة سنية: كنت أري الدعاء الذي يقوله أبوالحسن موسي عليه السلام في سجدة الشكر و هو: رب عصيتك بلساني و لو شئت و عزتك لأخر ستني، و عصيتك ببصري و لو شئت و عزتك لأكمهتني [12] ، و عصيتك بسمعي و لو شئت و عزتك لأصممتني، و عصيتك بيدي و لو شئت و عزتك لكنعتني [13] و عصيتك بفرجي و لو شئت و عزتك لأعقمتني، و عصيتك برجلي و لو شئت و عزتك لجذمتني، و عصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي و لم يكن هذا جزاك مني.

بخط عميد الرؤساء لعقمتني و المعروف عقمت المرأة و عقمت و أعقمها الله فكنت أفكر في معناه و أقول: كيف يتنزل علي ما تعتقده الشيعة من القول بالعصمة، و ما اتضح لي ما يدفع التردد الذي يوجبه، فاجتمعت بالسيد السعيد النقيب رضي الدين أبي الحسن علي بن موسي بن طاوس العلوي الحسيني رحمه الله و ألحقه بسلفه الطاهر فذكرت له ذلك، فقال: ان الوزير السعيد مؤيد الدين العلقمي رحمه الله تعالي سألني عنه فقلت: كان يقول هذا ليعلم الناس ثم اني فكرت بعد ذلك فقلت: هذا كان يقوله في سجدته في الليل و ليس عنده من يعلمه.

ثم انه سألني عنه السعيد الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي رحمه الله فأخبرته بالسؤال الأول و الذي قلت و الذي أوردته عليه، و قلت: ما بقي الا أن يكون يقوله علي



[ صفحه 780]



سبيل التواضع و ما هذا معناه، فلم تقع مني هذه الأقوال بموقع، و لا حلت من قلبي في موضع، و مات السيد رضي الدين رحمه الله فهداني الله الي معناه و وفقني علي فحواه، فكان الوقوف عليه و العلم به و كشف حجابه بعد السنين المتطاولة و الأحوال المحرمة، و الأدوار المكررة، من كرامات الامام موسي بن جعفر عليه السلام و معجزاته، و لتصح نسبة العصمة اليه عليه السلام، و تصدق علي آبائه و أبنائه البررة الكرام، و تزول الشبهة التي عرضت من ظاهر هذا الكلام.

و تقريره أن الأنبياء و الأئمة عليهم السلام تكون أوقاتهم مشغولة بالله تعالي، و قلوبهم مملوة به، و خواطرهم متعلقة بالملأ الأعلي، و هم أبدا في المراقبة كما قال عليه السلام: أعبد الله كأنك تراه فان لم تره فانه يراك، فهم أبدا متوجهون اليه و مقبلون بكلهم عليه، فمتي انحطوا عن تلك الرتبة العالية، و المنزلة الرفيعة، الي الاشتغال بالمأكل و المشرب، و التفرغ الي النكاح و غيره من المباحات عدوه ذنبا، و اعتقدوه خطيئة و استغفروا منه، ألا تري أن بعض أبناء الدنيا لو قعد و أكل و شرب و نكح و هو يعلم أنه بمرأي من سيده و مسمع لكان ملوما عند الناس، و مقصرا فيما يجب عليه من خدمة سيده و مالكه، فما ظنك بسيد السادات، و ملك الأملاك.

و الي هذا أشار عليه السلام: انه ليران علي قلبي و اني لأستغفر بالنهار سبعين مرة، و لفظة السبعين انما هي لعد الاستغفار لا الي الرين، و قوله: حسنات الأبرار سيئات المقربين، و نظيره ايضاحا من لفظه ليكون أبلغ من التأويل.

و يظهر من قوله: أعقمتني و العقيم الذي لا يولد له، و الذي يولد من السفاح لا يكون ولدا، فقد بان بهذا أنه كان يعد اشتغاله في وقت ما بما هو ضرورة للأبدان معصية، يستغفر الله منها و علي هذا فقس البواقي، و كلما يرد عليك من أمثالها [14] .



[ صفحه 781]



و هذا معني شريف يكشف بمدلوله حجاب الشبهة، و يهدي به الله من حسر عن بصره و بصيرته رين العمي و العمه، و ليت السيد كان حيا لأهدي هذه العقيلة اليه، و أجلو عرايسها عليه، فما أظن أن هذا المعني اتضح من لفظ الدعاء لغيري، و لا أن أحدا سار في ايضاح مشكله و فتح مقفله مثل سيري، و قد ينتج الخاطر العقيم فيأتي بالعجائب، و قديما ما قيل: مع الخواطي ء سهم صايب.

و قال ابن حمدون في تذكرته: قال موسي بن جعفر عليهماالسلام: وجدت علم الناس في أربع: أولها أن تعرف ربك، و الثانية أن تعرف ما صنع بك، و الثالثة أن تعرف ما أراد منك، و الرابعة أن تعرف ما يخرجك من دينك.

معني هذه الأربع: الاولي وجوب معرفة الله تعالي التي هي اللطف، الثانية معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لأجلها الشكر و العبادة، الثالثة أن تعرف ما أراد منك فيما أوجبه عليك وندبك الي فعله لتفعله علي الحد الذي أراده منك



[ صفحه 782]



فتستحق بذلك الثواب، الرابع أن تعرف الشي ء الذي يخرجك عن طاعة الله فتجتنبه.

قال الفقير الي الله تعالي عبدالله علي بن عيسي غفر الله له ذنوبه بكرمه و أجراه علي عوايد ألطافه و نعمه: مناقب الكاظم عليه السلام و فضائله و معجزاته الظاهرة، و دلائله و صفاته الباهرة و مخائله، تشهد أنه افترع قبه الشرف و علاها، و سما الي أوج المزايا فبلغ أعلاها، و ذللت له كواهل السيادة فركبها و امتطاها، و حكم في غنايم المجد فاختار صفاياها و اصطفاها.



تركت و الحسن تأخذه

تصطفي منه و تنتجب



فانتفت منه أحاسنه

و استزادت فضل ما تهب



طالت أصوله فسمت الي أعلي رتب الجلال، و طابت فروعه فعلت الي حيث لا تنال، يأتيه المجد من كل أطرافه، و يكاد الشرف يقطر من أعطافه.



أتاه المجد من هنا وهنا

و كان له بمجتمع السيول



السحاب الماطر قطرة من كرمه، و العباب الزاخر نغبة من نغبه، و اللباب الفاخر من عد من عبيده و خدمه، كأن الشعري علقت في يمينه، و لا كرامة للشعري العبور، و كأن الرياض أشبهت خلايقه و لا نعمي لعين الروض الممطور، و هو عليه السلام غرة في وجه الزمان، و ما الغرر و الحجول، و هو أضوأ من الشمس و القمر، و هذا جهد من يقول بل هو و الله أعلي مكانة من هذه الأوصاف و أسمي، و أشرف عرقا من هذه النعوت و أنمي، فكيف تبلغ المدائح كنه مقداره، أو ترقي همة البليغ الي نعت فخاره، أو تجري جياد الأقلام في جلباب صفاته، أو يسري خيال الأوهام في ذكر حالاته.

كاظم الغيظ، و صائم القيظ، عنصره كريم، و مجده حادث و قديم، و خلق سؤدده و سيم، و هو بكل ما يوصف به زعيم، الآباء عظام، و الأبناء كرام، والدين متين، و الحق ظاهر مبين، و الكاظم في أمر الله قوي أمين، و جوهر فضله عال ثمين، و واصفه لا يكذب و لا يمين، قد تلقي راية الامامة باليمين فسما عليه السلام الي الخيرات منقطع القرين، و أنا أحلف علي ذلك فيه و في آبائه و أبنائه عليه السلام باليمين.

كم له من فضيلة جليلة، و منقبة بعلو شأنه كفيلة، و هي و ان بلغت الغاية بالنسبة اليه قليلة، و مهما عد من المزايا و المفاخر فهي فيهم صادقة، و في غيرهم مستحيلة، اليهم ينسب العظماء، و عنهم يأخذ العلماء، و منهم يتعلم الكرماء، و هم الهداة الي الله فبهداهم اقتدة، و هو الأدلاء علي الله فلا تحل عنهم و لا تنشده، و هم الامناء علي أسرار



[ صفحه 783]



الغيب، و هم المطهرون من الرجس و العيب، و هم النجوم الزواهر في الظلام، و هم الشموس المشرقة في الأيام، و هم الذين أوضحوا شعار الاسلام، و عرفوا الحلال و الحرام، من تلق منهم تقل لاقيت سيدا، و متي عددت منهم واحدا كان بكل الكمالات منفردا، و من قصدت منهم حمدت قصدت مقصدا، و رأيت من لا يمنعه جوده اليوم أن يجود غدا، و متي عدت اليه عادكما بدأ، المائدة و الأنعام يشهدان بحالهم، و المائدة و الأنعام يخبران بنوالهم، فلهم كرم الأبوة و البنوة، و هم معادن الفتوة و المروة، و السماح في طبائعهم غريزة، و المكارم لهم شنشنة و نحيزة [15] ، و الأقوال في مدحهم و ان طالت و جيزة، بحور علم لا تنزف، و أقمار عز لا يخسف، و شموس مجد لا تكسف، مدح أحدهم يصدق علي الجميع، و هم متعادلون في الفخار، فكلهم شريف رفيع بذوا الأمثال بطريفهم و تالدهم و لا مثيل، و نالوا النجوم بمفاخرهم و محامدهم فانقطع دون شأوهم العديل و لا عديل، فمن الذي ينتهي في السير الي أمدهم و قد سد دونه السبيل، أمن لهم يوم كيومهم أو غدكغدهم، و لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم صلي الله عليه صلاة نامية الأمداد، باقية علي الآباد، مدخرة ليوم المعاد، انه جواد كريم.

و قد اتبعت العادة في مدحه عليه السلام و أنا معتذر كعذري في ما تقدم من الكلام، فان شرفه يعلو عن الأقوال، و من نطق بمدحه الكتاب العزيز فما عسي أن يقال: ولكن اتباع العوائد يوسع المجال، و من اعترف بتقصيره كان كمن بلغ الكمال (و هذا الشعر).



مدائحي وقف علي الكاظم

فما علي العاذل و اللائم



و كيف لا أمدح مولي غدا

في عصره خير بني آدم



و من كموسي أو كآبائه

أو كعلي والي القائم



امام حق يقتضي عدله

لو سلم الحكم الي الحاكم



أفاضة العدل و بذل الندي

و الكف من عادية الظالم



يبسم للسائل مستبشرا

أفديه من مستبشر باسم



ليث وغي في الحرب دامي الشبا

و غيث جود كالحيا الساجم [16] .





[ صفحه 784]





مآثر يعجز عن وصفها

بلاغة الناثر و الناظم



تعد ان قيست الي جوده

معائبا ما قيل عن حاتم



في الحلم بحر زاخر مده

و في الوغي أمضي من الصارم



يعفو عن الجاني و يولي الندي

و يحمل الغرم عن الغارم



القائم الصائم أكرم به

من قائم مجتهد صائم



من معشر سنو الندي و القري

و أشرقوا في الزمن القاتم



و أحرزوا خصل العلي فاغتدوا

أشرف خلق الله في العالم



يروي المعالي عالم منهم

مصدق في النقل عن عالم



قد استووا في شرف المرتقي

كما تساوت حلقة الخاتم



من ذا يجاريهم اذا ما اعتزوا

الي علي والي فاطم



و من يناويهم اذا عددوا

خير بني الدنيا أباالقاسم



صلي عليه الله من مرسل

لما أتي من قبله خاتم



يا آل طه أنا عبد لكم

باق علي حبكم اللازم



أرجو بكم نيل الأماني غدا

اذا استبانت حسرة النادم



معتصم منكم بود اذا

ما ظل شانيكم بلا عاصم



وليكم في نعم خالد

و ضدكم في نصب دائم


پاورقي

[1] نخس الدابة: غرز مؤخرها أو جنبها بعود و نحوه فهاجت.

[2] كذا في أكثر النسخ لكن في الخرائج و نسخة البحار «نشكله» و في نسخة «نشاكله» و كأنه الظاهر أي نشبهه و ان لم نكن مثله.

[3] أي سكتا و لم يردا جوابا.

[4] الشاكري معرب «چاكر».

[5] البيت لكعب بن مالك و قيل انه لحسان و لم أجد في ديوانه و السخينة: لقب قريش لأنها كانت تكثر من أكل السخينة فتعاب به و هي: طعام يتخذ من دقيق و سمن و قيل غير ذلك.

[6] الظبة: حد السيف و نحوه. و المدية: السكين العظيم.

[7] داف الشي ء بالشي ء: خلطه.

[8] الأنعام: 84.

[9] آل عمران: 61.

[10] حاباه محاباة: نصره. مال اليه. و حاباه في البيع: سامحه و ساهله.

[11] قلت: القيان جمع قينة و هي الأمة مغنية كانت أو غير مغنية. قال أبوعمرو: كل عبد فهو عند العرب قين، و الأمة: قينة، و بعض الناس يظن المغنية خاصة و ليس هو كذلك.

[12] الكمه: العمي.

[13] كنع - يده بتشديد النون - أشلها و أيبسها.

[14] و هناك كلام آخر في تصحيح أمثال هذا الدعاء مما ورد عنهم عليهم السلام قد استفدته من بعض الأساتيذ دامت بركاته العالية و هو و ان لم تكن في المتانة و القوة بمثابة ما ذكره المؤلف رحمه الله لكن لا بأس بذكره و لا يخلو عن الفائدة.

تقريره: ان للعبادة مقامات ولكن مقام لذة للعابد لا تدرك تلك اللذة بالوصف و البيان بل لابد لطالب دركها الوقوف دونه أو الدخول فيه و هذا نظير توصيف حديقة ذات أشجار كثيرة بأن فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذ الأعين، من أنواع الفواكه و الثمار و الأنهار و الأزهار، فانه لا توجد في نفس المستمع الا صورة خيالية من الحديقة قوامها في الوجود بتوجه النفس و انعدامها بقطع ذلك التوجه، و هذا و هو أن لكل مرتبة من مراتب الوجود خصوصية و حالة لا تدرك الا بالدخول في تلك المرتبة و لا توجد كمالها الا بعد الوصول الي تلك الحالة و ذلك مثل التفرج في البساتين و المزراع في أول الربيع فانه قد يدرك بالتوصيف و البيان شعرا و نثرا من متكلم فصيح فيمكن له توصيفها بحيث يري المستمع نفسه في وسط تلك البستان الخيالي مثلا ولكن ليست الا أوصاف تنتقش منها صورة خيالية يكون قوامها في الوجود بتوجه النفس و انعدامها بقطع ذلك التوجه، و أما الدرك الحقيقي فهو لا يوجد الا لمن دخل تلك البساتين و المزارع و وجد لذة التفرج و أكل الثمار و الانتفاع من الأنهار و الأزهار عيانا، و قد ثبت في علم الفلسفة أيضا أن درك لذات العالم بتشخص الوجود لا الماهية، و لعل هذا أحد أسرار قصة المعراج و سيره صلي الله عليه و آله و سلم جميع العوالم، فانه لابد لهذا النبي اذا أراد أن يصير واجدا لجميع الكمالات السير في جميع العوالم و استكمال جهة الملكوتية و اللاهوتية الكائنة في وجوده صلي الله عليه و آله و سلم و أنسه و ارتباطه مع كل من سكنها حتي تحصل السنخية و يدرك لذة مراتب الوجود بأسرها و تمامها.

اذا عرفت هذا فنقول: ان العبد الكامل من عبدالله في جميع مراتب العبودية و حيث كانت العبادة علي أقسام فقسم منها عبادة المخلصين الراجين، و قسم منها عبادة الخائفين العاصين، و كان الامام عليه السلام طالبا لأن يعبد الله بالعبودية الكاملة و السير في جميع مراحلها ففي بعض الأحيان نزل نفسه منزلة المذنب العاصي و يذكر في دعائه ما يقوله المرتكب لجميع المعاصي و ليس ذلك الا لما ذكر من درك ملاذ العبادة بجميع أقسامها و الوصول الي كمال العبودية من طرقها بأسرها.

و يشهد لما ذكرنا بل يدل عليه قول الامام زين العابدين عليه السلام في دعائه في التذلل لله (علي ما في الصحيفة الكاملة - الدعاء الثالث و الخمسون) قال عليه السلام بعد كلام له... قد أوقفت نفسي موقف الأذلاء المذنبين، موقف الأشقياء المتبحرين عليك، المستخفين بوعدك... الدعاء. و هذا هو المراد في جميع ما ورد في الأدعية من الاعتراف بالذنب و المعصية من هؤلاء المعصومين عليهم السلام.

[15] النحيزة: الطبيعة.

[16] سجم الدمع: سال.