بازگشت

في زمن الهادي


و دارت رحي الأيام فاستلم الهادي الذي ولد بالري سنة 144 ه و قد حاول اكراه الرشيد علي التنازل فقتل بدار الحريم بتحريض من أمه الخيزران فهل سيكون الهادي بأفضل من أبيه و جده الذين أخذوا علي عاتقهم قتل و ابادة أهل البيت؟ ففي زمانه خرج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام و هو الشهيد صاحب (فخ).

عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال: مر النبي صلي الله عليه و آله و سلم بفخ فنزل فصلي ركعة فلما صلي الثانية بكي و هو في الصلاة فلما رأي الناس النبي يبكي بكوا فلما انصرف قال: ما يبكيكم؟ قالوا: لما رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله



[ صفحه 78]



قال: نزل علي جبرائيل لما صليت الركعة الأولي فقال: يا محمد ان رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان و أجر الشهيد معه أجر شهيدين.

و عن زيد بن علي قال: انتهي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: الي موضع فخ فصلي بأصحابه صلاة الجنازة، ثم قال: يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين ينزل لهم بأكفان و حنوط من الجنة تسبق أرواحهم أجسادهم الي الجنة.

و كذلك صلي بفخ الامام الصادق عليه السلام و بكي و قد حدث بذلك النضر بن قرواش، و كذلك حدث الحسن بن الحسين (بن جامع عن موسي بن عبدالله بن الحسن) قال: حججت مع أبي فلما انتهينا الي فخ أناخ محمد بن عبدالله بعيره فقال لي أبي: قل له يثير البعير، فقلت له فأثاره ثم قلت لأبي: يا أبه لم كرهت له هذا؟ قال: انه يقتل في هذا الموضع رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم الي الجنة.

لقد كان الحسين جوادا شهما فارسا عابدا حدث اسماعيل بن ابراهيم الواسطي قال: جاء رجل الي الحسين بن علي صاحب فخ فسأله فلم يكن عنده شي ء فأقعده و بعث الي أهل داره من أراد أن يغسل ثيابه فليخرجها فأخرجوا ثيابهم ليغسلوها فلما اجتمعت قال للرجل خذها!!! [1] .

و باع ضيعة ليفي دينه فوزع ثمنها...و كان يتصدق حتي لا يبقي معه ثمن الطعام.

أما سبب خروجه عليه سلام الله فان موسي الهادي ولي المدينة اسحاق بن عيسي بن علي فاستخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبدالعزيز بن عبدالله حمل علي الطالبيين و أساء اليهم مفرطا في التحامل عليهم حيث طالبهم بالعرض كل يوم فكانوا يعرضون في المقصورة



[ صفحه 79]



ثم أخذ كل واحد منهم بكفالة قرينه و نسيبه فكان أن الحسين بن علي و يحيي بن عبدالله بن الحسن يضمنان الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن و عندما وافي أوائل الحاج و قدم من الشيعة نحو من سبعين رجلا نزلوا دار ابن أفلح بالبقيع و أقاموا بها و لقوا حسينا و غيره فبلغ ذلك العمري فأنكره، و كان قبل ذلك قد أخذ الحسن بن محمد بن عبدالله و ابن جندب الهذلي الشاعر و مولي لعمر بن الخطاب و هم مجتمعون فأشاع أنه وجدهم علي شراب فضرب الحسن ثمانين سوطا و ضرب ابن جندب خمسة عشر سوطا و ضرب مولي عمر سبعة أسواط و أمر بأن يدار بهم في المدينة مكشفي الظهور ليفضحهم، فبعثت اليه الهاشمية صاحبة الراية السوداء في أيام محمد بن عبدالله فقالت له: لا و لا كرامة لا تشهر أحدا من بني هاشم و تشنع عليهم و أنت ظالم، فكف عن ذلك و خلي سبيلهم.

و لما اجتمع النفر من الشيعة في دار ابن أفلح أغلظ العمري أمر العرض و ولي علي الطالبيين رجلا يعرف بأبي بكر بن عيسي الحائك مولي الأنصار، فعرضهم يوم جمعة و لم يأذن لهم بالانصراف حتي بدأ الناس بالمجي ء الي المسجد، فأذن لهم فكان قصاري أحدهم أن يغدو و يتوضأ للصلاة، فلما صلوا حبسهم في المقصورة الي العصر ثم عرضهم فدعا باسم (الحسن بن محمد) فلم يحضر فقال ليحيي و الحسين بن علي: لتأتياني به أو لأحبسكما فان له ثلاثة أيام لم يحضر العرض [2] . فراده بعض المرادة و شتمه يحيي و خرج و مضي ابن الحائك فدخل علي العمري و أخبره، فدعا لهما فوبخهما و تهددهما فتضاحك الحسين و قال: أنت مغضب يا أبافحص، فقال العمري: أتهزأ بي و تخاطبني بكنيتي؟! فقال له: قد كان أبوبكر و عمر و هما خير منك يخاطبان بالكني فلا ينكران ذلك و أنت تكره الكنية و تريد المخاطبة بالولاية! فقال: آخر قولك شر من أوله، فقال: معاذ الله، يأبي الله لي ذلك و من أنا



[ صفحه 80]



منه. فقال له: أفأنما أدخلتك الي لتفاخرني و تؤذيني، فغضب يحيي بن عبدالله و قال له: فما تريد منا؟ قال: أريد أن تأتياني بالحسن بن محمد، فقال: لا نقدر عليه، هو في بعض ما يكون فيه الناس، فابعث الي آل عمر بن الخطاب فاجمعهم كما جمعتنا ثم اعرضهم رجلا رجلا فان لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من غيبة الحسن عنك فقد أنصفتنا.

فحلف علي الحسين بطلاق امرأته و حرية مماليكه أنه لا يخلي عنه أو يجيئه به في باقي يومه و ليلته و أنه ان لم يجي ء به ليركبن الي سويقه فيخربها و يحرقها و ليضربن الحسين ألف سوط و ان وقعت عينه علي الحسن بن محمد ليقتلنه من ساعته..

فوثب يحيي مغضبا فقال له: أنا أعطي الله عهدا و كل مملوك لي حر ان ذقت الليلة نوما حتي آتيك بالحسن بن محمد أو لا أجده فأضرب عليك بابك لتعلم أني قد جئتك، و خرجا من عنده و هما مغضبان و هو مغضب، فقال الحسين ليحيي بن عبدالله: بئس لعمر الله ما صنعت حين تحلف لتأتينه به، و أين تجد حسنا؟!... قال: لم أرد أن آتيه بالحسن و الله و الا فأنا نفي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و من علي عليه السلام بل أردت ان دخل عيني نوم حتي أضرب عليه بابه و معي السيف ان قدرت عليه قتلته.

فقال الحسين: بئسما تصنع، تكسر علينا أمرنا؟!

قال يحيي: و كيف أكسر عليك أمرك و انما بيني و بين ذلك عشرة أيام حتي تسير الي مكة.

و اجتمع ستة و عشرون رجلا من ولد علي و عشرة من الحاج و نفر من الموالي، و مع أذان الصبح دخلوا المسجد و نادوا: أحد... أحد و صعد عبدالله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي صلي الله عليه و آله و سلم عند موضع الجنائز فقال للمؤذن: أذن بحي علي خير العمل فأذن و سمعه العمري فأحس



[ صفحه 81]



بالشر و دهش و صاح: أغلقوا البغلة الباب و أطعموني حبتي ماء... ثم اقتحم الي دار عمر بن الخطاب و خرج في الزقاق هاربا حتي نجا...

فصلي الحسين بالناس الصبح و دعا بالشهود و بالحسن قائلا: قد جئتكم بالحسن فهاتوا العمري و الا و الله خرجت من يميني و مما علي.

و لم يتخلف من الطالبيين الا الحسن بن جعفر بن الحسن فانه استعفاه فلم يكرهه و موسي بن جعفر بن محمد عليهم السلام و قيل ان موسي بن جعفر عليه السلام أتي بعد عتمة الي الحسين صاحب فخ فانكب عليه و قال: أحب أن تجعلني في سعة و حل من تخلفي عنك فقال: أنت في سعة، و قال الحسين لمويس بن جعفر بالخروج، فقال له: انك مقتول فأحد الضراب فان القوم فساق يظهرون ايمانا و يضمرون نفاقا و شركا، فانا لله و انا اليه راجعون و عندالله عزوجل أحتسبكم من عصبة.

و خطب الحسين بن علي بعد الصلاة... و هكذا خرج الحسين بن علي مع أهله و مواليه و أصحابه بزهاء ثلاثمائة و استخلف علي المدينة دينار الخزاعي... (خرج سلام الله عليه كما خرج الشهيد الحسين الي كربلاء آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر). و في فخ تلقتهم الجيوش و عرض العباس علي الحسين الأمان و الصلة فأبي ذلك و نادي مناديه: (هذا الحسين ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ابن عمه يدعوكم الي كتاب الله و سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم...

و حدثت البيعة علي كتاب الله و سنة رسول الله و علي أن يطاع الله و لا يعصي، و دعاهم الي الرضا من آل محمد...)، و لقيته الجيوش يقودها العباس بن محمد و موسي بن عيسي و جعفر و محمد ابنا سليمان، و التقوا عند صلاة الصبح يوم التروية...

و أصيب الحسن بن محمد بنشابة في عينه فتركها و جعل يقاتل أشد القتال، فناداه محمد بن سليمان يا ابن خال اتق الله في نفسك و لك الأمان.



[ صفحه 82]



قال: و الله ما لكم من أمان و لكني أقبل منك و كسر السيف و دخل ايهم فصاح العباس بن محمد بابنه: قتلك الله ان لم تقتله، فعاجلوه و ضربوا عنقه. و نشبت الحرب بين العباس بن محمد و محمد بن سليمان فقال: أنت ابن خالي فقتلتموه... و هكذا... جاء الجند بالرؤوس الي موسي و العباس و كان هناك جماعة من ولد الحسن و الحسين فلم يتكلم أحد الا موسي بن جعفر عليه السلام فقال له: هذا رأس الحسين.

قال عليه السلام: انا لله و انا اليه راجعون، مضي و الله مسلما صالحا صواما قواما، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، ما كان من أهل بيته مثله؛ فلم يجيبوه بشي ء... و حملوا الرؤوس الي الهادي مع الأسري حيث ضربت أعناقهم.

و كان بين يديه رجل من الأسري قال: أنا مولاك يا أميرالمؤمنين فقال: مولاي يخرج علي؟ و كان معه سكين فقال و الله لأقطعنك بهذه السكين مفصلا مفصلا..

قيل و غلبت عليه العلة فمكث ساعة ثم مات و سلم الرجل من القتل.

و عندما بلغ العمري ما جري بفخ أحرق دار الحسين بن علي و دور أهله و أخذ أموالهم و نخلهم...

و قد كان خرج مع الحسين من أهل بيته: يحيي و سليمان و ادريس بنو عبدالله بن الحسن بن الحسن و علي بن ابراهيم بن الحسن و ابراهيم بن اسماعيل طباطبا و الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن و عبدالله و عمر ابنا اسحاق بن الحسن بن علي بن الحسن و عبدالله بن اسحاق بن ابراهيم بن الحسن.

و لقد حدث ابراهيم بن اسحاق القطان قائلا: سمعت الحسين بن علي و يحيي بن عبدالله يقولان: ما خرجنا حتي شاورنا أهل بيتنا و شاورنا موسي بن جعفر فأمرنا بالخروج.



[ صفحه 83]



و أخبر جماعة من موالي محمد بن سليمان: أنه لما حضرته الوفاة جعلوا يلقنونه الشهادة و هو يقول:



ألا ليت أمي لم تلدني و لم أكن

لقيت حسينا يوم فخ و لا الحسن



و ظل يرددها حتي مات.

أيها التاريخ أما لعينيك الكلل و أنت تري تلك المجازر و المآسي التي ألمت بآل البيت الطاهر بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تمر كشريط أسود لونته الدماء التي جفت علي مذابح الكفر و الفجور... يتكالب الرعاع علي قتل الأطهار أفواج تتلو بعضها... و الصراع قائم بين الحق و الباطل..

يقول موسي بن عيسي: هم و الله أكرم عندالله و أحق مما في أيدينا منا و لكن الملك عقيم و لو أن صاحب القبر (يعني النبي صلي الله عليه و آله و سلم) نازعنا الملك لضربنا خيشومه بالسيف.



كلاب عوت لا قدس الله أمرها

فجاءت بصيد لا يحل لآكل



ترددها الأصداها و تتجاوبها الآفاق من كلاب بني أمية الي كلاب بني العباس.

و يبقي كلم يحيي (و هل في أمة محمد فتنة أعظم مما أنتم فيه من سفك الدماء و أخذ ما لستم له بأهل) تتناوله الآذان و تبقي الكناسة و الحرة و كربلاء و صمة في وجه الأمويين و تبقي أحجاز الزيت و باخمري و فخ و غيرها و صمة للعباسيين.

و ها هي يد الخراساني أبومسلم تقتل قتلة آل البيت... و الملك عقيم... هكذا قالوا... و الخوف عليه جعل من صنعه للعباسيين ضحية له... فيقتل أبومسلم و يتلوه غيره الكثير.

و ها هي خزانة الدوانيقي ممتلئة بالرؤوس، و التاريخ الأسود ملطخ



[ صفحه 84]



بالدماء الطاهرة و (انا أعطيناك الكوثر) لن ينقطع نسل الزهراء بل سيستمر ليحمل شعار الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، ما دام الحق و الباطل يتصارعان.


پاورقي

[1] مقاتل الطالبيين، ص 170.

[2] مقاتل الطالبيين، ص 374.