بازگشت

طفولة ليس فيها طفولة


كل الأطفال يبكون حين يسقطون من بطون أمهاتهم و كلهم لهم طقوس معينة... الا الأئمة... فموسي عليه السلام سقط رافعا اصبعه متشهدا طاهرا مختونا معطرا... دموعه كانت قطرات الندي و شهيقه... لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله الشهادتين و الولاية... تلك الولادة... و ماذا بعد.

لقد رأت عينا الامام موسي عليه السلام المآسي و العذاب و التنكيل منذ أن ولد و نشأ و ترعرع، فها هي تلك الثورة التي أطاحت بالأمويين لتنهي سلسلة الجور و الضنك و الازلال و الظلم الأموي كي يبدأ القهر العباسي،... تفتحت عينا الوليد علي الدماء تجري و علي صفوف القتلي و دموع الثكالي... أربع سنوات كان عمره الطاهر... يدرك فيها كل ما يدور حوله و ما يراه أو يسمعه أو يحسه، خاصة في مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم التي قرأ فيها التاريخ كل السطور المجحفة، و نظر فيها ذلك الكبت و الظلم منذ أن ودعها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و التحق بالرفيق الأعلي، كانت رائحة النار تلطخ سطور التاريخ حول بيت فاطمة عليهم السلام و كانت فواصل السطور تئن مع الضحايا في الحرة ممتدة بين شعب القتل و التدمير، و احراق المنازل؛ و ظن الناس أن الثورة هي للرضا من آل محمد و يركض الطفل خلف والده ليسمعه يقول لابن عمه... و الله ما هي لكم...و ليراه يقول لمحمد بن عبدالله ما أنت بالمهدي و لا هذا زمانك... الصادق صدق... و صدق الصادق عليه السلام، فلقد انجلي الغبار و تمخضت الثورة عن استيلاء السفاح أبوالعباس علي دست الحكم، و فتك الخراساني و علي القتل و نبش القبور، فكم أحرق و فتك و تلك الفتكة الكبري لكنه استيقظ فجأة من صولاته و جولاته، استيقظ قلبه من جنون القتل و السفك ليري سواد المستقبل، فيخط رسالته للصادق عليه السلام... و جزافا كانت... و ها هو يقتل..

بحار الدماء سقت رمال الصحراء و طوفت الي السفوح و تنفستها الرياح و لعبت بها الشمس، فاذ بها تنقلب سوداء فاحمة تحملها الرايات السوداء



[ صفحه 95]



و التي ستأتي بليل عباسي أشد حلكة من ليل بني أمية، تفوح منه رائحة الجثث و القتلي و الدماء، و يسمع الطفل والده الذي يستنكر هذه الابادة، و هذه الجائحة من الانتقام و التشفي الذي حمله السفاح و أمر به الخراساني الشاب المندفع بخططه الجهنمية. لقد كان عليه السلام يحمل الطهر و النقاء و العفو و الرفق و الاحسان، حمله من جده صلي الله عليه و آله و سلم الذي قال: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) و دار أبي سفيان هي (هنود آكلة الكبود) و حمله من حفيد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سيد العابدين و هو يأوي بني مروان يوم الحرة..

و ها هو عليه السلام يستنكر ما يفعله العباسيون بأعدائهم و أعدائهم يصفح عمن أذاقه و أذاق والده مآسي الحياة..

طفل ذو أربع سنوات، أترابه يلهون و هو يأمر الشاة بالصلاة، طفل حاول أبوحنيفة استكشاف شي ء فوجده النبع الثر و رآه بقلبه فعاد عن باب الصادق عليه السلام و نفسه تقول اذا كان الصغار هكذا، فكيف شأن الكبار. طفل يري والده عليه السلام يحرق رسالة الخلال، و يسمع والده يقول لعبدالله و ابنه محمد ألا ينخدعا فليس لهما ذلك الأمر..

و ها هي الثورات تتري و مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تشهدها و يقف الشاب مع دعاة الحق يضرب بسيفه و يذب عن دين الله،... و يقتل ذوالنفس الذكية علي أحجار الزيت و يري دموع والده علي آل علي و أبناء فاطمة و هم يساقون كالبعير الي السجون، لكن البعير دون أغلال و هم سلاسلهم بأرجلهم و أعناقهم، و دماؤهم تشخب منهم، و ها هي رؤوسهم فوق الرماح يطاف بها و كان... (ظلم ذوي القربي أشد مضاضة).

و أبوالدوانيق، لم يراع حرمة و لا رحما بل استفحل به الشر فقتل الشيوخ مع الأطفال قتلا و تعذيبا و تشريدا و تفتقت قريحته عن نوع لم يشهده التاريخ... (و الله سأقتلك قتلة لم يعرفها أحد)، و كان قتلاه أحياء يصفون



[ صفحه 96]



ضمن الاسطوانات ليرتفع عليها البناء... ليصرخ بالأنين في صمت الليالي السود... و كان الموت... صورة أخري و سجلا آخر و خزائنه ملئت بالرؤوس... المنصور ويح نفسه كم حمل في كتابه ليلاقي ربه بسجل ملي ء بالمنكرات... زد علي ذلك ما اعتلج في النفوس من منكر و تزندق تفشي في الأقطار و زحف كالنار... تأكل الهشيم... ليأكل الاسلام. و يلتهم الأديان بالعبث بالآداب و افساد النظم الاجتماعية، و ارتكاب المحرمات،..

و يتصدي لذلك الامام الصادق عليه السلام و ابنه الامام الكاظم عليه السلام باذلين كل ما لديهم من قوة لدحضها و كسر شوكتها بكل السبل و الوسائل...

يقول جل من قائل: (و ممن خلفنا أمة يهدون بالحق و به يعدلون) [1] .. و يقول سبحانه: (ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم) [2] .

لقد حمل علي بن الحسين عليه السلام الرسالة من أبيه الحسين عليه السلام و حملها ابنه الباقر عليه السلام من بعده فكان أن جابه ما جابه آباؤه في سبيل ذلك (رحمت الله و بركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد) [3] .

و لقد استشهد الامام الصادق عليه السلام ليحمل أمانته الامام الكاظم عليه السلام و كان سم المنصور في عنبه الذي أجبر الامام علي تناوله، هو الذي فعل فعلته المنكرة حسدا و حقدا و خوفا... و كان ذلك في الخامس و العشرين من شوال و قد مضي من عمره الكريم خمسة و ستون عاما..

جاء في مشكاة الأنوار: دخل بعض أصحاب أبي عبدالله عليه السلام عليه في مرضه الذي توفي فيه و قد ذبل فلم يبق الا رأسه، فبكي فقال عليه السلام: لأي شي ء تبكي؟ فقال: كيف لا أبكي و أنا أراك علي هذه الحال؟ قال عليه السلام: لا



[ صفحه 97]



تفعل، فان المؤمن يعرض عليه كل خير ان تقطع أعضاؤه كان خيرا له و ان ملك ما بين المشرق و المغرب كان خيرا له..

لقد رحل الي بارئه سبحانه و تعالي و ترك الرسالة الأمانة، و ترك جامعته أمانة في عنق ابنه موسي بن جعفر عليه سلام الله... (فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد و جئنا بك علي هؤلآء شهيدا) [4] .

و بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان الأئمة هم أعلام الهدي و حجج الله علي الأرض أمارون بالمعروف ناهون عن المنكر، سابعهم كاظمهم موسي بن جعفر عليه السلام. يقول الله سبحانه: (ان عدة الشهور عندالله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات و الأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم) [5] .. ان عدد الشهور كعدد الأئمة الذين حمل كل منهم عب ء الأمة و هديها..

يقوله سبحانه: (قل لا أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [6] .



[ صفحه 98]




پاورقي

[1] سورة الأعراف، الآية: 188.

[2] سورة آل عمران، الآية: 14.

[3] سورة هود، الآية: 73.

[4] سورة النساء، الآية: 41.

[5] سورة التوبة، الآية: 36.

[6] سورة الشوري، الآية: 23.