بازگشت

ماذا بعد الثورة


انها الثورات التي فجرها الكبت و الجور. ثورات اقتدت ثورة الحسين عليه السلام ضد الظلم و من أجل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

لقد عايش الامام موسي عليه السلام هذا التشتت و القتل و التشريد كما عايشها أبوه و لقد اشترك عليه السلام في الثورة حيث خرج مع محمد بن عبدالله بأمر من أبيه هو و أخوه عبدالله.

و عندما قتل محمد و ابراهيم اللذان كانت ثورتهما الأمل للناس للتخلص من الظلامة المحيقة، خبا ذلك الأمل و أجاف الخلق أبوابهم عليهم و منهم من تخفي و منهم من هرب و منهم من صرخ عاليا و قتل.. و ها هو سفيان الثوري الشيخ الفقيه يقول: ما أظن الصلاة تقبل، الا أن الصلاة خير من تركها و عندما يتلفظ عالم فقيه كسفيان الثوري بذلك فعلينا ادراك شدة الألم و النقمة كما و يدل علي قسوة الحياة و المعاناة...

و كان من المتوارين الذين شهدوا مع محمد و ابراهيم الحسين بن زيد بن علي و الذي كان يقيم في منزل جعفر بن محمد عليه السلام و هو الذي رباه و نشأ في حجره منذ مقتل أبيه و لقد أخذ عن الصادق عليه السلام العلم و كان للحسين أخا هو محمد بن زيد و كان مع المنصور.

يقول يحيي بن الحسين: قالت أمي لأبي ما أكثر بكاءك فقال: و هل ترك السهمان و النار سرورا يمنعني من البكاء (يعني السهمين اللذين قتل بهما أبوه زيد و أخوه يحيي).



[ صفحه 67]



أما موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام و أمه هند أم أخويه محمد و ابراهيم فقد ضربه المنصور بالسياط حتي غشي عليه و كان مع الدفعة الأولي التي أخذها المنصور الي الربذة و كان حديث السن و قد ولدته أمه هند و لها من العمر ستون عاما و لقد قال له المنصور: لا أنعم الله بك عينا و بعد أن أفاق قال له انطلق فائتني بأخويك. و لقد وجهه أخوه محمد الي الشام لكنه قبل أن يبلغها قتل محمد (و قيل ان موسي رجع و قاتل مع أخيه و شهد مقتله) و قيل ذهب من الشام الي البصرة و كان معه ابنه عبدالله و مولي له و رجل من شيعته و قد قبض عليه (محمد بن سلمان ابن أخته) حيث كان موسي خاله و من ثم أرسله للمنصور الذي ضربه خمسمائة سوط و قيل لم يزل موسي محبوسا حتي أطلقه المهدي و قيل تواري حتي مات.

حدث عبدالله بن موسي عن أبيه قال: دخلت مع أبي علي أبي العباس السفاح و أنا غلام حديث السن فالتفت الي أبي فقال: لعل ابنك هذا يروي لامية أبي طالب؟ قال له: نعم يا أميرالمؤمنين قال: مره لنشدها فقال لي: قم فأنشده اياها.

قال: و دخل موسي يوما علي الرشيد ثم خرج من عنده فعثر بالبساط فسقط فضحك الخدم وضحك الجند، فلما قام التفت الي هارون فقال: يا أميرالمؤمنين انه ضعف صوم لا ضعف سكر.

و علي بن الحسن بن زيد بن علي عليه السلام فقد حبسه المنصور مع أبيه الحسن بن زيد و مات في الحبس، كذلك حمزة بن اسحاق بن علي بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب حبسه المنصور فمات في الحبس.

كم من قتيل و كم من أسير و كم من رأس في خزانة الرؤوس و كم من طفل ثكلته أمه و كم من اسطوانة بنيت علي آل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يذهب المنصور الي غير رجعة و لا رحمة من الله سبحانه هلك عدو الله بعد أن قتل



[ صفحه 68]



الكثير من خلق الله ظلما و عدوانا، فأبكي الأمهات و الآباء و أرعب القلوب، انه أبوالدوانيق الذي أسكن البؤس في النفوس فكم من مرة أرهب الصادق عليه السلام و كم من مرة استدعاه و هو يحلف الأيمان أن سيقتله... كم من المرات أرسل من يقتاده اليه دون حذاء أو كساء.

يروي السيد ابن طاوس (رض) أنه لما حج المنصور في سنة من السنين نزل الربذة و كان بها جعفر الصادق عليه السلام فغضب عليه يوما فدعا ابراهيم بن جبلة و قال له: قم اليه فضع ثيابه في عنقه، ثم ائتني به سحبا. قال ابراهيم: فخرجت حتي أتيت منزله فلم أصبه، فطلبته في مسجد أبي ذر فوجدته فاستحييت أن أفعل ما أمرت به، فأخذت بكمه فقلت له: أجب أميرالمؤمنين فقال: (انا لله و انآ اليه راجعون)، دعني حتي أصلي ركعتين، ثم بكي بكاء شديدا و أنا خلفه ثم قال: (اللهم أنت ثقتي...) ثم قال: اصنع ما أمرت به فقلت: و الله لا أفعل و لو ظننت أني أقتل، فأخذت بيده فذهبت به، لا و الله ما أشك الا أنه يقتله، فلما انتهيت به الي باب الستر قال: (يا اله جبرائيل..) فلما أدخلته عليه أقبل يلومه و قال: و الله لأقتلنك، فقال عليه السلام: خذ عني، فوالله لقل ما أصحبك، فقال أبوجعفر: انصرف ثم التفت الي عيسي بن علي فقال له: الحقه فسله: أبي أم به؟ (أي بموتي أم بموته) فخرج يشتد حتي لحقه فقال: يا أبا عبدالله. أميرالمؤمنين يقول لك: أبك أم به؟ فقال: لا، بل بي، فعاد فأخبر المنصور بذلك، فسر به.

لقد كان المنصور (لعنه الله) يعلم في سريرته من هو الصادق عليه السلام و يؤمن بكراماته و موقعه و أحقيته كان كابليس داخله البغض و الحسد و الجور و البهتان، لم ينس و لن ينسي أنه كان يسوي السرج لمحمد بن عبدالله... و لا يمكنه في أية خطوة يخطوها الا أن يذكر طفولته و من هو لذلك كان يتقمصه ابليس في طغيانه للقضاء علي النسل الطاهر من آل البيت و خاصة سيدهم في ذلك الحين الصادق عليه السلام، و كم من المرات أبكي تلك العيون التي لا تبكي



[ صفحه 69]



الا لخشية الله.. بكي الصادق عليه سلام الله و هو ينظر أهله يقتلهم أبوالدوانيق... هذا محمد ذوالنفس الذكية و ذلك ابراهيم و الديباج و رتل طويل طويل من القتلي و المقتولين في المطامير ظلما و عدوانا و تلك رسالته عليه السلام الي عبدالله بن الحسن في سجنه تطفح ألما و تعج طهرا و صبرا... كما أسدي النصح لعبدالله و هو يقول هذا ابني المهدي و بقلب جرحته المأساة و ملأه العذاب يقول له... ليس هو المهدي و لم تؤن الساعة. و يرد عبدالله... هذا حسد منك لابني...

لكن الصادق عليه سلام الله يبكي ألما و يقول و الله يا عماه ما هو بالمهدي و لكنه سيقتل مع أخيه... و لم يبخل عليه السلام بابنيه موسي و عبدالله فأخرجهما مع محمد بعد أن اعتذر عن نفسه علما أن فؤاده كان يتوق للشهادة مع محمد لكن الأمة في ذلك الوقت بحاجة اليه مرشدا معلما موجها حافظا لشريعة الله..

لم يؤن الأوان كما قال عليه السلام و كما قالها قبله أبوه الباقر عليه السلام لأخيه زيد بن علي الشهيد و لابنه يحيي... و ان لله حكمته في ذلك.. ثورة، و ثورة... و تقية، و تقية.

حدث علي بن عباس قال: أنبأنا بكار بن أحمد قال: حدثنا يحيي بن الحسن قال: حدثني حماد بن يعلي قال: قلت لعلي بن عمر بن علي بن الحسين: أمتع الله بك، أسمعت جعفرا يذكر في محمد و ابراهيم شيئا؟ قال: سمعته حين أمره أبوجعفر أن يسير الي الربذة، فقال: يا علي بنفسي أنت، سر معي، فسرت معه الي الربذة، فدخل علي أبي جعفر و قمت أنتظره، فخرج علي جعفر و عيناه تذرفان فقال لي: يا علي، ما لقيت من ابن الخبيثة، و الله لا أمضي، ثم قال: رحم الله ابني هند انهما كانا لصابرين كريمين، و الله لقد مضيا و لم يصبهما دنس [1] ... قال: و قال غيره انه قال: فما آسي علي



[ صفحه 70]



شي ء الا علي تركي اياهما لم أخرج معهما.

و جاء أن موسي عليه السلام و عبدالله ابنا جعفر بن محمد عليه السلام كانا عند محمد بن عبدالله فأتاه جعفر فسلم، ثم قال: تحب أن يصطلم أهل بيتك، قال: ما أحب ذلك، قال: فان رأيت أن تأذن لي فانك تعرف علي. قال: قد أذنت لك ثم التفت محمد بعد ما مضي جعفر عليه السلام الي موسي عليه السلام و عبدالله ابن جعفر فقال: الحقا بأبيكما فقد أذنت لكما، فانصرفا، فالتفت جعفر فقال: ما لكما؟ قالا: قد أذن لنا، فقال جعفر عليه السلام: ارجعا فما كنت بالذي أبخل بنفسي و بكما عنه، فرجعا فشهدا محمدا.

انه الصوت الحق لذي تمني علي عبدالله بن الحسن قائلا: لا تفعلوا... فان هذا الأمر لم يأت بعد... (ان كنت تري أن ابنك هذا هو المهدي فليس به، و ليس هذا أوانه و ان كنت انما تريد أن تخرجه غضبا لله و ليأمر بالمعروف وينه عن المنكر فانا و الله لا ندعك و أنت شيخنا و نبايع ابنك)... و ها هو و الألم يعتصر نفسه و هو يقول له: (انها و الله ما هي اليك و لا الي ابنيك و لكنها لهم، و ان ابنيك لمقتولان...) كان عليه السلام يعلم مما علمه الله سبحانه بما يجري فكان اذا رأي محمد بن عبدالله بن الحسن ترغرغت عيناه، ثم يقول: بنفسي هو، ان الناس ليقولون فيه انه المهدي... و انه لمقتول، ليس هذا في كتاب أبيه علي من خلفاء هذه الأمة!!!


پاورقي

[1] مقاتل الطالبيين، ص 222.