بازگشت

في خضم التاريخ


لقد ارتحل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عام أحد عشر للهجرة [11 ه - 632 م] و بعد ذلك تولي الحكم الخلفاء الراشدون منذ 11 حتي 40 ه / 632 - 661 م ثم حكم الأمويون من 40 / 132 هـ / 661 - 750 م و استمر حكم العباسيين من 132 - 656 هـ / 750 - 1258 م.

و من بني أمية معاوية (رأس الأفعي) الذي أمر بسب الامام علي عليه السلام علي المنابر و قال كلمته: (حتي يموت عليها كبيرهم و يربي عليها صغيرهم)، و قتل علي الظنة و التهمة و أفقر و جوع و قوله لأهل الكوفة مشهور (جئت أتأمر عليكم)، لقد اعتبر نفسه مالك الأرض، ثم أورث الخلافة ابنه الفاسق يزيد بعد أن قتل من صحابة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما قتل، و هو المشهور عنه أسلوب المخادعة فبعد أن يؤمن الانسان يقتله و قال: (ان لله جنودا من عسل) عندما قتل مالك الأشتر بحيلته بالعسل المسموم. و عندما قتل معاوية حجر بن عدي و رفاقه [لغضب الصحابي الجليل من القدح في أهل البيت]، فانه كان يقتل استقلال الرأي. و عندما أصدر أوامره بعد عام الصلح (مصالحته مع الامام الحسن عليه السلام) بقوله: (انظروا الي من قامت عليه البينة أنه يحب عليا و أهل بيته فامحوه من الديوان و أسقطوا عطاءه و رزقه)، ثم أتبعها بقوله: (من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به و اهدموا داره)، فهو بذلك أعلن جاهليته و سفيانيته بكل حقد أمه و هي تلوك كبد حمزة عليه السلام و يتابع يزيد طريق النكر و الجور و الفسق و الجريمة الكبري النكراء قتله سبط النبي و ريحانته (حسين مني و أنا من حسين) و كانت كربلاء أكبر جريمة بأهل البيت عام احدي و ستين للهجرة حيث سبيت النساء الأطهار و اقتيدت الي دمشق فالمدينة...

انها مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مدينة النور و الهداية ها هو يزيد ينتهك حرمتها و يبيح نساءها و دماءها و أعراضها و أطفالها الذين لم يعصمهم قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم بقداسته من ذلك الثور الهائج... فقتل أهلها في حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كأنهم



[ صفحه 51]



يردون جميله يوم مكة (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن).

لقد ردوا الجميل بانتهاك المحرمات و اجبار من بقي من الأحياء علي مبايعة يزيد (علي أنهم خول يحكم في دمائهم و أموالهم و أهليهم، و الممتنع كان يوسم بالكي علي رقبته).

ان التاريخ لم يكتب و لم يشهد نظير ذلك قسوة و غلظة و مأساة فكانت وقعة الحرة عام ثلاث و ستون و صمة في جبين التاريخ فهي تصفية لجيل صحابة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من المهاجرين و الأنصار.

و ان ما لم يختلف عليه المؤرخون هو أن الأمويين لم تكن لهم أية نزعة اسلامية بل لم ينفذ الاسلام الي دخائل قلوبهم بل جري علي ألسنتهم فقط خوفا من حد السيف، و لما دخلوا في حظيرته نصبوا المكائد له و تربصوا به الدوائر فالنزعات الجاهلية في قلوبهم و عقولهم و لا أدل علي ذلك من قول أبي سفيان زعيم الأمويين عندما استلم عثمان الحكم أنه ذهب الي قبر سيدالشهداء حمزة فركله برجله و قال: (يا أباعمارة ان الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسي في يد غلماننا يتلعبون به) و مضي بعد ذلك منشرح الصدر الي عثمان فقال: (اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية و الملك ملك غاصبية و اجعل أوتاد الأرض لبني أمية) [1] و لم يحرك الخليفة ساكنا. هذه النزعة ورثها الأب ابنه.

يقول مطرف بن المغيرة: وفدت مع أبي المغيرة علي معاوية فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف الي فيذكر معاوية و عقله و يعجب بما يري منه، و أقبل ذات ليلة فأمسك عن العشاء و هو مغتم أشد الغم فانتظرته ساعة و ظننت أنه لشي ء حدث فينا أو في عملنا فقلت له: مالي أراك مغتما هذه الليلة؟



[ صفحه 52]



قال: يا بني جئت من أخبث الناس، قلت: و ما ذاك؟ قال: خلوت بمعاوية فقلت له انك قد بلغت مناك يا أميرالمؤمنين فلو أظهرت عدلا و بسطت خيرا فانك قد كبرت، و لو نظرت الي اخوانك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شي ء تخافه، فقال لي: هيهات هيهات!! ملك أخوتيم فعدل و فعل ما فعل فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره، الا أن يقول قائل: أبوبكر. ثم ملك أخو عدي فاجتهد و شمر عشر سنين فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره الا أن يقول قائل عمر. ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل ما عمل، و عمل به فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره و ذكر ما فعل به. و ان أخا بني هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات (أشهد أن محمدا رسول الله) فأي عمل يبقي بعد هذا لا أم لك الا دفنا دفنا. [2] .

و من معاوية و زبانيته و من بعد من ملك عاني الشيعة الجور و الاضطهاد فقتلوا بكل بلدة و قطعت الأيدي و الأرجل علي الظنة، و من يذكر بحب آل البيت كان يسجن و ينهب ماله و تهدم داره [3] ، و ما ذلك الا لأنهم ناهضوا الظلم و كافحوا الجور، و لقد كتب معاوية الي كافة عماله: (انظروا الي من قامت عليه البينة أنه يحب عليا و أهل بيته فامحوه من الديوان و أسقطوا عطاءه و رزقه، و كتب لا حقا: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به و اهدموا داره) [4] .

و أشد محنة لاقاها شيعة الكوفة أيام معاوية حيث استعمل عليهم زياد ابن أبيه، و كان به عالما فأشاع فيهم القتل و الاعدام، فقتلهم تحت كل حجر و مدر و قطع أيديهم و أرجلهم و سمل عيونهم و صلبهم علي جذوع النخل و شردهم و طردهم. [5] .



[ صفحه 53]



و هذا الاضطهاد و التنكيل لم يعده المسلمون قبلا بأحد منهم و هذا ما أثار سخط المسلمين و عملت الشيعة نتيجة الجور و الظلم علي تشكيل المنظمات السرية لايقاظ الرأي العام للتخلص من الحكم الأموي.


پاورقي

[1] تاريخ ابن عساكر، 6 / 407.

[2] ابن أبي الحديد، 2 / 357.

[3] شرح ابن أبي الحديد، 3 / 15.

[4] المصدر السابق.

[5] حياة الامام الحسن، 2 / 348.