بازگشت

استقلال مدرسته


لقد استقلت مدرسة الصادق عن السلطة فلم تخضع لها و لم تفسح المجال لولاة الأمر بالتدخل في شؤونها أو تكون لهم يد في توجيهها و تطبيق نظامها و لذا لم يتسن لذوي السلطة استخدامها في مصالحهم الخاصة... فقد كانت منذ نشأتها الأولي تحارب الظالمين و لا تركن اليهم و لا تربطها بهم أية روابط و لا أي انسجام لذا تعرضت للخطر فالدولة تحمل العداء لهذه المدرسة لأنها لا يمكنها التنازل لنهج المدرسة لكسب ودها و لا المدرسة يمكنها التنازل لارادة الدولة فتؤازرها و تسير بخدمتها و ذلك محال كونه لا ترتبط بالثقلين... كتاب الله و عترة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المتلازمان اللذان لن يفترقا حتي يردا الحوض فالقرآن ينهي عن معاونة الظالمين (و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار و ما لكم من دون الله من أوليآء ثم لا تنصرون) [1] .

لقد فزعت السلطة الحاكمة من مدرسة الامام عليه السلام و هالها اتساع نطاقها و كثرة المنتمين اليها خاصة و أنهم يحملون علوم الامام يحدثون الناس بها و ينشرون فضائله و مناقب أهل البيت عليهم السلام مما أقض مضاجع المنصور فخشي علي مصالحه السياسية و خاف افتتان الناس بالامام - علي حد قوله - فعهد الي أبي حنيفة بمجابهته.. و أني له ذلك..



[ صفحه 125]



يقول أبوحنيفة: (ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد...) و ان دل ذلك علي أمر فهو يدل علي مدي حنق السلطة و حقدها و حذرها من الامام و علي مقدرة الامام العلمية التي كانت لديه.

و عمد المنصور الي مكافحة مدرسة الامام عليه السلام لعزله فقرب مالك بن أنس مبجلا اياه مكرما له ليجعله مرجع الأمة و قد عهد اليه بوضع كتاب يحمل الناس قسرا علي العمل به.

و امتنع مالك بادي ذي بدء فأجبره علي ذلك قائلا: ضعه فما أحد اليوم بأعلم منك، فوضع (الموطأ) و أمر الرشيد عامله علي المدينة أن لا يقطع أمرا دون مالك.. و كان الرشيد يجلس أرضا لاستماع حديثه، حيث التزمت الدولة مالك و سخرت أجهزتها الدعائية لنشر مذهبه و حمل الناس عليه كي تصرف الناس عن مذهب أهل البيت الذي انتشر و علا أمره بسبب الامام الصادق عليه السلام و لقد بالغ الرشيد في تعظيم أبي يوسف لأنه تلميذ أبي حنيفة و ناشر مذهبه فولاه رئاسة القضاء حيث يتم تولية القضاة في الأمصار باشارته حتي قال له: يا أبايعقوب لو جاز لي ادخالك في نسبي و مشاركتي في الخلافة المفضية الي لكنت حقيقا به.. و هكذا جهدت السلطة العباسية بتأسيس بعض المذاهب و العناية بأصحابها و ارغام الأئمة علي الأخذ بآرائها و العمل بافتاءاتها كي تصرف المسلمين عن مدرسة أهل البيت و مذهبهم و كان المنصور فاتح أبواب ذلك الاضطهاد الفكري الذي سار علي نهجه بعده الملوك العباسيون لاخماد الوعي الديني المستمد من أهل البيت.


پاورقي

[1] سورة هود، الآية: 113.